كتاب بديع يؤرخ للحياة الدينية والعلمية لـ"الجامع الكبير" بمدينة تارودانت

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

“كتاب بديع” جديد رأى النور، يكتب تاريخ حياة متجدّدة لـ”الجامع الكبير” بتارودانت، ودور علمي وثقافي وإنساني، واهتمام سياسي بـ”معلمة تارودانت وسوس العالمة ومعلمة تاريخ المغرب”.

بعنوان “الجامع الكبير بتارودانت انبعاث صرح حضاري”، صدر هذا “الكتاب البديع” الذي ألفه نور الدين صادق، وأدار نشره عبد اللطيف وهبي، ضاما صورا عبر التاريخ المُلتقط، ووثائق قديمة حول تدبيره، وأجور أساتذته في العهدين السعدي والعلوي، وما تزخر به خزانته العلمية وما حبّس عليه من مخطوطات، ونظام معماره، وزخرفته، وهندسته، ووصف الرحالة والدارسين لصومعته مثلا، فضلا عن وظائفه، وطقوسه، وعادات الساكنة والمرتادين المرتبطة به، وتعلّم ملوك به، وزيارات ملكية له منذ العهد السعدي، ثم العهد العلوي مع ملوك بارزين من بينهم السلطان إسماعيل، وصولا إلى زيارة محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس.

ومن بين ما يستهلّ به المنشور الجديد قصيدة للشاعر مولاي الحسن الحسيني “في احتراق وترميم الجامع الكبير بتارودانت”، من بين ما نظمه فيها:

تعافى من النار مسجدُنا..كأنه (إبراهِمٌ) يُنْصَرُ

وعاد الجمال إلى صرحنا..وسَرَّ المآقي به منظر

وبـــــــــارك أهلُ ردانَتنا..مباهجَ يَنشرُها المظهر

وقدّم مدير نشر العمل عبد اللطيف وهبي “الكتاب البديع” بحديث عن حريق مسجد تارودانت التاريخي، وتكفُّل الملك محمد السادس بترميمه كاملا على نفقته الخاصة، قبل أن تعود به الذاكرة إلى الطفولة: “المسجد الأعظم ‘الجامع الكبير’ كما يحلوا لنا تسميته ونحن أطفال، ولأنه بني وسط المدينة، كنا نمر بجواره كلما اتجهنا نحو المدرسة… احتضن طفولتنا، وشغبنا وإحساسنا الطفولي بالدين. نلعب في سقايته ونركض بجوانبه غير مبالين، أهل البلدة لم يكونوا يرون غضاضة في ذلك، لسان حالهم يقول: وجود الأطفال في باحة المسجد يقربهم من الصلاة، ويقيهم حر الشمس، ومصائب أزقة تارودانت الضيقة والمعتمة. تارة يجمعنا شخص، متطوعا، ليحفظنا القرآن، وتارة يجمعنا آخر ليحكي لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم”.

وتابع: “كان هذا المسجد بعبقه التاريخي يحمي طفولتنا، ويمنحنا فضاء يغوص بنا في عمق الحضارة والتاريخ والدين. وعندما كبرنا بعض الشيء، كنا نلتقي فيه جماعات صغيرة لنهيئ دروس الثانوية”، حتى “صار دخول المسجد جزءا من وجودنا اليومي، نتحفظ قليلا حينما يحضر المصلون، ونتملكه كله بين أوقات الصلاة. كم من قيلولة استمتعنا بفضائها هناك بين صلاتي الظهر والعصر”.

الباحث في تاريخ تارودانت نور الدين صادق كتب من جهته أن هذا الجامع الكبير “أهم المعالم الدينية، والعمرانية، والتاريخية، والحضارية بمدينة تارودانت العتيقة، وبكل الإقليم السوسي، بل وبكل أقاليم المغرب الممتدة جنوب الأطلس الكبير”.

وواصل: “تعددت أدواره ووظائفه (…) الدينية والعلمية، والسياسية، والاجتماعية، والروحية، واستقطب أعلام المدرِّسين، من كبار الفقهاء والقضاة والعلماء، من المغرب ومن خارجه؛ وخرّج أفواجا وأفواجا من الأعلام المميزين، الذين ملكوا ناصية علوم الدين، من فقه، وحديث، وتفسير، وعلوم اللغة، من بلاغة، وعَروض، ونحو، وأدب، فضلا عن علوم الهيئة والتوقيت، والفلك والرياضيات… وتحول في عهد الدولة السعدية إلى مدرسة، تكوَّن فيها كبار أطر القضاء، والإدارة، والجيش”.

ثم أردف قائلا: “اعتبارا لكل هذه المكانة، ولكل هذه الوظائف والأدوار، استقطب الجامع الكبير بتارودانت اهتمام وعناية سلاطين الدولتين السعدية والعلوية، الذين لم يتوانوا في رعايته، والإشراف على إصلاحه، وتوسيعه، والعناية به، ليستمر له رونقه وبهاؤه، وليستمر في لعب مختلف أدواره ووظائفه”.

وبعد حريق ماي من سنة 2013 الذي أتى على “صرح التاريخ والعلم والحضارة”، يكتب صادق: “الآن وقد مضى كل شيء، وعادت للجامع الكبير مظاهر الشموخ والكبرياء، فإن الداخل إليه لا يستشعر أي أثر يذكر للفاجعة، بل على العكس من ذلك يملؤه شعور عميق بأصالة المغرب وعراقة معالمه الدينية والروحية، وتزداد ثقته رسوخا بحكمة جلالة الملك، وصواب قراراته”.

ورغم دروج عدد من كتب التاريخ “على نسبة تأسيس الجامع الكبير بتارودانت إلى السلطان السعدي محمد الشيخ المهدي، حين تجديده لمعالم المدينة، واستقراره بها، متخذا إياها عاصمة لمملكته انطلاقا من سنة 1513″، إلا أن نور الدين صادق يستشهد بـ”جملة من الوثائق، وكثير من الشهادات، والقرائن التاريخية والمعمارية، تثبت ما يخالف هذا الطرح”، وأن الجامع ابن العصر الموحّديّ.

من بين هذه الوثائق “الحوالة الحُبُسيّة لمدينة تارودانت، وهي من أقدم الوثائق الرسمية، وأكثرها ثبوتا وتواترا، تسمي الجامع الكبير “المسجد العتيق”، وذلك منذ القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، أي منذ الفترة التي يزعم البعض أنه بني فيها”، كما أحال على دراسات رصينة خلصت إلى أن “العمل الذي قام به السلطان محمد الشيخ لا يعدو أن يكون تجديدا لمعالم الجامع العتيق، وتوسيعا لجنباته، وأنه عمد إلى المبالغة في زخرفته وتزيينه، حتى صار أعظم وأفخم من جامعَي المواسين وباب دكالة المستحدثين فيما بعد بمراكش”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق