خبراء قانونيون: قرار "محكمة العدل" يغرد خارج سرب مؤسسات الاتحاد الأوروبي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مازال قرار محكمة العدل الأوروبية، الصادر بداية أكتوبر الجاري، في الطعن الذي تقدمت به اللجنة الأوروبية والمجلس الأوروبي ضد الحكم الذي سبق للمحكمة الأوروبية الابتدائية أن أصدرته، بتاريخ 26/09/2021، يثير شهيّة تحليل عدد من خبراء القانون والعلاقات الدولية.

وأورد مهتمون وخبراء في القانون الدولي، في تعليقات لجريدة هسبريس، أنه فضلا عن كون الموقف المغربي الرسمي سياسياً ودبلوماسياً “غير معنيّ بتاتا” فإن “الاهتمام بالجانب القانوني له كذلك أدوار فاعلة ومؤثرة؛ واعتماده والاستناد إليه في كل التحركات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية من شأنه أن يُعزّز النجاحات الكبرى التي حققها المغرب”، مع تذكيرهم بـ”الشرعية القانونية التي يعتمدها المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية”.

“أوجه الخروج عن القانون الدولي”

في هذا الصدد أبرز عبد الكبير طبيح، محام وسياسي مغربي خبير قانوني، أن “ذلك القرار وضع المحكمة الأوروبية خارج الاتحاد الأوروبي وخارج القانون الدولي ومؤسساته الأممية”، راصدا عدة أوجُه لهذا الخروج.

“الوجه الأول”، وفق طبيح في إفادات مفصلة حول الموضوع، يتمثل في “عدم انتباه المحكمة إلى التحوّل الذي عرفته الدول الأوروبية بخصوص القضية الوطنية”، مستدلا بأن “المستجد اليوم هو أن قرار محكمة الاستئناف الأوروبية لم ينتبه إلى التحول الذي عبرت عنه عدة دول أوروبية بدعمها موقف المجلس الأوروبي واللجنة الأوروبية في معارضتهما إلغاء الاتفاقية المبرمة مع المغرب”.

وتابع المتحدث شارحا: “بالرجوع إلى قرار محكمة الاستئناف الأوروبية يتبين أن عدة دول التحقت بالدولة الفرنسية، وعبرت عن إرادتها القوية الدفاع عن الإبقاء على الاتفاقية مع المغرب؛ وهي الدولة الإسبانية والدولة البلجيكية والدولة الهنغارية والدولة السلوفينية. وهذا التنوع الجغرافي للدول التي تدخلت أمام محكمة الاستئناف الأوروبية لدعم الإبقاء على الاتفاقية مع المغرب يترجم اتساع رقعة الدول التي أصبحت تتفهم موقف المغرب من قضيته الوطنية؛ كما يترجم التحول في المواقف الذي بدأت تعرفه عدد من الدول الأوروبية”، لافتا إلى أن “الوجه البارز لهذا التحول هو الموقف الذي اتخذته إسبانيا بتدخلها في الدعوى القضائية كطرف للدفاع على الإبقاء على الاتفاقية مع المغرب”.

الوجه الثاني للتناقض والخروج عن القانون الدولي هو “عدم انتباه المحكمة الأوروبية إلى أنها ليست محكمة دولية”، يضيف المحامي نفسه، موردا أن “محكمة الاستئناف الأوروبية ليست هي محكمة العدل الدولية التي تعتبر مختصة في إصدار أحكام ضد كل الدول باعتبارها آلية تابعة للأمم المتحدة، بل هي (المحكمة الأوروبية) مقصورُ اختصاصها على مجال النفوذ الترابي للدول الأوربية وفي الأشخاص المنتمين إلى هذه الدول”.

كما أثار طبيح الانتباه إلى أن “عدم انتباه المحكمة لتناقُضها مع قرار سابق لها” وجه ثالث من وجوه تموضعها خارج الاتحاد القاري والقانون الدولي؛ إذ إنها “عندما قَبلت الدعوى التي قدمتها ما تسمى ‘البوليساريو’ للطعن في اتفاقية ليست طرفا فيها تكون تناقضت مع قرار سابق لها”.

واعتبر المتحدث أن “أهمّ معيار للتحقق من إضفاء الشرعية على أي حكم قضائي لأي هيئة قضائية وطنية أو إقليمية أو دولية هو البحث في مدى احترامها الأحكام التي سبق لها أن أصدرتها، وألا تتناقض معها؛ حتى لا تفقد مصداقية ذلك الحكم، وبالتالي تَفقد الشرعية التي تغطّيه”.

واسترسل الخبير القانوني ذاته موضحاً: “بالاطّلاع على كل الاجتهادات التي اعتمدتها المحكمة الأوروبية يُلاحظ أنها تتعلق، أولا، بشركات تجارية أو مقاولات وليس بنزاع بين الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، وثانياً أن كل هذه الشركات والمقاولات هي أوروبية كانت في نزاع مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي؛ بينما الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي وليس بين شركات أوروبية في ما بينها، وليس بين المغرب وشركة تجارية أوروبية خاصة، وإنما هو نتيجة علاقة سياسة خارجية مندمجة بين الاتحاد الأوروبي كفضاء لكل الدول الأوروبية من جهة والمملكة المغربية غير العضو فيه من جهة أخرى”.

“الوجه الرابع” للسقوط القانوني لمحكمة العدل الأوروبية يتجلى، وفق المصدر ذاته، في “عدم انتباه المحكمة إلى تناقضها مع وثيقة تأسيس الاتحاد الأوروبي”، مضيفاً إلى ذلك “عدم انتباه المحكمة إلى تناقضها مع قرارات البرلمان الأوروبي”.

كما لفت طبيح، ضمن تحليله المطول، إلى “تناقض المحكمة الأوروبية مع قرارات مجلس الأمن”، مبرزًا أن “اعتبار المحكمة الأوروبية أن ما تسمى جبهة البوليساريو هي الممثل لـ’الشعب الصحراوي’ تدخّل في الاختصاص الحصري لمجلس الأمن، وهو الاختصاص الذي اتفقت عليه كل دول العالم وكل المنظمات الدولية بما فيها الاتحاد الإفريقي”، وخالصًا إلى أن “قرار المحكمة الأوروبية صدَر في تناقض مع كل الشرعيات”.

“أزمة قانون دولي وهشاشة التكتل”

على المنوال ذاته نسَج عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، موردا أن “قرار محكمة العدل الأوروبية يعبّر عن أزمة للقانون الدولي تهم أساسا التنفيذ، بالنظر إلى أن المحكمة نفسَها كيف لها أنْ تَقضي بمنطق ما يخالف ما سبق لها في وقت سابق أن حكمت فيه”، متسائلا عمّا استجد اليوم حتى يتغيّر قرارها.

وقال البلعمشي، في حديث لهسبريس، إن “التناقض يَبرُز أيضا في الحيثيات التي خرجت بها المحكمة العليا البريطانية سابقا حول الموضوع ذاته الذي يهمّ الاتفاقيتيْن مع المغرب”، مثيراً “إشكالية الخضوع للقانون نفسه بما يُثبت فعلياً وجود أزمة في تنفيذ القانون الدولي”.

وأضاف الأستاذ المختص في القانون الدولي أن “الموقف المغربي من القرار هو موقف سياديٌ سياسي ينسجم مع رؤية المغرب لعلاقاته الدولية منذ 2016″، مستحضرا أنه “جاء انسجاماً مع ما عبّرت عنه المملكة رسميا في خطب ملكية وتصريحات حكومية ولقاءات دولية رسمية بالتزامها الدائم والمتجدد بمسار تدبير الملف في مجلس الأمن الموكول له حصريا تدبير ملف الصحراء المغربية والسيادة على أقاليمها”.

في نقطة أخرى شدد الأكاديمي ذاته على أن “الحكومات الأوروبية التي تُمثّلها المفوضية الأوروبية هي المعنية أساسا بهذا القرار”، مضيفا أنه “أمام التصريحات والمواقف الإيجابية الصادرة عن مختلف العواصم الأوروبية ودبلوماسياتها يمكن أن نَجزم بوجود شرخ داخل أجهزة الاتحاد الأوروبي؛ ولعل انسحاب بريطانيا من التكتل قبل سنوات كان أشد تعبير وضوحًا عن ذلك”.

وختم البلعمشي تصريحه مشيرا إلى أن “المغرب لا يبدو مُتضررا اقتصادياً في حال تنفيذ هذا القرار، على اعتبار أن من أبرز المرتكزات التي عبر عنها الملك محمد السادس خلال خطابه الشهير، مشاركاً في أشغال القمة المغربية–الخليجية سنة 2016، مفادُها العمل على تنويع تصريف قنوات السياسية الخارجية المغربية، خصوصا في شقها الاقتصادي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق