جيبوتي تفتح الأبواب لإثيوبيا.. سر العرض البحري الاستراتيجي

رؤية الاخبارية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
6

في خطوة مفاجئة تهدف إلى خفض التوترات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، أعلنت جيبوتي عرضها على إثيوبيا إدارة ميناء تاجوراء.

وتأتي هذه المحاولة لتعزيز الاستقرار وتجنب تفاقم النزاعات الإقليمية وسط تصاعد التوترات بين دول المنطقة، بما في ذلك الأزمات المتعلقة بالتعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، والعلاقات المتوترة بين جيبوتي والصومال.

عرض جيبوتي وإدارة ميناء تاجوراء

أعلن وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” يوم 31 أغسطس 2024، أن بلاده قدمت لإثيوبيا عرضًا لإدارة ميناء تاجوراء بشكل كامل، بهدف تخفيف حدة التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي، هذا العرض، الذي كان موضوع مناقشات سابقة، من المتوقع بحثه مجددًا على هامش القمة الصينية الأفريقية بين الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

وتفاقمت التوترات بين إثيوبيا ومقديشو بعد توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال في وقت سابق من هذا العام، تسمح لإثيوبيا باستئجار شريط ساحلي مقابل الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة، ما أثار غضب مقديشو التي اعتبرت هذا الاتفاق انتهاكًا لسيادتها، ويبدو أن جيبوتي ترى في عرض إدارة ميناء تاجوراء وسيلة لتجنب خسائر استراتيجية كبيرة، خاصة إذا مضت إثيوبيا في تعاونها مع أرض الصومال.

التداعيات الاقتصادية والاستراتيجية

يعتمد الاقتصاد الجيبوتي بشكل كبير على التجارة مع إثيوبيا، إذ تشكل الرسوم التي تتقاضاها جيبوتي من إثيوبيا ما بين 1.5 مليار دولار إلى ملياري دولار سنويًا. يمثل الاعتماد الإثيوبي على ميناء جيبوتي ما يزيد عن 85% من البضائع التي تمر عبر البلاد، ما يجعل أي تحول في التجارة الإثيوبية نحو ميناء بربرة يشكل تهديدًا اقتصاديًا لجيبوتي.

في هذا السياق، تعززت المخاوف الجيبوتية بعد أن تفوق ميناء بربرة على ميناء جيبوتي في تصنيفات مؤشر أداء موانئ الحاويات لعام 2023 الصادر عن البنك الدولي، حيث احتل بربرة المركز 106 عالميًا، بينما تراجع ميناء جيبوتي إلى المرتبة 379.

أهمية ميناء تاجوراء

ميناء تاجوراء الذي طوّر بتمويل بلغ 90 مليون دولار، يوفر لإثيوبيا منفذًا هامًا لنقل المواد الخام مثل البوتاس والحجر الجيري، ويعكس عرض جيبوتي لإثيوبيا إدارة الميناء رغبةً في استرداد استثماراتها وتحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى كما يمنح إثيوبيا وصولًا بحريًا طويل الأمد، ما يسهم في تهدئة التوترات الإقليمية.

وتسعى جيبوتي لتعزيز مكانتها كدولة رائدة في الوساطة الإقليمية، فقد سبق لها أن استضافت محادثات السلام التي أفضت إلى اتفاق بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراي. كما أن دور جيبوتي في الوساطة في أزمات أخرى، مثل السودان، يؤكد محاولاتها لتحقيق الاستقرار الإقليمي. يتزامن عرض ميناء تاجوراء مع حملة دبلوماسية يقودها وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، الذي يسعى للفوز بمنصب رئاسة الاتحاد الأفريقي خلفًا لموسى فكي.

عوائق أمام المبادرة الجيبوتية

رغم الفوائد الاقتصادية المحتملة، تواجه المبادرة عدة عقبات. تتمثل أهم هذه العوائق في رغبة إثيوبيا بتنويع منافذها البحرية وعدم الاعتماد الكامل على جيبوتي، حيث تفضل تطوير التعاون مع ميناء بربرة الذي يتيح لها حرية أكبر في إدارة تجارتها الخارجية، كما تطمح إثيوبيا إلى بناء قوة بحرية خاصة بها، ما يجعل من عرض جيبوتي أقل جاذبية من الناحية الاستراتيجية.

وتمثل المبادرة الجيبوتية خطوة دبلوماسية جريئة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات في منطقة القرن الأفريقي ورغم التحديات التي قد تواجهها فإن نجاح هذه الخطوة قد يساهم في نزع فتيل الأزمات المتصاعدة ويجنب المنطقة خطر التصعيد، مما يمنح جيبوتي فرصة لتأكيد دورها كوسيط إقليمي فاعل ويساعدها على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في وجه التغيرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة.

الدكتورة أسماء الحسيني

الدكتورة أسماء الحسيني

ما وراء العرض الجيبوتي

من جانبها، قالت مديرة تحرير صحيفة الأهرام المتخصصة في الشأن الإفريقي، الدكتورة أسماء الحسيني، في تصريحات لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إن عرض جيبوتي على إثيوبيا استخدام ميناء تاجوراء الحصري في الشمال جاء نتيجة لعدة دوافع، لافتة إلى أن الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية وإقليم أرض الصومال الانفصالي لاستخدام ميناء بربرة لأغراض تجارية وعسكرية أثار توترات بين إثيوبيا والحكومة الفيدرالية الصومالية، التي اعتبرت هذه الخطوة انتهاكًا لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية وأعلنت معارضتها لها.

وأضافت الحسيني أن جيبوتي، التي عرضت استخدام ميناء تاجوراء الحصري لإثيوبيا، لديها عدة مخاوف، أبرزها القلق من تصاعد التوترات في المنطقة والتي قد تنعكس سلبًا عليها، خاصة في حال نشوب صراعات مسلحة. كما أن هناك أسبابًا اقتصادية وراء هذا العرض، حيث أن جيبوتي اعتمدت بشكل كبير على التعاملات التجارية مع إثيوبيا، وخاصة منذ الحرب الإثيوبية-الإريترية (1998-2000) حينما أصبحت المنفذ البحري الرئيسي لإثيوبيا.

الأهداف الاقتصادية من العرض

أشارت الحسيني إلى أن الرسوم التي تحصل عليها جيبوتي من إثيوبيا تتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويًا، وهو ما يمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الجيبوتي البالغ 3.5 مليار دولار. ولفتت إلى أن ميناء تاجوراء قد تم إنشاؤه بتكلفة تقارب 90 مليون دولار، بالإضافة إلى إنفاق 156 مليون دولار على الطريق المؤدي إلى الحدود الإثيوبية. لذلك، تعوّل جيبوتي على إثيوبيا لتعويض هذه الاستثمارات.

كما ذكرت الحسيني أن جيبوتي قامت سابقًا بأدوار وساطة مهمة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي، وبين الحكومة الفيدرالية الصومالية وإقليم أرض الصومال، وهي تسعى لاستكمال هذه الوساطات.

أغراض عسكرية وتجارية

أشارت الحسيني إلى أن، بالنسبة لإثيوبيا، فحتى الآن لم ترد على العرض الجيبوتي، ويبدو أن إثيوبيا تسعى لتوسيع نفوذها الإقليمي وبناء قدرات بحرية قوية، حيث ترغب في السيطرة على موانئ لأغراض عسكرية وتجارية، وتشير الدلائل إلى أن الحكومة الإثيوبية تسعى للوجود في أرض الصومال وعلى البحر الأحمر، مما يعني أن عرض جيبوتي قد لا يكون كافيًا لها.

واختتمت الحسيني، أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تصعيد كبير في منطقة القرن الإفريقي، وستكون إثيوبيا أول المتضررين من محاولاتها لفرض نفوذها على جيرانها، وهو ما قد يفتح الباب أمام صراعات مسلحة تضر بمصالحها في نهاية المطاف.

اقرأ أيضًا

إخلاء مسؤولية إن موقع مصر النهاردة يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق