مكافحة الفساد اليوم وليس غدا
ثابت حسين صالح*
صحيح أن الأوليات الأمنية تفرض نفسها كمهمة رقم 1 في هذه المرحلة... مع ذلك وبالتوازي، علينا الآن وليس غدا أن نعمل على محاربة ومكافحة وحل كافة المشكلات والتعقيدات التي وصلت بعضها إلى أن تصبح ظواهر مرضية مزمنة، وكل يوم تتدحرج مثل كرة الثلج التي تكبر مع كل دورة لها.
لا شي يقبل التأجيل، ليس فقط لإن حله في المستقبل سيكون أصعب وأعقد وربما مستحيلا، ولكن لأن تكلفة الحل ستكون قد تضاعفت أضعافا مضاعفة وبتكلفة بشرية ومادية وسياسية باهضة.
الفساد المستشري في كل مفاصل الحياة والتي فتحت حربا 1994 و2015م وما بعدهما المجال واسعا أم هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا، لتنتشر كالهشيم في النار: في المؤسسات العامة والخاصة وحتى على صعيد الأسرة والمجتمع.
بحيث أصبح الفساد يشمل الفساد المالي والفساد الإداري والفساد السياسي وحتى الفساد الأخلاقي.
من المسؤول عن مكافحة الفساد وكيف ومن أين نبدأ؟
يرى البعض أن مكافحة الفساد، كما هو حال التعامل مع مشكلة الأراضي وملف الخدمات والمرتبات والنازحين... تحتاج إلى وجود دولة قائمة بكل مؤسساتها وذات سيادة.
وفي هذا الرأي شيئ من الصحة والمنطق.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين هي هذه الدولة؟
الدولة التي اقيمت بعد إعلان الوحدة بين الجنوب العربي واليمن الشمالية أخذت بعد حرب 1994م بالأسوأ وليس بالأفضل وتماهت، بل ورعت الفساد في كل مؤسسات الدولة والمجتمع.
ناهيك عن أن ذلك النظام- على فساده وهشاشته- هو مرفوض جنوبا ومنتهي شمالا بعد سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية ...ودولة الجنوب لم تأت بعد.
حتى حكومة الشرعية التي جعل لها التحالف عدن "عاصمة مؤقتة" بعد طرد الحوثيين وقوات الشمال من عدن، لم تقدم شيئا يذكر للجنوب، بل زاد الفساد توحشا في عهدها...ومن غير المنتظر منها مكافحة ما زرعته هي وسابقاتها من فساد.
وليكن واضحا أن هذه الحكومة حتى بعد اتفاق الرياض ما زالت تحت سيطرة قوى الشمال بما في ذلك الوزراء الجنوبيين الذين اختارتهم أحزاب الشمال أو مكونات جنوبية موالية للشمال.
ومع إدراكنا أن الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي ما زال يواجه حرب الحوثيين والإخونج وحرب التنظيمات الارهابية وحروب الخدمات... فإنه الجهة الوحيدة التي مؤمل منها إن تتبنى بعض خطوات عاجلة وتدريجية لوقف سرطان الفساد، إذا ما تم دعمه من قبل التحالف العربي الذي ما زال يمسك بملف الحرب والأزمة.
وليكون البدء أولا بخطوات تصحيحية جريئة ولكن مدروسة لمؤسسات الانتقالي المدنية والعسكرية، بحيث تشكل نموذجا للنزاهة والشفافية.
المجال الآخر الذي يمكن البدء به هو الوزارات الأربع أو الخمس وكذلك المؤسسات التي تديرها قيادات جنوبية وبالذات المحسوبة على الانتقالي.
الخطوة الأخرى هي أن تمارس قيادات الانتقالي ضغوطات قوية على مجلس القيادة والحكومة والوزارات والمؤسسات لالزامها باتخاذ خطوات ملموسة وواضحة للحد من الفساد ومصارحة الشعب والرأي العام بأسماء الجهات والاشخاص الذين يعملون إجراءات مكافحة الفساد ويحمون الفاسدين.
وهذا يقتضي وقوف شعبي واسع ومن كل جنوبي وانضباط وجدية ومصداقية.
وقد بدأ المجلس الانتقالي بخطوات ملموسة ينبغي تشجيعها ودعمها بمشاركة واسعة سياسية ومجتمعية تعتمد على القدوة الحسنة وتقديم النموذج المقنع ووضع مصالح الجنوب فوق كل اعتبار، وتفعيل أجهزة الضبط القضائي بالتزامن مع إصلاح الاختلالات في كل مناحي الحياة.
الحرب على الفساد لا تقل أهمية والحاحا عن حرب الدفاع عن الوطن.
*باحث ومحلل سياسي وعسكري
0 تعليق