عقد الجامع الأزهر، اليوم الاثنين، حلقة جديدة من ملتقاه الفقهي تحت عنوان "رؤية معاصرة"، حيث ناقش موضوع "السواك بين الشرع والطب". وقد شارك في اللقاء الدكتور علاء الدين عبد الله محمد إسماعيل، أستاذ طب أسنان الأطفال وطب أسنان المجتمع بكلية طب الأسنان جامعة الأزهر، والدكتور حسين مجاهد، أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ أحمد الطباخ، الباحث الشرعي بالجامع الأزهر.
قال الدكتور علاء الدين عبد الله إن السواك يُعدّ من الوسائل الفعّالة في الحفاظ على صحة الفم والأسنان، وهو جزء من السُّنة النبوية التي حثّ عليها النبي ﷺ. ويُستخرج السواك من جذور شجرة الأراك، التي تُعرف علميًا باسم "سالفادورا بيرسيكا"، وهي شجرة دائمة الخضرة، تنتشر في الجزيرة العربية وبعض المناطق الاستوائية. يُستخدم السواك أيضًا في بلدان أخرى من أشجار مثل الزيتون والنيم، إلا أن سواك الأراك يُعدّ الأفضل والأكثر شهرة، لما له من خصائص فريدة تسهم في تنظيف الأسنان، تبييضها، وحماية اللثة من الالتهابات.
وأشار إلى أن السواك يحتوي على خصائص طبيعية فعّالة، إذ يحتوي على السيليكا التي تسهم في تنظيف الأسنان وتبييضها، ومضادات للبكتيريا التي تحمي من تسوّس الأسنان والتهابات اللثة. كما يحتوي السواك على الكالسيوم، الذي يساعد في إعادة التمعدن الطبيعي للأسنان، بالإضافة إلى الفلورايد المعروف بفعاليته في الوقاية من التسوّس. ويدعم السواك اللثة ويعزز صحتها بفضل الزيوت الطيّارة التي تحتوي عليها، بالإضافة إلى مضادات الأكسدة التي تحمي من الأمراض وتساعد في الوقاية من السرطانات. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن السواك يُعدّ بديلاً طبيعيًا لمعاجين الأسنان، حيث يجمع بين فوائد عديدة لا يمكن أن تحتويها عبوة معجون واحدة.
وأضاف الدكتور حسين مجاهد أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، خلقه الله سبحانه وتعالى ليعيش في مجتمعات ويتفاعل مع الآخرين، وهذا التفاعل يتطلب أساسًا من القبول المتبادل والتآلف. إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذا التآلف هي النظافة الشخصية، التي تعد بوابة التواصل الإنساني، حيث إنها الواجهة الأولى التي يظهر بها الإنسان أمام غيره. النظافة ليست مجرد عادة أو مظهر خارجي، بل هي جزء من التكوين الفطري للإنسان، وقد جعلها الإسلام ركنًا أساسيًا في حياة المسلم، فحث عليها في نصوص كثيرة، منها ما جاء في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. الشريعة الإسلامية لم تكتفِ ببيان أهمية النظافة فحسب، بل جعلتها عبادةً تؤجر عليها، ورغّبت في طهارة الجسد والملبس والمكان، مما يعكس التكامل بين الجانب الروحي والجسدي في حياة المسلم.
وأضاف فضيلته أن رسول الله ﷺ قد قدّم النموذج الأكمل في الالتزام بالنظافة والطهارة، إذ كان يحرص على تطبيقها في أدق تفاصيل حياته، مؤكدًا بذلك أنها ليست مجرد سلوك فردي، بل ثقافة تنعكس على المجتمع بأسره. ومن السنن التي ركّز عليها النبي ﷺ وأوصى بها، سنة السواك، التي تجمع بين العناية بصحة الفم والنظافة العامة. السواك ليس مجرد أداة لتنظيف الأسنان، بل هو وسيلة تعكس عظمة الإسلام في الجمع بين العناية الجسدية والروحانية. فقد أثبت العلم الحديث أن السواك يحتوي على مواد طبيعية فعّالة تحارب البكتيريا، تمنع التسوس، وتقوي اللثة، ما يؤكد سبق الإسلام في رعاية صحة الإنسان.
وأوضح الشيخ أحمد الطباخ خلال إدارته للملتقى أن الإسلام جاء بمبادئ تعزز التكامل بين الجوانب الروحية والجسدية للإنسان، ومن أبرز هذه المبادئ النظافة الشخصية. فهي ليست مجرد مظهر خارجي، بل تعكس اهتمام المسلم بصحته واحترامه للآخرين. حرصت الشريعة الإسلامية على جعل النظافة جزءًا من العبادة، حيث وردت نصوص متعددة تؤكد على الطهارة والطهارة الجسدية والبيئية. وقد كان النبي ﷺ مثالًا يُحتذى به، حيث مارس النظافة كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية، مؤكدًا أهميتها في تعزيز الألفة بين الأفراد وحفظ الصحة العامة، مما يجعل المسلم شخصية متزنة ومحبوبة في جميع المجتمعات.
واختتم الملتقى جلسته بتأكيد المشاركين على أهمية العودة إلى سنن النبي ﷺ في العناية بالنظافة، لاسيما السواك، والذي يعتبر من أعظم وسائل الحفاظ على صحة الفم والأسنان، بالإضافة إلى أنه من العبادات التي تؤجر عليها الأمة، مؤكدين أن العلم الحديث قد أثبت الفوائد الصحية الكبيرة للسواك، مما يجعله أداة طبيعية فعّالة للعناية بالفم، ويؤكد توافق الشريعة الإسلامية مع الاكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال.
0 تعليق