إيران في عزلة بلا أصدقاء.. هل تعيش نهاية مشروعها؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيران في عزلة بلا أصدقاء.. هل تعيش نهاية مشروعها؟, اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 06:26 صباحاً

على وقع أزمات اقتصادية خانقة وواقع جيواستراتيجي متآكل، تقف إيران اليوم أمام لحظة مفصلية في تاريخها الحديث. مشهد مزدوج يفرض نفسه: من جهة، عروض استثمارية هائلة تصل قيمتها إلى تريليون دولار تغازل بها طهران إدارة ترامب في محاولة لفتح صفحة جديدة؛ ومن جهة أخرى، عقوبات دولية خانقة وصلت إلى 5475 إجراء منذ 1979، أنهكت الاقتصاد الإيراني وأغرقت ثلث شعبه في الفقر.

وفي ظل تسريبات عن مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، يعود سؤال جوهري إلى الواجهة: هل نشهد تغيرًا حقيقيًا في استراتيجية إيران، أم هو مجرد مناورة سياسية لتفادي الانهيار الداخلي؟

عزلة بلا أصدقاء

في مقابلة مع برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، قدّم محمد الزغول، مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، تشخيصًا صادمًا للحالة الاقتصادية الإيرانية، قائلاً: "الاقتصاد الإيراني أشبه بجسد فقد شحمه ولحمه، والآن بدأ الألم يصل إلى العظم."

تشبيه يلخّص بدقة ما يحدث في الداخل الإيراني. منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، تدهورت الصادرات النفطية إلى أقل من 700 ألف برميل يوميًا، بعد أن كانت إيران تبني موازنتها على أكثر من 2 مليون برميل.

بحسب الزغول، فإن ما يقارب 28 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، و22 مليونًا بلا وظائف، غالبيتهم من الشباب. ومع انهيار خدمات الكهرباء والماء، وتقديرات لخسائر سنوية تصل إلى 13 مليار دولار بسبب انقطاع التيار، تحوّلت إيران من قوة نفطية وغازية إلى ما وصفه الزغول بـ"الإفلاس الطاقوي".

"إيران اليوم، وهي ثاني أكبر دولة في العالم في احتياطيات الغاز، تفكر في استيراده… هذا بحد ذاته دليل على إفلاس السياسات لا الموارد." 

"مارشال إيران" في سوريا... حلم تبخر بسقوط الأسد؟ 

أحد أكثر الرهانات الاقتصادية جرأة لإيران كان في سوريا، حيث أنفقت طهران أكثر من 30 مليار دولار لدعم نظام بشار الأسد، على أمل استرداد 400 مليار دولار عبر مشاريع إعادة الإعمار. لكن تلك الخطة الطموحة التي سماها محللون "مارشال إيران"، والتي تضمنت أكثر من 40 مشروعًا اقتصاديًا واستثماريًا — من محطات كهرباء إلى سكك حديدية واتفاقيات للتنقيب عن الفوسفات والنفط — انهارت مع تراجع نفوذ الأسد وتعقّد المشهد السوري.

الزغول علّق على هذا التحول بالقول: "طهران أرادت السيطرة على سوريا اقتصاديا، لكنها فوجئت بأن مشروعها ينهار من الداخل والخارج، والوثائق التي تسربت من السفارة الإيرانية في دمشق تثبت حجم الطموح الذي تبخّر."

ومع سقوط تلك الخطة، خسرت إيران أحد أبرز أوراق نفوذها الإقليمي، وهو ما دفعها لإعادة ترتيب أولوياتها داخليًا، وتقديم نفسها للعالم بصورة براجماتية.

"تريليون دولار"... رشوة سياسية أم انفتاح اقتصادي حقيقي؟ 

ما طرحته طهران مؤخرًا في مفاوضاتها مع واشنطن يرقى إلى محاولة إنقاذ كبرى: تلميحات بصفقات استثمارية ضخمة تقدر بتريليون دولار، وإبداء انفتاح على الشركات الأجنبية، وتراجع نسبي في تمويل أذرعها الإقليمية. لكن هل هذه التحركات نابعة من تحوّل استراتيجي فعلي أم مجرد تكتيك لإنقاذ النظام؟

يؤكد الزغول: "النظام السياسي الإيراني لم يتغير. هو فقط يتأقلم قسرًا. البنية التشريعية في إيران تسمح بالانفتاح، والمجتمع الإيراني ليبرالي بطبعه وجاهز للعالم، لكن النظام السياسي لا يزال محكوما بعقيدة أيديولوجية ضيقة."

ويضيف: "المشكلة ليست في الشعب الإيراني، بل في رؤية النظام لنفسه والعالم، التي تستند إلى هويات دينية وطائفية عفا عليها الزمن، وهي ما يعطل تطور الاقتصاد والعلاقات الخارجية."

الوقت ينفد: من "التصفير النفطي" إلى شلل اقتصادي شامل 

الخيار الأكثر خطورة أمام إيران اليوم هو الفشل في التوصل إلى اتفاق، وهو ما يُعرف بـ"السيناريو الأسود"، أي تصفير صادرات النفط تمامًا. وتجربة 2018، حين وصلت الصادرات إلى 170 ألف برميل يوميًا، لا تزال حاضرة، وهي كفيلة بضرب موازنة طهران التي بُنيت على تصدير أكثر من 2 مليون برميل يوميًا، وسعر متفائل للبرميل.

الزغول يحذر: "العجز في الموازنة قد يبلغ 50%. صناديق التقاعد على وشك الإفلاس، والصناديق السيادية المُخصصة للأجيال المقبلة تُستنزف لدفع الرواتب، والمجتمع ينهار تحت وطأة التضخم الذي قد يصل إلى 70%."

ولا تتوقف التهديدات عند الداخل. فالمفاوض الإيراني اليوم يجلس تحت سيفين، كما يقول الزغول: "آلية الزناد الأوروبية التي يمكن أن تعيد العقوبات الأممية، وسيف الضربة العسكرية الإسرائيلية في أي لحظة."

هل ينهار الحصن من الداخل أم يطل فجر جديد؟ 

بين تريليون دولار من الوعود، و5475 عقوبة معلقة في الهواء، تسير إيران على حافة الانهيار أو التحول. وفي حين يترقب العالم ما ستسفر عنه المفاوضات، تبقى الحقيقة أن أي نهضة اقتصادية لن تُكتب ما لم يتغير جوهر السياسة الإيرانية، لا شكلها. فقد أثبتت التجارب أن الأيديولوجيا حين تتدخل في تفاصيل الزراعة والصناعة والمياه والغاز، تُنتج الخراب لا التنمية.

ربما آن الأوان لطهران أن تفهم أن العالم لا ينتظرها، وأن خسارة مشروعها في سوريا، وارتباك تحالفاتها الإقليمية، واحتقانها الداخلي، كلّها مؤشرات على نهاية مرحلة. وبدلاً من التسول السياسي عبر العروض الاستثمارية، فإن مفتاح الخروج من النفق لن يكون إلا عبر الداخل: انفتاح صادق، وإصلاح هيكلي، ومصالحة مع الذات قبل الغرب.

فهل تمتلك إيران الشجاعة للخروج من ظلها؟ أم أن "مارشالها" سيبقى حلماً على ورق؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق