حظر النفط الروسي يخيم على أسواق الطاقة ويترقب موقف ترمب (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

اقرأ في هذا المقال

  • العقوبات تشمل قيودًا على قدرة روسيا بإنتاج الغاز المسال وتصديره
  • العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة بايدن تفي بالتزام مجموعة الـ7 بخفض إيرادات الطاقة الروسية
  • العقوبات تجبر روسيا على تحويل شحناتها النفطية إلى دول مثل الصين والهند
  • من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على النفط بشكل كبير على أساس سنوي

يلقي حظر النفط الروسي، بموجب حزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة جو بايدن، بظلاله على أسواق الطاقة وسياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة.

وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، العقوبات الأكثر شمولًا حتى الآن ضد قطاع الطاقة في روسيا، بهدف تقويض أعمال النفط في البلاد والتدخل في أنشطة أسطول الظل لديها، وقطع مصادر الدخل التي تدعم حرب روسيا في أوكرانيا.

وتستهدف العقوبات شحنات النفط الروسي، والتأمين البحري لأسطول الظل، والوسطاء المهمّين المشاركين في تعاملات النفط.

بالإضافة إلى تشديد الخناق المالي حول روسيا، فإن هذا الإجراء يضع الإدارة المنتهية ولايتها حليفًا ثابتًا لأوكرانيا في أيامها الأخيرة.

وتسعى العقوبات إلى التأثير في حكومة الرئيس المنتخب دونالد ترمب المستقبلية، ووضع الأساس لإستراتيجيته في السياسة الخارجية تجاه روسيا.

الطاقة في روسيا

في 10 يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، عقوبات شاملة تستهدف قطاع الطاقة في روسيا.

وتهدف العقوبات إلى تعطيل قدرة روسيا على توليد النقد الأجنبي الحاسم، مع التركيز على العناصر الرئيسة لصناعة النفط والغاز.

وتتمثل النقطة المحورية في هذه الحزمة بالتدابير ضد شركتين نفطيتين رئيستين: غازبروم نفط (Gazprom Neft) وسورغوت نفط غاز (Surgutneftegas)، وكلتاهما لاعبان أساسيان في أسواق إنتاج النفط والتصدير في روسيا.

وترمي العقوبات إلى إضعاف قطاع الطاقة في روسيا وإعاقة قدراته الاقتصادية بشكل كبير.

مصفاة النفط التابعة لشركة غازبروم نفط بمدينة أومسك في روسيا
مصفاة النفط التابعة لشركة غازبروم نفط بمدينة أومسك في روسيا – الصورة من رويترز

من ناحية ثانية، توجد قيود على ما يقرب من 200 سفينة تنقل النفط الروسي، بما في ذلك العديد من "أسطول الظل" الروسي، بالإضافة إلى شركات النفط الكبيرة هذه.

ويتمثل أحد الأهداف الرئيسة للقيود الجديدة في تقويض أنشطة أسطول الظل هذا، الذي أدى دورًا مهمًا في التغلب على العقوبات السابقة.

ولجعل الأمر أكثر صعوبة على روسيا لمواصلة تصدير الطاقة، تستهدف العقوبات شخصيات مهمة في قطاع الطاقة، وتجّار النفط، ومزوّدي الخدمات، مثل شركات التأمين البحري.

وتشمل العقوبات تقييد قدرة روسيا على إنتاج وتصدير الغاز المسال، ما يزيد من تأثيرها بمزيج الطاقة في البلاد.

ويُعدّ تركيز العقوبات لدى مزوّدي خدمات حقول النفط مثل شركة شلمبرجيه (Schlumberger)، الرائدة عالميًا في تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط، عنصرًا أساسيًا فيها.

وفي ظل نظام العقوبات الحالي، واصلت شركة شلمبرجيه بعض أنشطتها، حتى مع انخفاض وجودها في روسيا.

وتُعدّ هذه خطوة مهمة، لأن أساليب الاستخلاص المعزّز للنفط تُستعمل على نطاق واسع بحقول النفط القديمة في روسيا، لأن شركة شلمبرجيه واحدة من الشركات القليلة التي تمتلك التكنولوجيا المتطورة المطلوبة للحفاظ على الإنتاج.

وبسبب العقوبات الجديدة، من المحتمل أن تخضع عمليات شركة شلمبرجيه المستمرة في روسيا لمزيد من التدقيق.

تأثير ونطاق حظر النفط الروسي

من المتوقع أن تخسر موسكو مليارات الدولارات شهريًا بسبب العقوبات التي استهدفت النفط الروسي وأسطول الناقلات.

ويُعدّ تعطيل أسطول ناقلات النفط الروسية -الذي يستهدف أكثر من 180 سفينة على وجه التحديد- هدفًا رئيسًا للعقوبات.

وفي الوقت نفسه، ستتأثر قدرة روسيا على مواصلة صادرات النفط السرّية كثيرًا بهذه النكسة.

إضافة إلى ذلك، تفرض العقوبات قيودًا أكثر صرامة على منشآت الغاز المسال في روسيا، ما يؤثّر بسلطات الطاقة ومزوّدي الخدمات المطلوبين لدعم هذه الأنشطة.

وتزداد قدرة روسيا على جني الأموال من صادراتها النفطية تعقيدًا بسبب العقوبات، التي تسدّ الفجوات الموجودة سابقًا، والتي سمحت للبنوك بتسهيل تعاملات الطاقة الروسية.

وتسلّط هذه الإستراتيجية الشاملة الضوء على خطة إدارة بايدن لتقويض الأساس الاقتصادي لروسيا، والحدّ من قدرتها على تمويل حربها في أوكرانيا.

دوافع العقوبات والتوقيت

يوجد عدد من العوامل التي تؤثّر في موعد فرض هذه العقوبات.

أولًا: تُمكِّن زيادة المعروض من النفط في السوق العالمية الولايات المتحدة من ممارسة المزيد من الضغوط على روسيا دون المخاطرة بارتفاع حادّ في سعر البنزين على مستوى العالم.

ثانيًا: توفر الحالة الحالية للاقتصاد، التي تتميز بانخفاض التضخم، بيئة أكثر ملاءمة لمثل هذه التدابير، بالإضافة إلى ذلك، تهدف العقوبات إلى تعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي وتزويد إدارة ترمب المقبلة بميزة تكتيكية خلال تعاملها مع تداعيات القرار الدبلوماسي الجريء الذي اتّخذه بايدن.

ناقلة النفط
ناقلة النفط "آر إن بولاريس" (أعلى الصورة) تبحر بالقرب من مدينة ناخودكا الساحلية في روسيا – المصدر: رويترز

وإلى جانب تقويض الأساس المالي لروسيا، تُظهر إدارة بايدن دعمها القوي لسيادة أوكرانيا من خلال فرض هذه العقوبات.

على صعيد آخر، تُظهر هذه العقوبات جبهة موحدة لصالح أوكرانيا، ما يعكس جهدًا منسّقًا من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وتهدف العقوبات إلى زيادة عزل روسيا عن أسواق الطاقة الدولية من خلال التركيز على مصادر دخلها الرئيسة، خصوصًا إنتاج الغاز المسال وأسطول الظل.

وتسعى هذه الإستراتيجية إلى تعزيز التحالف الدولي ضد العدوان الروسي، مع تقويض قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا في الوقت نفسه.

تحديات محتملة وتداعيات مستقبلية

على الرغم من أن هذه العقوبات قاسية، فمن غير الواضح ما إذا كان حظر النفط الروسي سينجح في الأمد البعيد، حيث يمثّل عزم إدارة ترمب على دعم العقوبات عقبة كبيرة.

ويُعدّ التنفيذ المستمر ضروريًا لإظهار تأثير هذه التدابير، وقد يتأثر هذا بالتحولات في القيادة الأميركية.

إضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تستعمل روسيا عدّة إستراتيجيات للالتفاف على العقوبات، مثل استعمال أسطول الظل، أو البحث عن أسواق جديدة لنفطها.

ومن المحتمل أن تنطوي إستراتيجيات الالتفاف هذه على نفقات كبيرة ومخاطر، بالرغم من أنها قد تقلل من فعالية العقوبات عمومًا.

ويمثّل التأثير في سوق النفط العالمية صعوبة أخرى، فقد ارتفعت أسعار النفط العالمية بسبب العقوبات، التي تستهدف صناعة النفط الروسية.

وتوقّع اللاعبون في السوق ارتفاع الأسعار بسبب القلق من انقطاع الإمدادات، الأمر الذي يؤثّر بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ويمكن لارتفاع أسعار النفط أن يفاقم عدم استقرار الطاقة العالمية، وجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط.

بدورها، تلفت هذه التداعيات غير المتوقعة الانتباه إلى التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع نطاقًا للعقوبات.

وفي المستقبل، سوف يكون لطريقة تعامل الرئيس المنتخب ترمب مع روسيا تأثير في هذه العقوبات.

فقد صرّح ترمب بأنه يريد حل المشكلة الأوكرانية من خلال عقد محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

واعتمادًا على طريقة سير المفاوضات، قد تختار إدارته رفع العقوبات أو استعمالها وسيلة ضغط.

ويصبح السيناريو أكثر صعوبة بسبب الغموض المحيط بنوايا ترمب، الأمر الذي يعرّض مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وأسواق الطاقة العالمية للخطر.

وحسبما أشار مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة، الدكتور أنس الحجي، في حسابه بموقع إكس X، فإن العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة بايدن تفي بالتزام مجموعة الـ7 بخفض إيرادات الطاقة الروسية، وهو الوعد الذي قُطع قبل ما يقرب من عامين.

ومع بقاء أيام قليلة فقط على استمراره في منصبه، تصرَّف بايدن بحزم لحظر إثنين من كبار منتجي النفط الروس، ما عزّز الضغوط على روسيا.

وتهدف هذه الحزمة الأخيرة إلى منع أيّ جهود دبلوماسية من جانب ترمب لتخفيف التوترات مع روسيا، أو التفاوض على إنهاء الحرب، ما يؤكد عزم الإدارة في مواصلة الضغط على موسكو.

مصفاة النفط التابعة لشركة لوك أويل بمدينة فولغوغراد في روسيا
مصفاة النفط التابعة لشركة لوك أويل بمدينة فولغوغراد في روسيا – الصورة من رويترز

أسعار النفط

ارتفعت أسعار النفط بشكل حادّ نتيجةً مباشرة لعقوبات حظر النفط الروسي، مع زيادة بنسبة 3.5% نهاية الأسبوع الماضي إلى 77 دولارًا للبرميل، وسجّل خام غرب تكساس الوسيط (WTI) أفضل جلسة له في 3 أشهر.

وبالمثل، انعكس تأثُّر السوق بالتوترات العالمية في زيادة سعر خام برنت بنسبة 2.9% إلى 79 دولارًا للبرميل في أواخر التعاملات الأوروبية.

ويوضح هذا الارتفاع مدى تقلُّب سوق النفط ومدى تأثّره بالعقوبات المفروضة على الجهات الفاعلة الرئيسة مثل روسيا.

ونتج الضغط الصعودي على أسعار النفط عن عدّة أسباب، ونتيجة لاستهداف أكثر من 180 سفينة وشركات نفطية كبيرة، حاليًا، تسببت العقوبات في تعطيل سلسلة التوريد.

بالإضافة إلى ذلك، تجبر العقوبات روسيا على تحويل شحناتها النفطية إلى دول مثل الصين والهند، ما يقلل من الكفاءة الإجمالية، ويرفع تكاليف النقل.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي الطقس البارد في بعض مناطق الولايات المتحدة وأوروبا إلى زيادة الطلب على وقود التدفئة، ما يدفع التكاليف إلى الارتفاع.

ومن المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على النفط بشكل كبير على أساس سنوي، وفقًا للمحللين، ما سيفاقم نقص العرض.

وتُعدّ التوقعات طويلة الأجل لأسعار النفط أكثر حذرًا، على الرغم من الاستجابة السريعة للسوق، فبالمقارنة مع عام 2024، يتوقع المحللون أن تتجه الأسعار إلى الانخفاض في عام 2025.

ووفقًا لمجموعة أوراسيا الاستشارية Eurasia Group، ستنخفض أسعار النفط الخام الفورية من نطاق 80-90 دولارًا في عام 2024، لتظل في نطاق 70-80 دولارًا عام 2025.

رغم ذلك، فإن إستراتيجيات التهرب الروسية، والتغييرات المحتملة بالسياسة الأميركية في ظل إدارة ترمب، والتعديلات في حالة الاقتصاد العالمي تُعدّ متغيرات تخفيفية.

وسيكون لهذه العوامل تأثير كبير بمقدار تكاليف النفط في جميع أنحاء العالم مستقبلًا.

الخلاصة

ارتفعت أسعار النفط، حاليًا، بسبب عقوبات إدارة بايدن، لكن فعاليتها على المدى الطويل ستعتمد على التنفيذ والطلب العالمي والتطورات الجيوسياسية.

ويُعدّ التأثير الإجمالي في أسواق الطاقة العالمية غامضًا حتى الآن، على الرغم من ردّ الفعل المتفائل للسوق في البداية.

وتمثّل هذه العقوبات محاولة أخيرة لوضع أكبر قدر ممكن من الضغط على روسيا، مع تعزيز الدعم لأوكرانيا قبل مغادرة إدارة بايدن للسلطة.

ويتمثل الهدف الرئيس للعقوبات في تدمير صناعة النفط الروسية، وحرمانها من الدخل الحيوي، ومنح أوكرانيا المزيد من النفوذ التفاوضي.

ورغم ذلك، فإن تنفيذها وقدرة روسيا على الالتفاف عليها سيحددان مدى فعاليتها في النهاية.

وستعتمد التأثيرات المستقبلية لهذه العقوبات على سياسة إدارة ترمب المقبلة.

وما يزال موقف ترمب من روسيا وأوكرانيا حاسمًا بسبب نيّته المعلَنة لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس بوتين، التي قد تؤدي إلى تعديلات على نظام العقوبات.

لذلك، أصبحت العواقب طويلة الأجل لهذه العقوبات أكثر صعوبة، بسبب الغموض المحيط بالعلاقات الأميركية الروسية في عهد الإدارة المقبلة.

على ضوء ذلك، فإن البيئة الجيوسياسية وتأثيراتها في أسواق الطاقة العالمية تتغير باستمرار.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
السعيد أبو العلا

أخبار ذات صلة

0 تعليق