مرة أخرى، يتوعد المستهلكون المغاربة بإشهار ورقة المقاطعة لأجل تخفيض سعر الدجاج الذي بات يأبى النزول عن 30 درهما للكيلوغرام الواحد خلال الأسبوعين الأخيرين، متخذين للحملة التي أطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي لتفعيل “حقهم القانوني في الاختيار” شعار “خليه يقاقي”، وهو الشعار ذاته الذي كانوا قد رفعوه الصيف الماضي حين لامس سعر هذه المادة الحيوية سقف اليوم.
ويطرح تجديد هذه الدعوات “الرقمية” إلى مقاطعة لحم الدجاج ورفع “تحدي جعل الإحجام عن شرائه حتى في المطاعم ومحلات المأكولات السريعة يهوي بثمن الكيلوغرام الواحد إلى 10 دراهم”، تساؤلات حول جدواها، بما أنه “يبدو أنها لا تحدث آثرا ملحوظا على سعر هذا المنتج؛ إذ لا تحقق نسب استجابة كبيرة من المواطنين على أرض الواقع”.
وإذ يؤكد حماة المستهلك “غياب الامتثال العملي لحملات المقاطعة هذه”، فإنهم يرجعونه إلى “غياب البدائل لدى المستهلك المغربي، في ظل غلاء أسعار السردين بدورها لتلامس كذلك سقف 30 درهما”، معتبرين أن “الكلمة الفصل في حل أزمة تغول سعر الدجاج، هي للحكومة، التي ينبغي أن تتدخل لإخراج السوق من الاحتكار من خلال الإعفاء الضريبي لاستيراد الكتاكيت والأعلاف، وصولا إلى تحديد السعر للمدة القانونية إذا أقرت هذه الإجراءات”.
صلاحية الحكومة في تحديد سعر منتج ما تُخوَّلُ لها إذا وصل مستوى فاحشا؛ إذ تنص المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أنه بإمكان الإدارة القيام “بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين”، على ألا “تزيد مدة تطبيقها على ستة (6) أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة”.
“غير محسومة”
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، استبعد أن تكون “لحملة تطبيق الحق في الاختيار (المقاطعة) في الوقت الحالي نتائج مرضية، نظرا لغياب بديل يلجأ إليه المستهلك المغربي في ظل وصول سعر الكيلوغرام الواحد من السردين، الذي هو عادة خلاص المواطن من غلاء لحم الدواجن، إلى 30 درهما ويرتقب أن يبلغ 40 درهما، بسبب بدء تطبيق فترة الراحة البيولوجية بالمناطق الجنوبية للمملكة”.
واستحضر الخراطي، في تصريح لهسبريس، أن “جميع حملات تطبيق الحق في الاختيار في السنوات الأخيرة، باستثناء تلك التي خيضت سنة 2018، لم تحظ بنسب استجابة تضمن تحقيق أهدافها”، موردا أن “غالبية المواطنين المغاربة حين دعوتهم لمقاطعة الدجاج، لن يستجيبوا، لأنهم لا يتوفرون على بديل، ما يثبت أن الكلمة الفصل في حل أزمة غلاء هذا المنتج الحيوي هي في تدخل الحكومة عبر إجراءات قانونية وضريبية”.
وأوضح رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، وهو يلح على ترابط غلاء أسعار الدواجن بالتهاب أسعار اللحوم الحمراء، أنه “كان يتعين على الحكومة ألا تكتفي بإعفاء اللحوم الحمراء المستوردة من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة، بل أيضا إعفاء الجزارين من رسوم الذبح، لأنها تحتسب على المستهلك المغربي”.
وأشار المتحدث إلى أن “الأعلاف التي يتم استيرادها تشكل 80 في المئة تقريبا من تكلفة دجاج اللحم”، مردفا بأن “هذا الأمر يعني أنه إذا لجأت الحكومة إلى إعفاء هذه المادة الأولية من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، فإن سعر الدجاج سينخفض”.
وأبرز الخراطي أن “عدم السماح باستيراد الكتكوت يجعل السوق المغربية أمام ممارسات غير سليمة من قبل الشركات المحتكرة للقطاع؛ ففي الوقت الذي يبلغ فيه ثمن الكتكوت بالمغرب 9 دراهم، فإنه لا يتعدى في جميع دول البحر الأبيض المتوسط 3 دراهم ونصف الدرهم، ما يطرح التساؤل عن السبب المانع من عدم فتح الباب أمام استيراد الكتاكيت الذي من شأنه جعل السوق الوطنية تعرف فائضا منها”.
وبخصوص الحاجة إلى تطبيق المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، شدد الخراطي على أن “سوق الدواجن حرة، لكن في حال الاستفادة من الإعفاءات والتدابير سالفة الذكر، فإنه بالإمكان أن تتدخل الحكومة لتحديد سعر الدجاج، وهي الآن مطالبة بتطبيق هذا المقتضى في حالة أسعار اللحوم الحمراء التي استفادت من دعم الدولة في شكل إعفاءات ضريبية”.
الثقافة الاستهلاكية
عبد الكريم الشافعي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، لم ينف “إمكانية نجاح حملات مقاطعة الدجاج بنسبة مئوية معينة”، مستدركا بأن “الدعوات إلى هذه المقاطعة نجدها دائما رائجة في مواقع التواصل الاجتماعي خلال كل زيادات كبيرة في أسعار الدجاج، غير أن الإشكال هو أن غالبية المروجين لها والمتفاعلين معهم تجدهم من السباقين إلى شراء هذا المنتج الحيوي نظرا لغياب البديل”.
وعزا الشافعي، في تصريح لهسبريس، عدم انعكاس هذه الحملات على أرض الواقع، إلى “افتقار المواطن المغربي لثقافة استهلاكية قوية كتلك التي يمتلكها الأوروبيون”، مؤكدا أنه “لو كانت تطبق مثل هذه الحملات على أرض الواقع، لأصيبت الشركات الكبرى المحتكرة للبيض والكتكوت والدجاج التي تلجأ إلى ممارسات غير شريفة من أجل كسر مربي دجاج اللحم بكساد كبير”.
وشدد المصرح ذاته على “افتقار غلاء الدجاج في الوقت الحالي لأي مبرر؛ فحتى الدفع بغلاء الأعلاف متناقض مع الواقع وغير مقنع، ما دامت أسعارها قد انخفضت في السوق وتستفيد من دعم الحكومة”، مستدركا بأن “هذا الدعم تستفيد منه الشركات الكبرى المحتكرة للقطاع، موازاة مع حرمان المربين ومنعهم حتى من استيراد الكتاكيت”.
ويرى الشافعي أن “حل أزمة الغلاء يجب أن تتولاه الحكومة، من خلال تفعيلها مقتضى المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، عبر التدخل لتحديد أسعار الدجاج لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة”.
0 تعليق