التعاقد مع شركة مرتبطة بتل أبيب يسائل حقيقة موقف الجزائر من إسرائيل

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما تُؤكد الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل تمسكّها برفض إقامة الدولة الفلسطينية وتأبى حتى أن تُنهي حربها المستمرّة على قطاع غزة منذ ما يقارب سنة كاملة، كشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية قيام الجزائر، مؤخرا، بالتعاقد مع شركة ضغط (لوبيينغ) معروفة بصلاتها الوثيقة بالدولة العبرية، رغبة في الدفاع عن مصالحها بالولايات المتحدة الأمريكية.

الخطوة فجّرت الكثير من التساؤلات حول المواقف الحقيقية للجزائر تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أنها ظّلت تستبعد تماما أي تطبيع مع إسرائيل، بل صرفت جهودا مضنية في السنوات الماضية للتشكيك في التزام المغرب بدعمه المبدئي لهذه القضية منذ توقيعه “الاتفاق الثلاثي” بين الرباط وواشنطن وتل أبيب.

وذكرت “جون أفريك” في تقرير حديث أن السفير الجزائري بواشنطن، صبري بوقادوم، وقع عقد ضغط مع شركة “(BGR Government Affairs, LLC) BGR Group” ، المعروفة بصلاتها القويّة بإسرائيل، من أجل الدفاع عن المصالح الجزائرية في الولايات المتحدّة الأمريكية، مشيرة إلى أن العقد، الذي تبلغ قيمته 720 ألف دولار سنويا، دخل حيز التنفيذ منذ العاشر من شتنبر الجاري.

واستغرب التقرير، الذي اطلعت عليه هسبريس، قيام الجزائر بهذه الخطوة التي “تثير الدهشة بالنظر للمواقف التي تُعلن عنها الجزائر بخصوص القضية الفلسطينية، لا سيّما أن السلطات الجزائرية تردد دائما بأنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتصف إسرائيل بالعدو الصهيوني، وترفض إقامة أي علاقة مع إسرائيل أو مع الأطراف ذات الصلة الوثيقة بها”.

وبالإضافة إلى علاقة الشركة بالدولة العبرية، لفتت “جون أفريك” إلى أن مؤسسها المشارك هو العضو البارز في الحزب الجمهوري، هالي باربور Haley Barbour، مما يترجم أن الجزائر بهذه الخطوة “تستعد” لاحتمال فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الرئاسيات المزمع إجراؤها في 4 نونبر المقبل.

وفي تعليقه على الموضوع سجّل محمد عصام لعروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط، أن “قيام سفارة الجزائر بواشنطن بالتعاقد مع هذه الشركة يعد خطوة تعرّي المواقف الحقيقية لنظام العسكر الجزائري تجاه القضية الفلسطينية، ويترجم أن شعارات مناصرة القضية الفلسطينية، التي ظلّ يرفعها، ولا يزال، في مختلف المحافل الجزائرية والعربية والدولية لا تعدو كونها موجهة لمغالطة ودغدغة مشاعر الرأي العام الداخلي والعربي والإسلامي ككل، وحرصا منه على مسايرة مواقف الأخير في مختلف محطات هذه القضية، بما فيها الحرب المستمرّة حاليا في قطاع غزة وعموم القضايا المصيرية العربية”.

وأضاف لعروسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الخطوة تبرز أيضا استعداد نظام الجارة الشرقية للتنصل من مختلف مواقفه المعلنة حول القضية الفلسطينية خدمة لمصالحه السياسية”، مشيرا إلى أنها “تأتي على بعد أشهر من الانتخابات الأمريكية، حيث تتضاعف حظوظ الفوز لدى الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب المعروف بمناصرته الشديدة لإسرائيل”. وأبرز أن “شغل الجزائر، التي تأخذ هذا المعطى على محمل الجد، هو تحريك الموقف المتقدّم للإدارة الأمريكية تجاه قضيّة الصحراء المغربية، وفي سبيل ذلك فإن نظامها متسعدّ، كما تكشف هذه الخطوة، حتى للتعاون مع إسرائيل في هذه المرحلة”.

وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن “هذه الخطوة، التي ترقى إلى أن تكون نهجا جزائريا، ليست دليلا على محاولة النظام العسكري الحاكم للجارة الشرقية استثمار هذه الظرفية الانتخابية للمتاجرة بقضية الصحراء المغربية فحسب، وإنما مقايضته بجميع القضايا الإنسانية والعربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، في سبيل الحفاظ على مصالحه السياسية الضيقة والمصالح الشخصية لأعمدته”.

غياب المفاجأة

المحلل السياسي لحسن أقرطيط قال إن “قيام الجزائر بالتعاقد مع جماعة الضغط سالفة الذكر بغرض الحصول على مواقف أمريكية داعمة لها في ملفات عديدة، أبرزها ملّف قضية الصحراء المغربية، رغم علمها بالصلات المالية القويّة لهذه الجماعة بإسرائيل، يعد خطوةً غير مفاجئةٍ لأن مواقف الجارة الشرقية من القضيّة الفلسطينية ليست مواقف مبدئية”، مردفا “تاريخيا ظلّت هذه القضية مجرد رسم تجاري للخطاب السياسي الدعائي للجزائر، ولم ترق يوما إلى أن تكون نقطة ارتكاز لسياستها الخارجية”.

وأوضح أقرطيط، في تصريحه لهسبريس، أن “هذه الخطوة تفضح ازدواجية السياسة الخارجية للجزائر، التي وصل الحد برئيسها، في سياق الترويج لصورة “آخر حماة” القضيّة الفلسطينية، إلى المطالبة بفتح الحدود المصرية الفلسطينية من أجل دخول الجيش الجزائري إلى قطاع غزة”، مضيفا “هي أيضا تعكس كون القضية الفلسطينية مجرد ورقة للدعاية والتسويق السياسي وشيطنة العديد من الدول العربية، التي بذلت جهودا تفوقها بشكل كبير في مناصرة هذه القضية، وعلى رأسها المملكة المغربية، التي تعدّ الممول الأول للمشاريع ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي بفلسطين، خصوصا المنفّذة عبر وكالة بيت مال المقدس”.

ولم يغفل أقرطيط بدوره “دلالة تزامن خطوة الجزائر مع دنو الانتخابات الأمريكية المحتمل بشكل كبير أن تعرف صعود الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب”، مبرزا أن “النظام الجزائري لا يزال يتوسّل أن ترتد الولايات المتحدّة عن دعمها لمغربية الصحراء، ولو كان على حساب حتى التقارب مع إسرائيل، سيّما أن الموقف الأمريكي، الذي عبّرت عنه إدارة ترامب بهذا الخصوص، لم يتزحزح خلال عهدة الرئيس الحالي جو بايدن”.

وتابع قائلا: “النظام العسكري الجزائري يؤكد من خلال هذه الخطوة أنه مستعدّ لتقديم القضية الفلسطينية كقربان على مذبح استدامة النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، سيّما أنه متيقن بكون بقائه في سدة الحكم رهين باتخاذ جميع الأساليب الممكنة، التي من شأنها صرف أنظار الرأي العام الداخلي عن المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب الجزائري وفشله المتراكم في الحفاظ على علاقات سياسية ودبلوماسية مستقرّة مع الجوار المغاربي والإقليمي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق