لكريني يربط القضية الفلسطينية بمأزق المؤسسات الدولية في تدبير الأزمات‎

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية ومدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، إنه رغم تنصيص ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة حل نزاعات الدول الأعضاء بالطرق السلمية، مثل المفاوضات والتحكيم؛ فإن الواقع يظهر قصور هذا النظام في التعامل مع الأزمات، مبرزا أن تحريكه يتم بشكل انتقائي في بعض الأحيان، مما عرض السلم والأمن الدوليين للخطر.

وأضاف لكريني، ضمن مقال معنون بـ”القضية الفلسطينية ومأزق المنظومة الدولية لتدبير الأزمات” توصلت به هسبريس، أن تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة يسلط الضوء على ضعف المنظومة الدولية، حيث تسخر بعض الدول الكبرى مجلس الأمن لخدمة مصالحها، مع تجاهل القرارات الدولية الداعمة للحقوق الفلسطينية.

وشدد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية على أن هذا الواقع يظهر بجلاء أن هذه المؤسسات أصبحت أداة في يد الأقوياء؛ مما يبرز الحاجة إلى إصلاح جذري يشمل تعديل ميثاق الأمم المتحدة وضبط استخدام حق الفيتو.

وهذا نص المقال:

تضمن ميثاق الأمم المتحدة منظومة متكاملة لإدارة الأزمات الدولية؛ فالمادة الثانية منه تقضي بأن “يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”. أما المادة الثالثة والثلاثون منه، فعددت هذه الوسائل، ونصت على أنه يجب على أطراف النزاع “أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضات والتحقيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والمنظمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل التي يقع عليها اختيارهم”. كما نص الميثاق، في مواضع أخرى منه، على وجوب عرض النزاع إذا استعصى حله بإحدى الوسائل المتقدم ذكرها على الهيئة الدولية لتوصي بما تراه مناسبا بشأنه…

غير أن محك الواقع أكد، غير ما مرة، هشاشة هذا النظام الذي لم يعد مواكبا لمتغيرات عالم اليوم، ولم يوفق على امتداد أكثر من نصف قرن في تدبير أو حل عدد من الأزمات والنزاعات، أو تم تحريكه بشكل منحرف وانتقائي في هذا الشأن.. بما عرض السلم والأمن الدوليين للخطر في عدد من المناسبات.

أعادت العمليات العدوانية التي تباشرها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في غزة وما يرتبط بها من مجازر وحشية من خلال قتل الأطفال والنساء واستهداف دور العبادة والمدارس وتجويع وتهجير السكان، في سياق جرائم خطيرة تندرج في مجملها ضمن جرائم الحرب بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.. موضوع المنظومة الدولية لتدبير الأزمات والنزاعات إلى واجهة النقاش الدولي، مع الصمت المريب الذي تواجه به الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولي هذه الفظاعات.

ويحظى الكيان الإسرائيلي بدعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري غير محدود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما شجع هذا الكيان على ارتكاب المزيد من الجرائم والاعتداء على عدد من دول المنطقة دون اكتراث بقواعد القانون الدولي أو ميثاق الأمم المتحدة.

ففي الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد أن زمن “الفيتو” قد ولى مع رحيل الاتحاد السوفييتي (سابقا) ونهاية الحرب الباردة، وما رافق ذلك من دينامية غير معهودة في أداء المجلس، واستفراد الولايات المتحدة نفسها بشؤون الساحة الدولية، عادت هذه الأخيرة لتسخير هذا المجلس لخدمة أجندات ضيقة ضدا على المشروعية الدولية والمواقف الدولية الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من العزلة التي رافقت الموقف الأمريكي، بعد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها (A/ES-10/L.22) بتاريخ 21 دجنبر من عام 2017، بأغلبية 128 صوتا، الذي طالبت من خلاله المجتمع الدولي بعدم الإقدام على تغيير طابع القدس أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافية، مع التأكيد على بطلان أي قرار يخالف هذا التوجه.. فإن الطابع غير الملزم لقرارات هذا الجهاز يكرس في واقع الأمر منطق القوة على حساب المشروعية التي تجسدها القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية المتصلة بهذه القضية العادلة.

استغل حق “الفيتو” مرارا وتكرارا للإساءة إلى القضية الفلسطينية منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945؛ فما بين 1948 و1989، أصدرت الجمعية العامة ومجلس الأمن 300 قرار إدانة موجه لإسرائيل، غير أن ذلك لم يسمح بردعها، لتستمر في انتهاكاتها وخروقاتها، فيما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو لأكثر من 160 مرة حتى حدود اليوم لصالح “إسرائيل”.. كما لجأت كل من بريطانيا وفرنسا إلى استعمال هذا الحق ضد مشروع قرار لمجلس الأمن بتاريخ 31/10/1956 بشأن عدوان بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني على مصر، بالرغم من أن الدولتين كانتا طرفين في النزاع.

منذ تفجرها، والقضية الفلسطينية تكشف زيف وهشاشة الآليات الدولية لتدبير الأزمات والمنازعات، كما تكشف الوجه القبيح لعدد من الدول الغربية التي طالما تغنت باحترام حقوق الإنسان وحرياته. لقد استنفد الفلسطينيون كل السبل الدولية المشروعة والمتاحة؛ بدءا من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية، مرورا بالمحكمة الجنائية الدولية، وصولا إلى المفاوضات السلمية والمراهنة على “الوساطات والمساعي الحميدة” التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد.. بلا جدوى.

يوما بعد يوم، تؤكد الممارسات أن المؤسسات الدولية التي وجدت بقصد تعزيز التعاون والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، كما هو الشأن بالنسبة للأمم المتحدة، أضحت في واقع الأمر مجرد آليات تسخر لخدمة مصالح الأقوياء.. كما أن القانون الدولي نفسه أضحى متجاوزا ولا يساير التطورات التي شهدها العالم على مختلف الواجهات، بما يفتح المجال أمام الخروقات والتكييفات المنحرفة..

ثمة حاجة ملحة في الوقت الراهن إلى مراجعة المنظومة الدولية لتدبير الأزمات، عبر إعمال إصلاحات جذرية على ميثاق الأمم المتحدة، وإعادة التوازن إلى أجهزتها الرئيسية وبخاصة منها الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية إلى جانب مجلس الأمن، وعقلنة استخدام حق الفيتو أو إلغائه بالمرة، علاوة على تطوير قواعد القانون الدولي باتجاه ضبط مكامن الخلل في الممارسات الدولية بصورة تستحضر مصالح المجتمع الدولي برمته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق