استراتيجية "تمويلات المناخ" بالمغرب .. تجربة ناجحة واحتياجات متزايدة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بغرض “تسريع الانتقال الأخضر للقطاع المالي المغربي”، عملت السلطات المالية المغربية المختصة على اعتماد “استراتيجية جديدة لتطوير التمويل المناخي في أفق سنة 2030″، وفق ما أعلنت عنه وزارة الاقتصاد والمالية على موقعها الإلكتروني الرسمي، أخيرا، مع نشر نسخة من التقرير الكامل متضمنة “النتائج، والرؤية والاستراتيجية”.

جاء هذا في سياق التزام سابق قطعَتْه وزارة الاقتصاد والمالية بمعيّة الهيئات التنظيمية الثلاث (بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي) بـ”بلورة رؤية مشتركة ومتسقة بغرض تسريع الانتقال الأخضر للقطاع المالي المغربي، من خلال الاستفادة المثلى من التقدمات والإنجازات الكبرى لخارطة الطريق المعتمدة سنة 2016 على هامش مؤتمر قمة المناخ “كوب 22″ المنعقد بمراكش، والرامية إلى مواءمة القطاع المالي، بكافة مكوناته، مع رهانات التنمية المستدامة”.

حول ثلاث ركائز عمل تتمحور الاستراتيجية التي ضمّت 9 محاور استراتيجية تُحدّد رافعات تسريع تعبئة التمويلات الخاصة لخدمة المناخ وتعزيز إدارة المخاطر المناخية داخل القطاع المالي.

وأكدت وزارة المالية، ضمن تعليقها المرفق بالتقرير، أن “اعتماد استراتيجية تمويل المناخ يعكس التزاما راسخاً للهيئات المالية المغربية بالإسهام في تعبئة الرساميل الخاصة اللازمة لإنجاح الانتقال الأخضر لبلادنا والتصدي لآثار التغير المناخي”.

احتياجات متزايدة

وفق تقديرات البنك الدولي في تقريره الشهير المعنون بـ”تقرير المناخ والتنمية في المغرب”، فإن “احتياجات الاستثمار في تمويلات مكافحة تغيرات المناخ بين عامي 2022 و2050 تناهز 78 مليار دولار”.

من جهتها، ترى وزارة المالية المغربية أن “القطاع المالي المغربي له دور استراتيجي في مواكبة رؤية التصدي للتغير المناخي”، موصية بـ”تسريع هذا الدور في السنوات المقبلة من أجل الاستجابة للاحتياجات المتنامية لتمويل المشاريع الخضراء والمناخية”.

إعداد الاستراتيجية الجديدة جاء مستندا إلى “تشخيص معمّق أظهر أن تدفقات التمويل المناخي تتأتى في الغالب من القطاع العام مع هيمنة تدابير التخفيف، لا سيما إنتاج الطاقات المتجددة. أما إجراءات التكييف، التي يوفرها القطاع الخاص بشكل رئيسي، فإنها تحظى باهتمام أقل من طرف التمويلات الخاصة، باستثناء قطاع تحلية مياه البحر”، يسجل التقرير المذكور.

كما أبان التشخيص، وفق الوثيقة ذاتها، عن “تكامل كاف في مجموعة الأدوات المالية الخضراء بالمغرب، على الرغم من التفاوت المسجَّل بين الطلب والعرض على هذه المنتجات”، مضيفا أن “تنمية التمويلات الخضراء تتأثر بغياب تعريف واضح للمشاريع الخضراء وقلة المعطيات ذات الجودة التي تساعد المستثمرين في اتخاذ القرارات”.

تجربة ناجحة

أبرز عبد الرزاق الهيري، مدير المختبر متعدد التخصصات في الاقتصاد والمالية وتدبير المنظمات بجامعة فاس، محورية “الانتقال الأخضر للقطاع المالي في المغرب لتفعيل خارطة الطريق من أجل مواءمة القطاع المالي المغربي مع متطلبات التنمية المستدامة بغية جعل القطاع المالي يستجيب لحاجيات تمويل الاقتصاد الأخضر، بمشاركة مجموعة هيئات مالية مغربية وازنة”.

ولفت أستاذ علوم الاقتصاد إلى أن “التوجه نحو تفعيل هذه الخارطة مرتكزٌ على أسس أهمّها حكامة المخاطر الاجتماعية ذات الطابع البيئي، التي لا يمكن أن تتأتى إلا عن طريق انخراط سوق الرساميل وقطاع التأمينات وكذلك القطاع البنكي عن طريق ضخ غلاف مالي كبير من أجل الاستجابة لحاجيات تمويل الأنشطة المرتبطة بالاقتصاد الأخضر”.

وشرح الهيري لهسبريس أن “القطاع البنكي تمكّن من تعبئة الموارد ذات التوجه الأخضر عن طريق إصدار سندات خضراء مثلا، والمغرب له تجربة في هذا المجال نجحَت لأنها قامت بتعبئة أو جلب قيمة مالية تفوق الحاجيات التي رُصدت للإصدار المالي الأخضر”، موصياً بـ”تطوير منتجات الادخار الأخضر وكذلك المنتجات لإعادة تمويل المؤسسات البنكية عن طريق آليات تمكّن من تمويل المشاريع المرتبطة بالاقتصاد الأخضر”.

عن “دعم منتجات قطاع التأمينات”، حث المتحدث على “تطوير حلول تأمينية للمخاطر ذات الطابع البيئي مع وجوب إشراك سوق الرساميل عن طريق تشجيع إصدارات السندات الخضراء على وجه الخصوص، وبالتالي التوجه إلى الادخار (سواء ادخار الأُسر أو ادخار الفاعلين الاقتصاديين)”.

وإجمالا، يرى الخبير المالي أنه “لا يمكن النجاح في ورش تحول القطاع المالي نحو التحول الأخضر دون أن نُشجع الاندماج أو الشمول المالي أو الإدماج المالي. وهنا يجب العمل على إنجاح [الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي]”، مشدداً على أن “كلّ هذا يتطلب انضباط السوق والشفافية عن طريق إصدار الوثائق التي تُعرّف بهذا التوجه المُحوّل للقطاع المالي نحو تنمية وتمويل القطاع الأخضر”.

كما أن “حملات تحسيسية للتعريف بأهمية هذا الانتقال، وبنجاعة أدوات التمويل التي ستُعتمد من أجل تطوير الأنشطة المرتبطة بالاقتصاد الأخضر”، تبقى ضرورية وحاسمة، حسب تصوّر الخبير ذاته، الذي ضرب المثل بـ”الطاقات المتجددة، تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير النفايات”.

وختم بالتشديد على أن “التحول الأخضر للقطاع المالي سوف يمكّن ليس فقط من تمويل هذه الأنشطة ولكن أيضا من خلق الثروة، مع إمكانية خلق فرص جديدة لحل مشكل البطالة وتقوّية نسب النمو الاقتصادي”.

تحفيز الخواص

محمد السحايمي، باحث في قضايا المناخ والتنمية المستدامة، استحضر أن “المجال الأخضر في المغرب يعدّ مكانا جديداً وغير واضح بالنسبة للمستثمرين الخواص، رغم المشاريع الكبرى والطلب المتزايد على ما ينتجه هذا المجال بشكل متزايد وسريع”.

وفي تصريح لهسبريس، أوضح الباحث أن “الاتجاه العالمي نحو الاعتماد على الطاقات المتجددة بشتى أنواعها، وكذلك مشاريع معالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر، صار ضرورة لمسايرة ما نعيشه من تقلبات وقسوة المناخ”، ليسجل أن “المسألة هنا ليست تمويلا بقدر ما هي استثمار أخضر يستلزم من الخواص مزيدا من الاجتهاد والبحث عن مكامن الآفاق والفرص المتاحة على المديين المتوسط والطويل بشكل مستدام”.

وذكر السحايمي أن “الموقع الجغرافي للمغرب وطبيعته المتنوعة والمتفردة على مستوى المنطقة وانفتاحه الواسع على هذا المنتج الجديد، وكذلك الثقة الموضوعة في المنتج الطاقي المغربي، عوامل تجعل الأرضية الاستثمارية أكثر جاذبية، ودخول القطاع العمومي بشكل كبير وشبه متفرد في الاستثمار المباشر للقطاع الأخضر أمر محمود ومهم؛ نظرا لأهمية القطاع استراتيجيا واقتصاديا وأمنياً، وأهميته المثلى في مسايرة الواقع المناخي الراهن”.

وشرح أن “الاحتياجات المتزايدة والمتنامية للمنتجات الخضراء (هيدروجين أخضر، طاقات ريحية وشمسية…) أدخلت المغرب في البحث عن الريادة على المستوى العالمي كأولى البلدان إنتاجا وتصديرا للطاقة المتجددة، مما يتطلب الكثير من المال والعمل”.

وضرب المتحدث “أمثلة لِما يبسُطه المغرب من خطوات متسارعة نحو منتج مستقبلي ومستدام، يبدو بدون شك أنه سيكون المحور الاستراتيجي الأول في قادم السنوات”، مستدلا بمشروع “الكهرباء المغربي الذي سيضيء قريبا أكثر من سبعة ملايين منزل بريطاني بصفته منتجا طاقيا مستخرجا من الشمس والرياح”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق