أصدرت الهيئة القومية للاستشعار من البعد بيانا حول مستقبل الزراعة الدقيقة، موضحة أنه يستعان فى الزراعة بالتقنيات المتطورة، مثل أنظمة الاستشعار عن بُعد والتصوير الطيفي والطائرات المسيرة ونظام تحديد المواقع العالمي، والصور الملتقطة بالأقمار الصناعية، حتى صارت تُمثل ركيزةً لما يُعرف اليوم باسم "الزراعة الدقيقة".
والمستهدف من وراء توظيف هذه التقنيات الحديثة هو تحسين الإنتاج، وحماية البيئة، وتعزيز الاستدامة، وضمان الإدارة الرشيدة للأسمدة ومياه الرى، والتنبؤ بمواعيد الحصاد وكمياته، إضافة إلى تحسين الممارسات الزراعية بوجه عام.
وإذ تعترض الزراعة فى أفريقيا تحديات مثل قلة الموارد، تزداد أهمية استخدام هذه التقنيات، وثمة آمال وطموحات بأن تضرب بسهم في تحقيق النمو والاستدامة الزراعية في القارة السمراء عمومًا، مع تركيز خاص على شمالها، الذي يواجه أكبر العوائق، ألا وهو ندرة المياه.
مؤخرًا انتُخب عبد العزيز بلال، رئيس شعبة التطبيقات الزراعية والتربة وعلوم البحار بالهيئة القومية للاستشعار من البُعد وعلوم الفضاء بمصر، كي يرأس الجمعية الأفريقية للزراعة الدقيقة، لمدة عامين.
وقد أجرت شبكة SciDev.Net حوارًا مع الدكتور بلال لاستعراض طرق وأساليب تطبيق مفاهيم الزراعة الدقيقة في إقليم شمال أفريقيا.
بداية.. ما المقصود بالزراعة الدقيقة؟
هى زراعة تستهدف تحسين إنتاجية المحاصيل ومساعدة الإدارة على اتخاذ القرارات الفاعلة باستخدام تقنيات متقدمة مثل الاستشعار عن بُعد وغيرها من الأدوات التي تتيح التحكم الدقيق في الإنتاج.
وتساعد الزراعة الدقيقة في تحديد التغيرات التي تطرأ على المحاصيل في الحقل ومعرفة أسبابها، والوقوف على الحلول الممكنة لتحسين الاستدامة الاقتصادية والبيئية.
كما يمكنها الكشف عن الآفات وتقدير العائد، إضافةً إلى تحديد المُدخلات الزراعية التي تحتاجها التربة في المكان والوقت المناسبين.
ما الذي يعوق الزراعة الدقيقة في شمال أفريقيا؟
رغم أن الاعتماد على الزراعة الدقيقة بات ضرورةً لتأمين الغذاء للأجيال الحالية والمستقبلية، مع استعادة الموارد الطبيعية، إلا أن الإنتاجية الزراعية تواجه تحدياتٍ عدة، تشمل تغير المناخ وندرة المياه والقدرة المحدودة على الوصول إلى المدخلات الأساسية.
هناك أيضًا التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وتفتت الحيازة الزراعية، ونقص العمالة المدربة على استخدام تقنيات الزراعة الدقيقة.
بالإضافة إلى الأمية الرقمية التي يعانيها المزارعون، وصعوبة الوصول إلى الإنترنت، وارتفاع تكلفة الاعتماد على الزراعة الدقيقة مقارنةً بالوسائل التقليدية.
كيف يمكن تذليل هذه العقبات؟
التغلب على هذه التحديات يتطلب تشجيع الهيئات والمؤسسات المسئولة عن قطاع الزراعة للمزارعين على الاستعانة بتقنيات الزراعة الدقيقة وتدريبهم على استخدامها، وعقد الندوات وورش العمل للتعريف بها وبأهميتها، وتشجيع البحث العلمى في هذا المجال.
كما ينبغي ضمان وصول المزارعين في المناطق الريفية إلى الإنترنت وخدمات البيانات الكبيرة عبر تطبيقات الهواتف النقالة وتطوير الإرشاد الزراعي.
ومن المهم كذلك تصميم دورات تدريبية لطلاب الجامعات والماجستير والدكتوراة في مجال الزراعة الذكية لخلق كوادر طلابية مدربة يمكنها تطوير قطاع الزراعة الدقيقة في شمال أفريقيا.
هذا التطوير يُركز على الاستفادة من البيانات الكبيرة؛ لتحسين إنتاجية المحاصيل، والحد من استخدام الأسمدة والمبيدات التي تسهم في انبعاثات غازات الدفيئة، بحيث تقتصر إضافتها للمناطق الفقيرة إلى تسميد وإلى مبيدات لمكافحة الآفات، بدلًا من التوزيع التقليدي لهذه المواد على كامل مساحة الأراضي المزروعة.
ما تأثير تطبيقها على مستقبل الزراعة في شمال أفريقيا؟
تساعد الزراعة الدقيقة في تعزيز الأمن الغذائي بشمال أفريقيا من خلال الاستعانة بالتقنيات التي من شأنها زيادة إنتاجية الفدان ورفع دخل المزارعين والحد من تلوث التربة وترشيد استهلاك المياه، وأيضًا تطوير منصات للتنبؤ المبكر بالتغيرات المناخية ونمو المحاصيل.
ومن خلال فهم أنواع التربة المحلية وتحسين جودتها، تُمكِّن الزراعة ’الذكية‘ من إدارة دقيقة لتوقيت الري والزراعة والحصاد، بالإضافة إلى مكافحة الآفات والأعشاب الضارة، كما توفر فهمًا أعمق للمتطلبات المكانية لمنطقة زراعية معينة.
إلى جانب ذلك، تزود صناع القرار بأدوات وأنظمة إنذار مبكر عالية الدقة، تعزز الاستخدام الأمثل للمياه والمواد الكيميائية والطاقة، ومواجهة حالات الجفاف والظواهر الجوية المتطرفة والآفات والأمراض المرتبطة بالمناخ، واتخاذ الإجراء المناسب في الوقت المناسب.
كيف يمكن للزراعة الدقيقة أن تسهم في مواجهة مشكلة ندرة المياه؟
بالنسبة لشمال أفريقيا، السبيل إلى هذا هي الاستعانة بتقنيات الزراعة الرقمية، وتطبيق تقنيات متقدمة لتتبُّع المحاصيل ومراقبتها، واستخدام تقنيات مثل الري الذكي، الذي يعتمد على مجسات لاسلكية تعمل عن طريق الأقمار الاصطناعية، بما يتيح تحديد نسبة المياه التي تحتاج إليها التربة، وقياس المحتوى الرطوبي للتربة، بما يساعد على الحد من المياه المهدرة دون الإخلال بصحة المحاصيل ونموها.
هل من خارطة طريق تهتدي بها دول المنطقة؟
تحتاج دول شمال أفريقيا إلى تبنِّي سياسات تقوم على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية التي تخدم القطاع الزراعي، وتعزيز التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا الزراعية، وتبادل الخبرات والمعرفة في مجال التكنولوجيا الزراعية المتقدمة، والتعاون في مشروعات بحثية مشتركة تواجه التحديات الزراعية، مثل تدهور الأراضي، وتآكل التربة، وتراكم الملوحة، واختلال نظام الصرف.
إضافةً إلى ذلك، يتعين الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبيانات الأنظمة البيئية لدعم تقديم المعلومات والخدمات للمزارعين في الوقت المناسب وتطويرها.
إلى أى مدى يسهم التبادل المعرفي والتكنولوجي في تعزيز تقنيات الزراعة الدقيقة؟
يجب تطوير منصات رقمية لتسهيل تبادل المعلومات والخبرات بين المزارعين والخبراء بين دول شمال أفريقيا، وتبادل الخبرات في مجال الزراعة الدقيقة، فضلًا عن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في تطوير الزراعة الدقيقة والذكية وتطبيق تقنياتها.
متى تحقق الزراعة الدقيقة الأمن الغذائي في شمال أفريقيا؟
يمكن القول بذلك عندما يتم تطبيق الزراعة الدقيقة تطبيقًا كاملًا في جميع قطاعات الزراعة بدول شمال أفريقيا، وإنشاء معاهد لتدريس تقنياتها، ودعم البحوث والابتكارات التي تزيد من جودة الطعام وكميته، وإقامة شراكات بين تلك الدول، وإجراء البحوث والابتكارات لتعزيز الأساليب التكنولوجية الجديدة وتطوير الأدوات المستخدمة في مجال الزراعة الدقيقة.
وبطبيعة الحال الاستفادة من كل التجارب الناجحة في مجال الزراعة الدقيقة بدول شمال أفريقيا.
0 تعليق