الطرز على الصور الفوتوغرافية يطير بالمغربية مريم ين إلى أوتريخت الهولندية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

“المغرب بلد لديه إرث ثقافي ثقيل، منسوج بخيوط تجمع المعمار بالزخرفة والموسيقى والأدب والطبخ والحرف اليدوية والفنون المعاصرة… إلخ”؛ هكذا تؤازر الفنانة المغربية مريم ين (44 سنة) حقّ الفنانين والمصممين المغاربة في الاطمئنان إلى قدرتهم التاريخية أيضاً، وكأي شعب آخر بالضرورة، على ابتكار أشكال فنيّة جديدة لا تتصف، بحسبها، بـ”مضاهاة ما يقوله الغرب، أو أي وجه ثقافي، فقط، بل تتميز بقدرتها على الخلق الذي ألهم الآخر نفسه لاحقاً”.

هذه الحماسة التي تتحدث بها مريم الشهيرة بـ”ين” إلى هسبريس، تتحدث بها أيضا أعمالها الفوتوغرافية الثلاثة إلى الهولنديين والجالية المغربية وبقية الجاليات التي تزور متحف “سنترال” بمدينة أوتريخت بمملكة الأراضي المنخفضة كي تطّلع على معرض “أقوال الموضة المغربية” (MODA)، الذي يعرض ابتداءً من الخميس 3 أكتوبر الجاري إلى غاية 2 مارس 2025.

ما فنّك؟ ومن أنت؟

هسبريس التقت الفنانة المولودة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التي كشفت أنه في البدء كان الأمر مرتبطاً بولع فطري وغير مخطّط له بالفوتوغرافيا، واشتدّ في مرحلة كانت تتعلم فيها الرقص المعاصر، فأصلحت كاميرا شقيقها البالية واستعملتها من جديد.

ووضّحت قصّتها مسجلةً أن “الأمر تطوّر حين طبعت العديد من الصور التي التقطتها في الشارع. وقليلاً بقليل، بدأت أنظر إلى ما أنتجه ليس كشغف بالتصوير الضوئي فحسب، وإنما بوصفه عملية إبداعية لديها ما يفرّدها”.

وواصلت الفنانة حكايتها التي تتقاسمها مع هسبريس من بلاد الطواحين، مبرزة أن الأعمال التي جرى تصويرها في ذلك الوقت تقاسمتها مع صديقها الفنان المغربي البارز حسن حجاج؛ فشجّعها على ألاّ تكفّ عن التصوير أبداً، وأن تواظب على التقاط المزيد من عيش الناس. وقالت: “بعدها، نلتُ فرصة أن أعرض صوري في مركز خاص يعرض الفنون في العاصمة الرباط، وذلك قبل نحو عقد من الزمن”.

ولفتت ابنة المدينة العريقة لمراكش إلى أنه بعد العودة بالصورتين اللتين حظيتا بامتياز عرضهما في العاصمة، فكّرت في أن تتدخل في هذه المطبوعات. ولكن “بطريقة غير مألوفة ولا تخطر على البال بسهولة”، بتعبيرها، هي “إدخال الإبر في ورق الصور وإضفاء تطريزات عليها. هكذا تتحالفُ الآلة الفوتوغرافية واليد البشريّة في شكلها العادي، لابتكار شيء جديد”.

“وقدّ جربتُ التزيين بالغرز على الصورة عوض القماش عن عمد؛ لأنني كنت أرفض أن أفعل ذلك على منديل ما، ثم يصيرُ وسيلة لتنشيف الأيادي وأشياء أخرى”؛ هكذا تعلل عدم القيام بذلك، مردفةً: “كنت كلّما رأيت منديلاً رائعاً يُستعمل بهذا الشكل أشعر بالحسرة على الأصابع التي بذلت جهداً فيه. وأمّا الصورة فحينما يتمّ إدراج الخيوط في إطارها لا يمكن تشويهه أو تزييفه أو تحويله إلى قمامة”.

وما رهانكِ لاحقاً؟

تقاسمت المتحدثة مع هسبريس “نقطة أساسية” بالنسبة إليها، هي أنها لم تتعلّم الطرز قطّ، بل كان ملكة مكتسبة ربما من سياق عائلي كانت فيه والدتها وجدتها من الماهرات في الغزل في وقت مبكر، وكانت الوحيدة ضمن أُختيها الاثنتين التي ليست لديها صنعة أو حرفة تتقنها، غير أن عقلها الباطني “كان خزاناً تلقائيا لجنون لم يكشف عن نفسه إلاّ حين وجد الصورةَ طيّعةً أمامه”، بتعبيرها.

وبخصوص الرهانات التي توكلها الفنانة المغربية إلى الفوتوغرافيا المزيّنة بالطرز، فقد قالت: “رهاني أن أجعل صوري تنبض بالناس، وأن يسمعوا أنفسهم وينظروا إلى أحلامهم. ولذلك، في مرّات التقطت صوراً لأطفال بلا مأوى وأضفت لها بيوتاً من خلال الطرز. قد أدخل أحيانا ابتسامة، وأربط جسوراً بين الأجيال. أحبّ خلق أمل بهذه الأعمال؛ فهي عملية تبادلية، كأنها تمنحهم صوتاً لم يعره المجتمع قيمة كبيرة”.

وتابعت شارحة: “من خلال اللوحات الفوتوغرافية، أسلط الضوء على وضعيات تبدو عادية، غير أنها ليست كذلك على الإطلاق. فأنا تربيتُ في المدينة القديمة. لهذا، أشعر بأنني أقرب إلى هؤلاء الناس، وأمنح حياتهم بعضاً من معنى مختلف حين يدخلون إلى عدسة آلتي ويصبحون مواضيع مصوّرة (Des sujets photographiés)”.

وقالت المغربية التي يصفها معدّو معرض “MODA” بأوتريخت بـ”العصاميّة”: “أحترم خصوصية الناس وأخفي معظم الوجوه إلاّ من أعرفهم أو عبروا عن عدم اعتراضهم على التصوير”. وزادت: “أضع الألوان وتصبح الصورة كلوحة قماشية. وأنتقي اللون حسب الرسالة التي أبتغي إبلاغها إلى الناظر ووفق طبيعة الموضوع والأشخاص الفاعلين فيه”.

وذكرت المتحدثة أنها حين شرعت في هذا الفنّ لم تطلع قطّ على وجوده سلفاً، حتى بدأت تطبّق أفكارها ووجدت أن فناناً إيطاليا قام بذلك سابقاً، بحيث كان يشتري بورتريهات ويتدخل فيها بالإبرة، مستدركةً بأن الفرق هو أن الصور المعنيّة في ورشتها تعود إليها بشكل حصري. ومن ثمّ، تعدّها “بالغة الحساسية، وقد تستغرق كل واحدة شهرا على الأقل أثناء طرزها، إنه تحد يجب كسبه بلا أي خسائر. فالهم هو إنجاح تطريز الصورة دون هامش الخطأ حتى لا يتطلب الأمر صورة أخرى”، وفق توضيحها.

الفنانة المغربية التي التقتها هسبريس بأوتريخت سبق أن عرضت أعمالها في “بينالي مراكش” وكذلك معرض الفن الإفريقي المعاصر، وفي الولايات المتحدة الأميركية ومعارض أخرى، لكنها تعوّل على هذا العرض في الأراضي المنخفضة كي يكون صوتها الفنّي أكثر انتشاراً في المزيد من البقاع، فهي لها وجهة نظر تريد أن تعبّر عنها “في ظروف تشبه بقية الناس بالمدينة الحمراء، لكن خارج كليشيهات المدينة الأصل سياحيّا”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق