في أغوارِ الزَمَنِ، بِدايَةٌ وَنِهايَةٌ. وَسِرُّ هذا ال​وجود​ِ كيانِيَّةٌ ثالوثِيَّةٌ قائِمَةٌ على الواجِدِ والمَوجودِ وَوِجدانِ المَوجودِ، على العاقِلِ والمَعقولِ وَعَمَلِيَّةِ العَقلِ. في بَدءِ كُلِّ بِدايَةٍ بَل قَبلَ البَدءِ، وَفي نِهايَةِ كُلِّ نِهايَةٍ بَل وَبَعدَها. هو سِرٌّ يُعطي لِلحَقيقَةِ تَسمِيَتَها، فَتَغدو مَعَهُ الحَقيقَةُ حَقيقَةً. قَبلَهُ، الحَقيقَةُ تَمَنٍّ وافِرٍ، بِهِ تُصبِحُ فَحوىً لِوافِرٍ، خاصِيَّةً في النورِ الوالِجِ الظُلمَةِ لِغَلَبَتِها في الرؤيَةِ المُباشَرَةِ.

يا لِلإكتِنازِ! بَدؤهُ الزَمَكانِيُّ: بُحَيرَةُ "جينيساراتَ" ‒نِسبَةً الى البَلدَةِ الُ​لبنان​ِيَّةِ-الفينيقِيَّةِ‒، بُحَيرَةُ-بَحرِ الجَليلِ-طَبَرَيَّةَ، ألْمَنبَعُها مِن لبنانَ حاضِنِها-السياجِ. بِهِ بَدءُ بِدايَتَها وإلَيهِ ما بَعدَ كيانِيَّةِ حَقيقَتِها، في ثالوثِيَّةِ الوجودِ.

ها الواجِدُ-العاقِلُ، قَبلَ البَدءِ: "وَكانَ يَسوعُ سائِراً على شاطِئِ بَحرِ الجَليلِ، فَرأى أخَوَينِ: سِمعانَ ألْيُقالُ لَهُ بُطرُسَ وأنْدراوسَ أخوهُ يُلقِيانِ الشَبَكَةَ في البَحرِ، لِأنَّهُما صَيَّادَينِ. فَقالَ لَهُما: إتبَعاني أجعَلُكُما صَيَّادَيّ بَشَرٍ. لِلوَقتِ، تَرَكا الشِباكَ وَتَبِعاهُ. ثُمَّ (...) رأى آخَرَينِ: يَعقوبُ بِن زَبَدى وَيوحَنَّا أخوهُ، مَعَ أبيهِما في السَفينَةِ يُصلِحانِ شِباكَهُما، فَدَعاهُما. لِلوَقتِ تَرَكا السَفينَةَ وأباهُما وَتَبِعاهُ." (مَتَّى 4/18-22).

وَهَذا المَوجودُ-المَعقولُ بِبَدءِ البِدايَةِ: "وَإزدَحَمَ الـجَمعُ عَلَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ اللهِ، وَهوَ قائِمٌ على شاطِئِ بُحَيرَةِ جينيساراتَ. (...). فَرَكِبَ إحدى السَفينَتَينِ وَكانَت لِسِمعانَ، (...) وَجَلَسَ يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَفينَةِ. وَلَـمَّا إنتَهى، قالَ لِسِمعانَ: سِرْ الى العُمقِ، وأَرسِلوا شِباكَكُمُ لِلصَيدِ. فأجابَهُ: يا مُعَلِّمُ، تَعِبنا طَوالَ الَليلِ وَلَم نُصِب شَيئاً، لَكِنّي على كَلِمَتِكَ أُرسِلُ الشِباكَ. وَفَعَلوا فأصابوا مِنَ السَمَكِ كَثيراً جِدَّاً، وَكادَت شِباكُهُمُ تَتَمَزَّقُ. فأشاروا لِشُرَكائِهِمِ في السَفينَةِ الأُخرى لِيُعاوِنوهُم. فَأتوا، وَمَلأوا السَفينَتَينِ حَتَّى كادَتا تَغرِقانِ. فَلَمَّا رأى سِمعانُ بُطرُسَ ذَلِكَ، إرتَمى عِندَ قَدَمَي يَسوعَ وَقالَ: يا رِبُّ، تَباعَد عَنِّي، إنِّي خاطِئٌ. (...). فَقالَ لَهُ يَسوعُ: لا تَخَف!" (لوقا 5/1-10).

وَهوَذا وِجدانُ-عَمَلِيَّةِ-العَقلِ-المَوجودِ، ما بَعدَ النِهايَةِ-البِدايَةِ: "وَتَراءى يَسوعُ (بَعدَ قيامَتِهِ) لِلتَلاميذِ مَرَّةً أُخرى. وَكانَ ذَلِكَ على شاطِئِ بُحَيرَةِ طَبَرَيَّةَ. (...). فَقالَ لَهُمُ: هاتوا مِنَ السَمَكِ ألْأَصَبتُموهُ. وَبَعدَ أن فَطِروا، سَألَ سِمعانَ بُطرُسَ: يا سِمعانَ بِن يونا، أتُحِبُّني أكثَرَ مِن هَؤلاءِ؟ اجابَ: نَعَم يا رَبُّ، أنتَ تَعلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ حُبَّاً شَديداً. قَالَ لَهُ: إرعَ حِملاني. وَسَألَهُ ثانِيَةً: يا سِمعانَ بِن يونا، أتُحِبُّني؟ أجابَ: نَعَم يا رَبُّ، أنتَ تَعلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ حُبَّاً شَديداً. قالَ لَهُ: إسهَر على خِرافي. وَسَألَهُ ثالِثَةً: يا سِمعانَ بن يونا، أتُحِبُّني حُبَّاً شَديداً؟ فَحَزِنَ بُطرُسَ (...) وأجابَهُ: يا رَبُّ، أنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيءٍ، وَتَعلَمُ أنِّي أُحِبُّكَ حُبَّاً شَديداً. قالَ لَهُ: إرعَ خِرافي." (يوحَنَّا 21/1-17).

ضَبطُ التَأهُّبُ

أفي ذاكَ الكَشفِ-الإعلانِ الثالوثِيِّ، على بُحَيرَةِ لبنانَ-البَحرَ، والمُنادى: "بِن يونا" بالفينيقِيَّةِ-الُلبنانِيَّةِ، ضَبطُ الوجودِ حينَ يُحتَكَمُ إلَيهِ، فيما هو يَمخُرُ العُمُقَ-العِبابَ؟ قُلّ ضَبطُ التأهُّبِ. لا خَلاصَ إلَّا بِهِ إلَيهِ.

فيه نَشوَةُ الحُبِّ اللامُتَناهيَ: أن يَكونَ لا صِنوَ الحَقيقَةِ فَحَسبَ، بَل وَمُرَقِّيها المُطلَقِ. هُنا فَرَحُ ال"نَعَمِ" الجامِعِ الدَعوَةَ بَينَ العاقِلِ والمَعقولِ في عَمَلِيَّةِ العَقلِ، بِثَباتِ الوِحدَةِ لِبِناءِ تاريخٍ حُرٍّ... مِنَ الإكتِناهِ الى الشَهادَةِ.

يا لِحَضرَةِ لبنانَ الخَلاصِ، المُنكَشِفِ وجوداً!

في أغوارِ المَكانِ، نِهايَةٌ هي بِدايَةُ-كُلِّ-البِداياتِ. سِرُّها مِن لبنانَ-الكُلِّ ضابِطِ جَوهَرَ تأهُّبِ الوجودِ، بإلحاحِ رِعايَةِ الأُلوهَةِ في حِرصِ الإنسانِ. بِنورِ ثالوثِيَّةِ حَقيقَةِ اللهِ في حَقيقَةِ الخَليقَةِ.