بعد تهديدات ترمب.. الاتحاد الأوروبي يختار بين النفط والغاز الأميركيين أو الجمارك (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

اقرأ في هذا المقال

  • • الرسوم الجمركية التي يعتزم ترمب فرضها على النفط قد تعيد تشكيل أسواق الطاقة العالمية
  • • اضطرابات سلسلة التوريد المصافي الأميركية قد تدفع إلى البحث عن مصادر بديلة للخام الثقيل
  • • سياسات ترمب المؤيدة للصناعة من المرجّح أن تعزز إنتاج النفط الخام الأميركي
  • • من خلال الحدّ من الاعتماد على الإمدادات الروسية يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز الاستقرار الجيوسياسي

وضع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، دول الاتحاد الأوروبي أمام خيارين، إمّا زيادة كبيرة في مشترياتها من النفط والغاز الأميركيين لمعالجة العجز التجاري، أو مواجهة الرسوم الجمركية.

وكرر الرئيس الأميركي هذا الموقف، في منشور بمنصة التواصل الاجتماعي "تروث سوشال" Truth Social، وعدّه جزءًا من سياسته التجارية الأوسع التي تستهدف كندا والمكسيك والصين.

لذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي، بصفته أكبر مشترٍ للنفط والغاز الأميركيين، تعقيدات لوجستية وسوقية في تلبية هذه المطالب، في ضوء تحديات زيادة الإنتاج الأميركي، أو إعادة توجيه الشحنات من مناطق أخرى.

من ناحيتهم، استجاب المسؤولون الأوروبيون بحذر، معربين عن استعدادهم لمناقشة القضية مع تأكيد الروابط الاقتصادية الأوسع بين المناطق، بما في ذلك الفائض التجاري للولايات المتحدة في الخدمات مع الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من هذه المبادرات، فإن التهديد بالرسوم الجمركية يثير المخاوف بشأن حرب تجارية محتملة، التي قد تؤثّر في كلا الاقتصادين؛ وسط معاناة دول الاتحاد الأوروبي، حاليًا، من التضخم وتقلّبات سوق الطاقة.

استجابة دول الاتحاد الأوروبي لتهديد ترمب

تستكشف دول الاتحاد الأوروبي إستراتيجيات مختلفة لمواجهة تهديد ترمب بالرسوم الجمركية، إذا فشلت في زيادة مشترياتها من النفط والغاز الأميركيين.

ويتمثل أحد هذه الأساليب في التفاوض، حيث اقترح بعض المسؤولين زيادات مستهدفة في الواردات، خصوصًا في قطاعي الطاقة والدفاع، لتخفيف التوترات.

واستنادًا إلى الدروس المستفادة من استجابة الاتحاد الأوروبي في عام 2018 للتدابير التجارية الأميركية -عندما فُرِضَت رسوم جمركية انتقامية على سلع أميركية بقيمة 3.2 مليار دولار-، يمكن للتكتل أن يتبنّى تكتيكات مماثلة لردع ترمب وإظهار المرونة.

زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لمنشأة كاميرون لتصدير الغاز المسال بولاية لويزيانا عام 2019
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنشأة كاميرون لتصدير الغاز المسال بولاية لويزيانا عام 2019 – الصورة من رويترز

من ناحيتها، تُجري المفوضية الأوروبية تقييمات الأثر لتحديد العواقب الاقتصادية على دول وصناعات الاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى ذلك، يتواصل بعض المسؤولين مباشرة مع فريق ترمب لتسليط الضوء على طريقة تعزيز الشركات الأوروبية للاقتصاد الأميركي من خلال الاستثمار وخلق فرص العمل.

وتسعى هذه المبادرات إلى لفت الانتباه للفوائد التي يغتنمها الطرفان من التجارة، مع التحذير من المخاطر التي تفرضها الرسوم الجمركية على كلا الاقتصادين.

في المقابل، فإن محاولات تقديم استجابة متماسكة تعوقها النزاعات الداخلية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والإجماع باختلاف الأولويات السياسية ووجهات النظر حول أفضل مسار للعمل، ولتفادي المزيد من المطالب الأميركية، يدعو بعضهم إلى موقف أكثر صرامة، في حين يؤيد آخرون نهجًا أكثر توازنًا.

في ضوء ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يوازن بين المصالح الاقتصادية والسيادة السياسية، لأن استجابته تشكّل العلاقات عبر الأطلسي، وتحدد معايير التجارة العالمية الأوسع نطاقًا.

