في خطوة تعكس استقرار الاقتصاد المصري، أعلن البنك المركزي ارتفاع صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى مستوى قياسي جديد بلغ 47.109 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقارنة بـ46.952 مليار دولار في نوفمبر الماضي.
هذه الزيادة التي بلغت 157 مليون دولار خلال شهر واحد تعكس نجاح السياسات الاقتصادية للدولة في تعزيز مواردها النقدية رغم التحديات العالمية.
ارتفاع يعكس الاستقرار الاقتصادي
شهدت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي ارتفاعًا غير مسبوق، حيث بلغت 47.109 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، وهي أعلى مستوياتها التاريخية، وتأتي هذه الزيادة في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات نتيجة للتوترات الجيوسياسية وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وأوضح البنك المركزي أن هذا النمو يُعزى إلى عوامل عدة، من بينها تعزيز صادرات الدولة التي سجلت رقمًا قياسيًا بلغ 40 مليار دولار خلال العام الماضي، وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 23.7 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام.
وساهمت مجموعة من العوامل الرئيسية في الارتفاع الملحوظ للاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر خلال عام 2024، كان أبرزها الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت نحو 46 مليار دولار.
وجاء هذا النمو نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الدولة، بما في ذلك توحيد سعر الصرف وتقديم حوافز استثمارية شجعت على جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية.
إلى جانب ذلك، شكلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج أحد أهم دعائم الاحتياطي النقدي، حيث يُتوقع أن تصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام، مما يعكس ثقة المصريين في الاقتصاد الوطني وإسهامهم الكبير في دعمه.
كما لعب قطاع السياحة دورًا بارزًا في تعزيز موارد النقد الأجنبي، إذ حققت مصر إيرادات قياسية بلغت 15 مليار دولار بعد استقبالها 15.7 مليون سائح، وهو أعلى رقم في تاريخ السياحة المصرية، على الرغم من التحديات الجيوسياسية الإقليمية.
أما قناة السويس، فقد واصلت دورها المحوري كأحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي، بفضل موقعها الاستراتيجي وزيادة حركة التجارة العالمية عبرها، مما ساهم في تحقيق عوائد ثابتة تدعم استقرار الاحتياطي النقدي.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، واجهت الدولة تحديات كبيرة، أبرزها الالتزامات المالية الدولية. تمكنت مصر من سداد نحو 7 مليارات دولار خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2024، ليصل إجمالي ما تم سداده خلال العام إلى 38.7 مليار دولار.
وأكد البنك المركزي أن الدولة لم تتخلف يومًا عن سداد مستحقاتها، وهو ما يعزز الثقة الدولية في الاقتصاد المصري.
الإصلاحات الاقتصادية
لعبت الإصلاحات الاقتصادية دورًا كبيرًا في تعزيز الاحتياطي الأجنبي، فقد اعتمد البنك المركزي نظام سعر الصرف المرن، ما ساهم في جذب الاستثمارات وزيادة تدفقات العملة الأجنبية.
كما أطلقت الدولة حزم حوافز للاستثمار، بما في ذلك منح الرخص الذهبية، مما شجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية.
تغطية احتياجات الاستيراد
يمثل الاحتياطي النقدي الأجنبي صمام أمان لتغطية احتياجات مصر من الواردات. حاليًا، يغطي الاحتياطي واردات تصل إلى 8 أشهر، وهو معدل يفوق المتوسط العالمي البالغ 3 أشهر، مما يضمن استقرار السوق المحلي وتوفير السلع الأساسية.
وتسعى الحكومة إلى استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار خلال السنوات الست المقبلة، بمعدل 15 مليار دولار سنويًا.
وتأتي هذه الخطة ضمن رؤية شاملة لتعزيز دور القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الاستثمارات الحكومية، مع وضع سقف للاستثمارات العامة لا يتجاوز تريليون جنيه.
ثقة دولية في الاقتصاد المصري
شهد العام الماضي رفع التصنيف الائتماني لمصر، مما ساهم في تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحسن إلى زيادة الإقبال على شراء السندات المصرية، مما يدر تدفقات نقدية إضافية تقدر بنحو 7 مليارات دولار سنويًا.
ارتفاع الاحتياطي النقدي يعزز الثقة بالاقتصاد المصري
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، إن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر إلى 47.109 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقارنة بـ46.952 مليار دولار في نوفمبر، يعد مؤشرًا قويًا على نجاح السياسات الاقتصادية والإصلاحات النقدية التي تبنتها الدولة.
وأوضح غراب في تصريح خاص لموقع "بلدنا اليوم"، أن هذا الارتفاع يعود إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها تدفق استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة كبيرة بعد توحيد سعر الصرف وتقديم محفزات استثمارية جديدة، إلى جانب ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي سجلت 23.7 مليار دولار خلال أول 10 أشهر من العام، مع توقعات بتجاوزها حاجز الـ30 مليار دولار مع نهاية 2024.
وأضاف أن زيادة الاحتياطي النقدي تُعد دلالة واضحة على قوة المركز المالي المصري وتعزز الثقة الدولية في الاقتصاد، حيث يغطي الاحتياطي الحالي نحو 8 أشهر من الواردات السلعية، وهو ما يتجاوز بكثير المعدل العالمي البالغ 3 أشهر فقط، ويؤمن احتياجات مصر من السلع الأساسية والاستراتيجية، لا سيما مع فاتورة واردات سنوية تقارب 70 مليار دولار.
وأشار غراب إلى أن ارتفاع الإيرادات السياحية التي بلغت 14.1 مليار دولار خلال أول 11 شهرًا من العام، إلى جانب تحقيق الصادرات المصرية رقمًا قياسيًا بلغ 40 مليار دولار، ساهما بشكل كبير في تعزيز الاحتياطي.
كما أكد أن التوقعات تشير إلى دخول استثمارات أجنبية إضافية من دول الخليج مثل السعودية وقطر والكويت خلال الفترة المقبلة، مما سيزيد من تدفقات العملة الصعبة إلى البلاد.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن من أهم مكاسب زيادة الاحتياطي النقدي تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، واستقرار سعر الصرف، مما ينعكس على خفض تكاليف الإنتاج وزيادة المشاريع الإنتاجية.
وأضاف أن ذلك يسهم في انخفاض تدريجي لأسعار السلع وتراجع معدلات التضخم، ما يعزز القوة الشرائية للمواطنين.
وأكد غراب أن زيادة الاحتياطي تُعد عاملًا رئيسيًا في تقييم مؤسسات التصنيف الائتماني لمخاطر الدول، كما أنها تمثل حماية ضد الصدمات الخارجية، مضيفًا أن هذه الزيادة تؤكد نجاح الدولة في تنفيذ سياسات نقدية واقتصادية فعالة.
واختتم غراب تصريحه بالإشارة إلى أن زيادة الاحتياطي الأجنبي تُسهم في توفير العملة الصعبة للمصنعين والمنتجين، مما يدعم استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، ويزيد من الإفراجات الجمركية عن السلع في الموانئ، موضحًا أن هذا الأمر ينعكس إيجابيًا على تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بما يدعم خطة الدولة لزيادة الصادرات وتنشيط الاقتصاد المصري.
0 تعليق