شخصيات سياسية ودينية تنعى خليدي .. عراب المصالحة مع التيار السلفي بالمغرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ووري اليوم الأحد بمقبرة الشهداء بالرباط، جثمان الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة ومؤسّسه سنة 2005، بعد الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية، محمد خليدي، الثّرى، بعدما وافته المنيّة أمس السبت (21 شتنبر 2024)، عن عمر 86 سنة، بمنزله بمدينة سلا الجديدة. وهكذا، وبعد صراع طويل مع المرض، غيّب الموت أحد القادة “الإسلاميين”، الذي كان مساره السياسي “قويّا وحافلاً ومتميزاً”، بشهادة مقربين وشخصيات سياسية.

خليدي يعتبر أحد “عرّابي” المصالحة مع التيار السلفي بالمغرب، إذ كان ضمن الذين بادروا إلى إدخال مجموعة هذا التوجه ورموزه إلى غمار العمل السياسي والحزبي بالمملكة المغربية في 2013، وحصل سلفيون على مقاعد في الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة ومجلسه الوطني، على رأسهم الاسم السلفي البارز (سابقاً) محمد عبد الوهاب رفيقي، قبل أن يغادروا أروقة الحزب، بالنظر إلى تعثر طموحهم المعلن: تمثيل فئة السلفيين في البرلمان حينها.

الراحل كان لديه مسار طويل في العمل الوطني والسياسي والنقابي والإعلامي، وأدخل حزب “الشمس” قبل استحقاقات 2011 في ما كان يسمى “التحالف من أجل الديمقراطية” أو “تحالف الثمانية” (جي 8)، كما أطلق عليها في التّداول الإعلامي. وهي الخطوة التي اعتُبرت من طرف قيادات في الحزب حينها تكريساً لـ”مقاربة عقلانيّة ومنفتحة للمرجعية الإسلامية للحزب والمجتمع المغربي والقراءة الموضوعية والصحيحة للتاريخ”.

رجل مبادئ

عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، نعى “الصديق والأخ العزيز”، كما وصفه، كاشفا أن الراحل “كان من بين القلائل الذي ظلوا أوفياء للدكتور عبد الكبير الخطيب، وقال “عاش معنا المراحل الأولى لإعادة إحياء حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطي على يد عبد الكبير الخطيب، وبقي معنا حتى وقت متأخر؛ ثم بدا له أن يؤسس حزباً آخر، لكن العلاقات معه ظلت طيبة هو وأسرته حتى توفاه الله”.

ولفت القيادي الإسلامي الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين، في تصريح لهسبريس، إلى أن خليدي يمثل صورة “مناضل أمضى عمره في النضال، وعانى في النهاية لكونه أصيب بالمرض ولم يجد العناية الكافية”، مضيفا أنه “اليوم ينتقل إلى جوار ربه، ونحن نرجو له المغفرة والرحمة، ورحمة الله أكبر من غضبه”.

أما السلفي المعروف الداعية حسن بن علي الكتاني، فلم يخف لهسبريس “ألمه” بأن يكون اليوم في جنازة الرجل الذي يناديه عمه وصديق والده، مبرزاً أن القيادي السياسي الذي دفن اليوم بمقبرة الشهداء بالرباط “كانت له مواقف جليلة. وحين نتحدث عنه فهو رجل بمعنى الكلمة، يقف مع المظلومين وينصر المستضعفين، ورأينا منه القلب الرحب والانتصار في الوقت الذي قلّ فيه الناصر”، في إشارة إلى نضاله من أجل المصالحة الوطنية مع السلفية وتدجين الخطاب الجهادي وتحويله إلى خطاب سياسي ممكن داخل المؤسسات.

من جانبه، عبّر عمر عبد الإله العلوي، الأمين العام الجهوي لحزب الإصلاح والتنمية، عن “عميق حزنه” قائلا: “كل نفس ذائقة الموت، والدكتور خليدي كان من الرجال حقا، وكان اليد اليمنى للدكتور الخطيب قبل عبد الإله بنكيران وعبد الله باها ولحسن الداودي (وسعد الدين العثماني)”، موضحا أن “الراحل أعطى الكثير وهو من صنع الشبيبة الإسلامية منذ بدايتها حين كان موظفا كبيرا في وزارة الشبيبة. وكان ملازماً للخطيب منذ صغره حتى كبره، وكان إلى جانبه في لقاءاته مع نيلسون مانديلا”.

الطرح نفسه سار عليه أحمد بلغازي، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، الذي جاء ليودع جثمان “أخيه وصديقه”، مخبرا هسبريس بأنه عرفن الراحل بـ”حسن الخلق وبوفائه وإخلاصه للعرش العلوي ولمبادئ ومقدسات الوطنية”. وقال: “كان دائم الحضور معنا في كل اللقاءات، في وزارة الداخلية وغيرها من اللقاءات التي تجمعنا في إطار حزبي كمسؤولين وطنيين. كان خلوقا وطيبا ومحبا لوطنه”.

وعبّر صديق الراحل الجيلالي أرناش عن حزنه وحزن مدينة وجدة على فراق محمد خليدي، مشيرا إلى أن “ابن المدينة وابن المنطقة الشرقية المنحدر من قبائل المهاية عزز العطاء لهذه المنطقة التي منحت الكثير، وهو ما انعكس في خصاله. فقد أعطى الكثير لفائدة الساكنة رغم استقراره في الرباط، منذ كان نائباً برلمانيا عن المنطقة باسم العدالة والتنمية؛ خلق حزب النهضة والتنمية وساهم في المصالحة مع السلفيين. ساكنة مدينة وجدة تودعه بحزن، السياسيون وغيرهم حزينون بفراقه”.

مسار حافل

تحدّث حزب النهضة والفضيلة عن مسار الرجل الذي غادر الدنيا مخلفاً وراءه “إرثاً سياسياً”، بحيث عاد بخليدي إلى “المراحل الأولى حين كان في دروب الوطنيّة والكفاح من أجل عزة وكرامة البلاد منذ وقت مبكر من حياته، حيث انضم شابا يافعا إلى الحركة الوطنية بمدينة وجدة، وانخرط في صفوفها مدافعا عن استقلال المغرب وسيادته وشرعية ملكه المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه”.

وقال التنظيم السياسي في بلاغه التأبيني: “مع بزوغ فجر الاستقلال عمل الراحل إطارا بقطاع الشبيبة والرياضة الذي قضى فيه سنوات طويلة مسؤولا عن التكوين والتأطير جهويا ومركزيا، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في علوم التربية والشباب، وأسّس عدّة جمعيات ثقافية وتربوية وفنية على المستوى الوطني، وعدة مبادرات شبابية وجمعوية عربية ودولية، إذ يعتبر عضوا مؤسسا للمهرجان العربي الدولي للشباب، وعضوا في المنظمة الدولية للتكنولوجيا، إلى جانب حضوره الدائم في مختلف الملتقيات والفعاليات ذات الصلة”.

الجهة الحزبية ذاتها ذكرت أن أمينها العام المتوفى “ساهم بالموازاة مع ذلك في النضال السياسي إلى جانب المجاهد الوطني الكبير عبد الكريم الخطيب في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي ظل جزءا من قيادته إلى حدود سنة 1996، حيث تم تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي كان أحد مؤسسيه وعضوا في أمانته العامة إلى حدود سنة 2005، حيث سيغادره من أجل تأسيس مشروع حزبي جديد هو حزب النهضة والفضيلة، وهو الحزب الوطني ذو المرجعية الإسلامية الذي سيقدم على رأسه إسهامات بارزة في النقاش السياسي العمومي وفي حل العديد من الإشكالات والقضايا المرتبطة باستقرار البلاد وترسيخ الأجواء الإيجابية بين أبنائها”.

وأشار إلى أن خليدي قاد “مسلسل المصالحة بين الدولة ومعتقلي ما سمي السلفية الجهادية، وأسفرت جهوده عن إطلاق سراح عدد من رموز هذا التيار وإدماجهم في الحقل السياسي والنسيج الاجتماعي الوطني”، مضيفا أنه “خاض تجربة العمل البرلماني وعمل فيها بنشاط بعد حصوله على مقعد برلماني عن دائرة وجدة في الولاية البرلمانية لسنة 2002-2007”.

وإلى جانب العمل السياسي، فقد ساهم المرحوم في العمل النقابي، حيث أسس الاتحاد الوطني للشغل، وكان أول كاتب عام له، كما اشتغل في مجال الصحافة مدير نشر وتحرير للعديد من التجارب الصحافية، أهمها صحيفتا “المغرب العربي” و”العصر”. وعلى مستوى الدبلوماسية الموازية، فقد ظلّ الفقيد حاضراً في قلب الدفاع عن القضايا الوطنية والإسلامية والقومية، حيث شغل منصب عضو في مجلس الشورى المغاربي، وعضوا في جمعية الصداقة المغربية الروسية، ونائبا لرئيس جمعية الصداقة الصينية المغربية.

ولم يغفل الحزب دفاع الراحل عن القضية الوطنية الأولى، قصية الصحراء المغربية، إذ شدد على أن محمد خليدي “شارك من خلال سفرياته المتعددة إلى الخارج ولقاءاته بالسفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين في المغرب، في التعريف بقضية الصحراء المغربية، ومواقف المغرب الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ونسج علاقات قوامها التعاون وتقريب وجهات النظر”.

" frameborder="0">

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق