تزامنا مع احتفال “إيمازيغن” برأس السنة الأمازيغية أو “إيض يناير” دعت فعاليات مهتمة بالمسألة الأمازيغية بالمغرب إلى تجاوز الطابع الفرجوي لمثل هذه الأحداث، وتحويلها إلى مناسبة لتقييم التراكمات التي حققتها الأمازيغية وفتح نقاش وطني جاد وشامل لإعادة تقييم السياسات الحالية، مع العمل على بناء رؤية متكاملة تحفظ للأمازيغية مكانتها في النسيج الوطني المغربي.
في هذا السياق شددت الفعاليات الأمازيغية التي تحدتث لجريدة هسبريس الإلكترونية على ضرورة وضع خطط عملية وملموسة تساهم في تثمين التراكمات القانونية والسياسية التي تحققت، وإيجاد حلول ناجعة للمعيقات التي تحول دون تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتكبح إدماجها في الحياة العامة؛ إضافة إلى مساءلة الفاعل الحكومي والمؤسساتي الذي تؤكد على مسؤوليته عن الوضع الذي تعيشه الأمازيغية بالمغرب، الذي يهدد استمراره مستقبل هذا المكون الهوياتي الأصيل.
مستقبل غير مطمئن
أحمد أرحموش، محام وفاعل أمازيغي، قال إن “هناك عدة أوراش إستراتيجية مازالت تنتظر الإرادة السياسية والفعلية لوقف زحف انقراض الأمازيغية، وعلى رأسها أوراش مؤسساتية وأخرى موضوعاتية”، مضيفا: “هي أوراش مازالت مُعلقة رغم أنها تتوفر على أساس وسند ومرجعية قانونية قائمة منذ أكثر من عشر سنوات. ونذكر على سبيل المثال الوضعية المقلقة لمدرسي الأمازيغية وللأمازيغية في المدرسة العمومية التي مازالت على حالها منذ 2011، إضافة إلى عدم جدوى وفشل سياسة الترجمة في المرافق العمومية؛ علاوة على ما أفرزته سياسة تهجير السكان من أراضيهم الأصلية بفعل قوانين ومراسيم مدمرة للهوية وللتنمية المجالية”.
وتابع أرحموش: “أرى أن للحكومة ولغرفتي البرلمان ولعدد كبير من الجماعات الترابية نصيبًا أوفر في هذا المسار السلبي”، معتبراً أن “مستقبل الأمازيغية غير مطمئن بتاتًا”، وزاد: “أتوقع أن يفقد المغرب أهم ثابت من ثوابته الوطنية؛ فالهوية التي تخصص لها نسبة 9 سنتيمات من كل درهم مغربي لا يمكنها أن تصمد أمام إعصارات الهدم المتوالية بسرعة. ولعل دلالات ما أعلنته المندوبية السامية للتخطيط بشأن إحصاء 2024، بما له وما عليه، لأكبر دليل على اقتراب حمل نعش الأمازيغية بالمغرب”.
وأكد الفاعل الأمازيغي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحكومة ومعها مجمل الهيئات والمؤسسات العمومية يجب أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الصدد، عبر فتح حوار لتقييم ما تمت مراكمته في ملف الأمازيغية منذ 2011، بهدف وضع مخطط استعجالي يمكن من وقف هذا النزيف”، مردفا: “أميل إلى ضرورة انخراطنا نحن في الحركة الأمازيغية في بلورة رؤى شاملة لمخلفات الأزمة دون حصرها فقط في الجوانب الاقتصادية، وتبعاً لذلك وجب ألا نعلق الأمل الكامل على غيرنا، وعلى من سبق له أن أعلن العصيان ضد وجودنا وكينونتنا، وألا ننتظر المجهول أو ما ستسفر عنه نتائج من يبادر في الميدان”.
قضية شمولية
من جهته قال عبد الله بوشطارت، عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، إن “الكثير من المطالب الجوهرية للحركة الأمازيغية مازالت عالقة في غرفة الانتظار؛ فالقضية الأمازيغية لا ترتبط فقط بالحقوق اللغوية والثقافية، وإنما هي قضية شمولية مركبة ومعقدة تضم مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية وهوياتية”، مضيفاً أن “البعض يريد اختزال مطالب القضية الأمازيغية في ما هو لغوي وثقافي، كما هو شأن بعض الأحزاب التي تنظر إلى الأمازيغية بشكل فولكلوري، وتختزلها في المهرجانات وبعض أشكال الفرجة والاحتفال بهذه المناسبة أو تلك”.
وزاد بوشطارت شارحاً: “حتى في ما هو مرتبط بالحقوق اللغوية والثقافية فالحكومة لم تحقق المنتظر ولم تنجح في إرساء دعائم المساواة والعدالة اللغوية. وما تعيشه اللغة الأمازيغية من إكراهات ومشاكل وتراجعات داخل المدرسة دليل واضح على عدم وجود إرادة سياسية لدى الحكومة في تفعيل القانون التنظيمي للغة الأمازيغية. والأمر نفسه بالنسبة للجمود الذي تعيشه الأمازيغية في الإعلام العمومي، سواء في الإذاعات أو القنوات التلفزيونية، ذلك أن اللغة الوحيدة المهيمنة والسائدة هي العربية الفصحى والدارجة، وهذا يؤدي إلى تراجع وتقلص استعمال اللغة الأمازيغية في المجتمع”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “مستقبل القضية الأمازيغية في ظل هذا الوضع غير واضح، إذ إن قراءة نتائج الإحصاء الأخير، رغم عدم دقتها، تشير إلى أن الأمازيغية تسير نحو الانقراض؛ لذلك نقول إنها مرتبطة بالمشروع المجتمعي وبالتنمية والشغل والعدالة المجالية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التوزيع العادل للثروات والموارد والتناوب على السلطة”، وتابع: “لهذا نشتغل وندافع عن الأمازيغية في إطار تصور شامل ومشروع مجتمعي بمرجعية أمازيغية، لأن القضية الأمازيغية قضية سياسية تحتاج إلى مدخل سياسي، ولابد من مشاركة الأمازيغ في المؤسسات للمساهمة في بناء القرار السياسي والمشاركة في التشريع لحماية حقوق الأمازيغية”.
وأردف المتحدث ذاته: “خطاب القضية الأمازيغية يتطور ويطرح بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية، ولذلك نحن نشتغل في إطار خلق مشروع تنظيم سياسي بمرجعية أمازيغية يكون قادراً على استيعاب المرحلة ورهانات المستقبل”.
واعتبر بوشطارت أن “الفاعل الحكومي والحزبي حالياً لن يستطيع حل المطالب الأمازيغية لسبب بسيط، وهو أنه لا يفهمها ولا يتملكها، ولا يملك أي تصور أو رؤية بشأنها؛ لذلك نراه يفشل اليوم في مسلسل تفعيل الطابع الرسمي، لأنه أصلاً ليست له إرادة سياسية”، وواصل: “كل ما تفعله الحكومة وأحزابها اليوم هو الاستهلاك السياسي والإعلامي للمطالب الأمازيغية، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المناضلين والفاعلين داخل الحركة، ثم تدجين الخطاب الأمازيغي وإفراغه من مضمونه السياسي والحقوقي والاجتماعي والنَفَس النضالي، وجعله خطاباً ثقافياً صرفاً وحصر القضية الأمازيغية في مجرد تشكيلات فرجوية واحتفالية، مثل تنظيم مهرجانات كبرى أو كتابة تيفيناغ على واجهات الجدران وأبواب المؤسسات”.
0 تعليق