تأثير الرسوم الجمركية في سوق النفط العالمية

قد تعيد الرسوم الجمركية، التي يعتزم ترمب فرضها على صادرات النفط، تشكيل أسواق الطاقة العالمية إلى حدّ كبير، وتؤثّر في التسعير وتدفقات التجارة وأنماط الإنتاج.

على سبيل المثال، من شأن الرسوم الجمركية على واردات الخام الكندية -التي تمثّل أكثر من 50% من واردات النفط الأميركية- أن ترفع التكاليف لدى المصافي الأميركية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين وتفاقم التضخم.

وقد تؤدي تكاليف الوقود المتزايدة إلى تقليل إنفاق المستهلكين، ما يزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي المتباطئ حاليًا.

من ناحية ثانية، قد تدفع اضطرابات سلسلة التوريد مصافي النفط الأميركية إلى البحث عن مصادر بديلة للخام الثقيل، في حين قد يعيد المنتجون الكنديون توجيه الصادرات، ما يغيّر تدفقات التجارة على مستوى العالم.

وقد ينشأ توازن محتمل لهذه الاضطرابات بسبب سياسات ترمب المؤيدة للصناعة، التي من المرجّح أن تعزز إنتاج النفط الخام الأميركي.

وقد تفرض زيادة الناتج المحلي ضغوطًا هبوطية على أسعار النفط العالمية، ما يعوض بعض الزيادات في التكاليف الناجمة عن الرسوم الجمركية.

محطة شينيري إنرجي للغاز المسال بولاية تكساس الأميركية
محطة شينيري إنرجي للغاز المسال بولاية تكساس الأميركية – الصورة من بلومبرغ

تجدر الإشارة إلى أن هذا التوسع قد يستفز دول تحالف أوبك+ لخفض الإنتاج أو تغيير إستراتيجيات التصدير للدفاع عن حصة السوق.

من جهة أخرى، قد تؤدي الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية إلى إبطاء تبنّيها، ما يؤدي إلى إطالة الاعتماد على النفط في النقل واستقرار الطلب.

وقد تتسبب التوترات الجيوسياسية في زيادة تعقيد الموقف؛ وقد تردّ البلدان المتضررة من الرسوم الجمركية الأميركية، فتستهدف الصادرات الأميركية وتعطّل تدفقات التجارة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي التغييرات في السياسة الخارجية الأميركية -مثل تعديلات العقوبات أو التوترات المتزايدة في المناطق المنتجة للنفط- إلى خلق حالة من الضبابية بشأن العرض.

على سبيل المثال، قد يؤدي تخفيف العقوبات على دول معينة إلى زيادة العرض، في حين قد تقيّده الصراعات الإقليمية.

وتشير هذه العوامل مجتمعة إلى مدة متقلبة لأسواق النفط العالمية، تتميز بتحالفات متغيرة وضغوط اقتصادية، نتيجة لذلك، يحتاج أصحاب المصلحة في الصناعة وصنّاع السياسات إلى استشراف إستراتيجي لتحقيق الاستقرار في الأسواق وتخفيف المخاطر.

تداعيات زيادة مشتريات النفط والغاز الأميركية

من شأن زيادة واردات النفط والغاز من الولايات المتحدة أن تخلّف تداعيات اقتصادية بعيدة المدى على الاتحاد الأوروبي، حيث تؤثّر في ديناميكيات التجارة وسياسات الطاقة والأهداف الإستراتيجية طويلة الأجل.

من ناحية أخرى، قد تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، ما يخفّف التوترات وتفادي الرسوم الجمركية.

وقد تتوافق مع هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن روسيا، وتعزيز أمن الطاقة. رغم ذلك، فإن هذه الفوائد تأتي بتكاليف كبيرة، ما قد يؤثّر بالصناعات والأسر.

وقد يعقّد الاعتماد المتزايد على الوقود الأحفوري الأميركي تحوّل الاتحاد الأوروبي إلى الطاقة المتجددة، من خلال تأخير الاستثمارات في البنية التحتية المتجددة وعرقلة الأهداف المناخية.

أحد حقول النفط بمقاطعة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية
أحد حقول النفط بمقاطعة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية

وقد يتطلب استيعاب زيادة واردات الطاقة الأميركية استثمارات كبيرة في محطات استيراد الغاز المسال والبنية التحتية الأخرى، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف الطاقة، خصوصًا بالنسبة للقطاعات كثيفة استهلاك الطاقة.

إضافة إلى ذلك، قد تفرض واردات الطاقة الأميركية الكبيرة ضغوطًا على اليورو، ما يزيد من قدرة صادرات الاتحاد الأوروبي على المنافسة في حين يرفع تكلفة السلع المستوردة.

وعلى الرغم من أن بعض الصناعات قد تستفيد من ذلك، فإن قطاعات أخرى تعتمد على تكاليف المدخلات المستقرة قد تواجه تحديات.

وقد تعمل العلاقات الأعمق في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات عبر الأطلسي، رغم أنها تحدّ من استقلالية الاتحاد الأوروبي في مفاوضات الطاقة والتجارة العالمية.

وتُبرز هذه التعقيدات الحاجة إلى نهج منسّق يوازن بين الاستقرار الاقتصادي والأولويات البيئية والإستراتيجية.

أهداف الطاقة المتجددة الأوروبية

على الرغم من أن زيادة واردات النفط والغاز الأميركيين توفر فوائد قصيرة الأجل على صعيد أمن الطاقة، فإنها تشكّل تحديات لطموحات الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة المتجددة.

ومن خلال الحدّ من الاعتماد على الإمدادات الروسية، يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز الاستقرار الجيوسياسي، وفي الوقت نفسه، فإن هذه الإستراتيجية تخاطر بتقييد التكتل في الاعتماد الممتد على الوقود الأحفوري، حيث قد تعمل استثمارات البنية التحتية الجديدة للغاز المسال على تحويل الموارد من مشروعات الطاقة المتجددة.

ويتطلب تحقيق هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في 45% من الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة النهائي بحلول عام 2030 تقدمًا كبيرًا في البنية التحتية المتجددة.

وقد يبطئ الاعتماد المتزايد على الوقود الأحفوري الأميركي هذا التحول، خصوصًا إذا أدت تكاليف الطاقة المرتفعة إلى تقليص الاستثمارات في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

إلى جانب ذلك، يمكن أن تؤثّر هذه التكاليف في القدرة التنافسية الصناعية، ما يزيد من تعقيد الأهداف الاقتصادية والمناخية للاتحاد الأوروبي.

ولمواءمة احتياجات الطاقة قصيرة الأجل مع الاستدامة طويلة الأجل، يجب على الاتحاد الأوروبي تبنّي نهج إستراتيجي يحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري مع تسريع تطوير الطاقة المتجددة وتعزيز الكفاءة.

ويتعين على صنّاع السياسات دمج واردات الطاقة الأميركية في إطار أوسع يعطي الأولوية للمرونة المناخية والنمو المستدام.

مصفاة ماراثون أناكورتس النفطية بالقرب من مدينة واشنطن
مصفاة ماراثون أناكورتس النفطية بالقرب من مدينة واشنطن – الصورة من بلومبرغ

الخلاصة

تزايدت المخاوف بشأن ديناميكيات التجارة والطاقة العالمية استجابة لتهديد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، ما لم يزد من مشترياته من الغاز والنفط الأميركيين.

وما تزال جدوى هذه المطالب وتداعياتها غير معروفة، على الرغم من أنها تتماشى مع تعهدات حملة ترمب بخفض العجز التجاري وزيادة إنتاج الوقود الأحفوري.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يقرر طريقة الاستجابة، يتعين عليه إدارة القضايا الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية المعقّدة.

ومن المرجّح أن يتشكل مستقبل العلاقات عبر الأطلسي ومعايير التجارة الدولية في الأشهر المقبلة من خلال المحادثات القوية واتخاذ القرارات الذكية.

وتسلّط هذه الصعوبة الضوء على التناقص الكبير بين الأهداف البيئية والمصالح الاقتصادية.

وقد تتعارض دعوة ترمب لزيادة واردات النفط والغاز الأميركية مع تعهُّد الاتحاد الأوروبي بتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.

ونظرًا للإصرار المتزايد على تنويع مصادر الطاقة والعمل المناخي، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الموازنة بين المطالب القصيرة الأجل والاستدامة الطويلة الأجل لتحقيق أمن الطاقة والتطلعات المناخية.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
السعيد أبو العلا

أخبار ذات صلة

0 تعليق