مازالت وتيرة انتشار وتناسل المعلومات الزائفة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي وعموم الفضاءات الرقمية تؤرق المغرب، على غرار غالبية دول العالم، فيما يُقر خبراء مهتمون بـ”صعوبة” تمكنه لوحده من محاصرة الظاهرة من خلال الاتجاه نحو تشديد العقوبات المرتبطة بها في مشروع القانون الجنائي، كما صرّح بذلك وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وذلك بالنظر إلى “التطورات المتسارعة في التقنيات التي يوظفها ناشرو هذه المعلومات عن قصد”.
لذلك شددّ أحد هؤلاء الخبراء على أهمية مصادقة المغرب وانخراطه، أخيرا، في “المبادرة الإستراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز نزاهة محتوى الإنترنت”، رفقة 14 دولة خليجية وإفريقية وآسيوية منتمية إلى عالم الجنوب، مؤكدا حاجة البلاد إلى “الاستفادة من خبرة هذه الدول وتجاربها في ميدان مكافحة المعلومات المضللة، مع التحرك رفقتها في المفاوضات مع الشركات الكبرى المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا في ظل عدم قدرة أي دولة على القيام منفردة بإجراءات في هذا الجانب”.
ورغم أن مهتمين بمجال حريات الإعلام والتعبير يُشاطرون بدورهم هذه “الملاحظات المشيدة” فإنهم يلفتون إلى أن “هذه الدول مطالبة، حتى تكون المبادرة ناجعة، بتعزيز دعم المحتوى الجاد من خلال توسيع هامش حرية الإعلام والتعبير، مع مضاعفة التوعية والتحسيس بمختلف الفضاءات العمومية، من مساجد ومدارس، فضلا عن التكوين”.
وكان المغرب صادق على المبادرة خلال مشاركته في “منتدى حوكمة الإنترنت” التابع للأمم المتحدة، الذي تستضيفه السعودية بدءا من يوم الأحد وحتى 19 دجنبر الجاري، وفقا لوكالة المغرب العربي للأنباء، التي أوضحت نقلا عن بيان لمنظمة التعاون الرقمي أن المبادرة “تهدف إلى تعزيز احترام التنوع الاجتماعي والثقافي، ومكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت، من خلال جهود الوساطة والتنسيق بين الشركات والحكومات والجهات الأخرى ذات الصلة، مثل المنظمات الدولية والمجتمع المدني”.
إيجابيات متعددة
حسن خرجوج، خبير في التطوير الرقمي والأمن المعلوماتي، قال إن “انخراط المغرب في هذه المبادرة خطوة جيّدة، بالنظر إلى أنها ستمكنه من الاستفادة من خبرة الدول المصادقة عليها في ميدان مكافحة المعلومات المضللة والزائفة؛ خصوصا الخليجية، وتحديدا السعودية، التي تمتلك بنية تحتية رقمية قويّة”، مبرزا أن “المصادقة على مثل هذه المبادرات توفر للمملكة أطرا مرجعية للاستناد إليها خلال صياغة المقتضيات أو النصوص القانونية المؤطرة لوسائط التواصل الاجتماعي”.
وأضاف خرجوج، في تصريح لهسبريس، أن “الأخبار الزائفة واقع يطرح إشكالات كبرى لدول متقدمة تكنولوجيا ورقميا، كأمريكا والصين وإسرائيل”، مشيرا إلى أنه “يصعب على المغرب أو أي دولة منفردة مراقبة انتشار الأخبار المضللة وتمددها بين مستخدمي هذه المواقع؛ خصوصا أن مروجي هذه المعلومات يبتكرون طرقا متطورة للإفلات من المراقبة وبالتالي الحساب”، ومستحضرا “دراسات علمية تؤكد أن وصول صورة زائفة إلى عشرة آلاف مستخدم يعني وصولها إلى 10 ملايين في الواقع”.
وأبرز المتحدث ذاته أنه “من المهم أن تتحرك الدول المتضررة من ظاهرة تزييف المعلومات والأخبار، وضمنها المغرب، عبر هذه المبادرة، في التفاوض مجتمعة مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى في العالم”، مفيدا بأن “التقنيين والمهندسين التابعين للوزارات المعنية من قبيل الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة والعدل يحتاجون بالفعل إلى الاطلاع على خبرات وتجارب نظرائهم من الدول المصادقة على المبادرة”.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي شدد في مناسبات مختلفة على أنه سيتم الاتجاه نحو تغليظ العقوبات على الجرائم الرقمية على وسائط التواصل الاجتماعي، من نشر المعلومات الزائفة والتشهير والابتزاز، مؤكدا في آخر مرور له في الجلسة العامة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، وهو يتحدث عن تصاعد الابتزاز الإلكتروني، أنه “ستذهب الوزارة في الإطار التشريعي للعقاب عليه، لحماية المواطن المغربي والمرأة المغربية والثوابت المغربية وأخلاقنا”.
بشأن ذلك قال خرجوج إن “المقاربة القانونية وحدها لا تكفي، ففي المغرب لدينا مشهرون ومروجو أخبار زائفة غير متطورين تقنيا، ولذلك من السهل الإمساك بهم وتطبيق القانون عليهم، لكن كيف بالأجانب المطورين، خصوصا أننا مقبلون على تنظيم كأس العالم وكأس إفريقيا”.
وتابع الخبير ذاته شارحا: “بعض هؤلاء قد يلتقطون صورا مجزأة في الفنادق أو المطارات أو الملاعب، ويغادرون فيروجوا معلومات مغلوطة بحسابات يستحيل استكشاف هوياتهم من خلالها، مع استحضار أنهم يشهرون هنا بدولة”، مبرزا أن “وزارة العدل ينبغي أن تستثمر بدورها هذه المبادرة من أجل تجويد الإطار القانوني لمحاربة التضليل المعلوماتي، وذلك بالانفتاح على التجارب الدولية الرائدة”.
إستراتيجية متكاملة
قال محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم): “المغرب منخرط في منظمة التعاون الرقمي التي تضم دولا من الجنوب، وكانت لها مبادرات إيجابية ومهمة سابقة مثل هذه التي نحن بصددها، كالاستثمار الرقمي وجواز سفر الشركات الناشئة”، لافتا إلى أن “هذه البلدان تعمل على تحصين نفسها رقميا من خلال الحد من التدخل الأجنبي بها رقميا، وكذا حماية اقتصاداتها الرقمية المحلية من الهيمنة الأجنبية للشركات الرقمية الكبرى”.
وأوضح العوني، في تصريح لهسبريس، أن “انخراط المغرب ضمن هذه المبادرة الجديدة مثمّن؛ فالمنظمة كانت دائما تشدد على أهمية أن تتعاون جميع الدول الإفريقية في خطواتها لمواجهة التحديات الرقمية، خصوصا التفاوض مع عمالقة وسائط التواصل الاجتماعي”، مستدركا بأن “المبادرة يجب أن تأتي في إطار إستراتيجية متكاملة تعتمد أساسا على الاستفادة الكاملة للمواطنات والمواطنين في هذه البلدان”.
وتابع المتحدث شارحا: “يتعيّن أن تشمل هذه الإستراتيجية تحرير الإنترنت من الهيمنة والسيطرة، واستعماله لتطوير الاقتصاد وجعل كل خطوة أو إستراتيجية مرتبطة بما هو رقمي مواكبة ومستحضرة لكافة التحولات التعليمية والتربوية والرقمية والسياسية كذلك، مع أهمية وضع حرية التعبير في صلب أولويات الإستراتيجية المذكورة”، مشددا على أهمية “تقوية الرقمي من خلال المبادرة، ما يفرض على الدول الخليجية المصادقة عليها القيام بأدوارها في هذا الجانب”.
وأفاد رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم) بأنه “بالنسبة للمغرب فإن تقوية نزاهة المحتوى تتطلب دعم المحتوى الجاد وحرية التعبير من خلال تحرير الإعلام ودعم المؤسسات الإعلامية المستقلة”، مشددا على ضرورة أن “تعتمد المملكة في هذا الجانب على تحول رقمي حقيقي يدمج داخله كافة المواطنين، وعلى خطوات توعوية وتكوينية على مستوى المؤسسات التعليمية والمساجد وباقي المؤسسات”.
0 تعليق