اقرأ في هذا المقال
- • استعمال زيت الوقود في محطات توليد الكهرباء يفاقم مشكلات الصحة العامة
- • اعتماد إيران الكبير على الوقود الأحفوري يحمل آثارًا سلبية كبيرة في البيئة والصحة العامة
- • انخفاض إنتاج النفط حرم إيران من الإيرادات المهمة اللازمة للاستثمار في قطاع الطاقة
- • إيران تواجه خطر التحول إلى مستورد صافٍ للطاقة بحلول عام 2025
ينتظر تفاقم أزمة الطاقة في إيران حلولًا عاجلة لاجتناب التداعيات الخطيرة، حيث تعاني البلاد من بنية تحتية متقادمة وعقوبات غربية تحول دون الاستثمار وتطوير الموارد.
وتواجه البلاد أزمة طاقة متنامية في قطاعَي الغاز الطبيعي والكهرباء، ومن المتوقع أن تتفاقم بحلول عام 2025.
ومن المتوقع أن تؤثّر انقطاعات التيار الكهربائي على نطاق واسع في الحياة اليومية والخدمات العامة والإنتاج الصناعي، ما يعرّض التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي لخطر كبير.
ويُعد هذا أمرًا بالغ الأهمية، تحديدًا عندما يقترن بنقص الغاز الإيراني، الذي من المتوقع أن يزداد من 300 مليون متر مكعب يوميًا في عام 2024 إلى 350 مليون متر مكعب يوميًا في عام 2025.
قطاع الكهرباء: آفاق قاتمة
تتفاقم أزمة الطاقة في إيران مع النقص في العرض بنسبة 30% خلال ذروة الطلب الصيفي في عام 2025، وقد انخفضت كفاءة وموثوقية البنية التحتية القديمة، بشكل كبير، خصوصًا في حالة محطات الكهرباء البخارية والغازية الموضوعة في الخدمة لأكثر من 30 عامًا.
وعلى الرغم من الحاجة إلى استثمارات تُقدَّر بنحو مليار دولار لسدّ الفجوة، عاقَت العقوبات الدولية والديون الحكومية لأصحاب محطات الكهرباء الخاصة تحقيق تقدّم كبير.
نتيجة لذلك، من المرجّح حدوث انقطاعات طويلة ومتكررة، ما يتسبب في تعطيل الأسر والشركات والخدمات الحيوية، ويؤدي إلى تدهور الاستقرار الاجتماعي والإنتاج الاقتصادي.
نقص الغاز يفاقم مشكلات الشتاء
يمثّل نقص الغاز الطبيعي أحد أبرز عوامل أزمة الطاقة في إيران، خصوصًا في أشهر الشتاء الباردة، ومن المتوقع حدوث انخفاض حادّ في ضغط الآبار وانقطاعات للغاز في المناطق الشمالية، ما يؤثّر في التدفئة بالمباني الصناعية والمنزلية.
وللتعويض عن هذا النقص، اعتمدت محطات الكهرباء بشكل متزايد على زيت الوقود، وتؤدي هذه الممارسة إلى زيادة تلوث الهواء، خصوصًا في مدن مثل طهران، وإلى تفاقم مشكلات الصحة العامة، ما يجعل تدابير كفاءة الطاقة والحفاظ عليها أمرًا ملحًّا.
وتنطوي أزمة الطاقة في إيران على تداعيات اجتماعية واقتصادية كبيرة، حيث من المتوقع أن تخسر إيران ما يصل إلى 8 مليارات دولار سنويًا بسبب تراجع الإنتاج الصناعي الناجم عن نقص الغاز والكهرباء.
إضافة إلى ذلك، وبسبب حرق زيت الوقود، تتدهور نوعية الهواء، ما يؤدي إلى ارتفاع في اضطرابات الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية.
وقد يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة والصعوبات المرتبطة بالطاقة إلى تصاعد الاضطرابات الاجتماعية، وإلى تقويض الثقة في الحكومة.
التدابير الحكومية لتخفيف أزمة الطاقة في إيران
للتخفيف من الآثار المباشرة لأزمة الطاقة في إيران، نفّذت الحكومة تدابير تشمل قطع التيار الكهربائي في العديد من المحافظات، لمدة تصل إلى ساعتين يوميًا، وتقنين الكهرباء في المناطق الرئيسة لتقليل الضغط على محطات الكهرباء.
وقد تكيفت المؤسسات الحكومية من خلال تقليل ساعات التشغيل، وتحولت المدارس والجامعات إلى تقديم الخدمات المتاحة عبر الإنترنت.
وطُلِب من الشركات، خصوصًا في قطاعات مثل إنتاج الصلب والأغذية والأدوية، الاستعداد لانقطاعات طويلة الأمد.
وعلى الرغم من أن هذه التدابير توفر حلولًا مؤقتة، فإنها تفشل في معالجة المشكلات البنيوية التي يواجهها قطاع الطاقة في إيران -مثل العقوبات وقيود الموازنة والاستثمارات غير الكافية في البنية التحتية- التي تعوق الحلول طويلة الأجل.
في المقابل، يحمل اعتماد إيران الكبير على الوقود الأحفوري، خصوصًا من خلال محطات الكهرباء العاملة بالغاز، آثارًا سلبية كبيرة في البيئة والصحة العامة.
في عام 2019، جاء 28% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد من قطاع الكهرباء، وتدهورت نوعية الهواء بشكل أكبر بسبب زيادة استعمال زيت الوقود.
وتؤكد هذه الاتجاهات البيئية الحاجة الملحّة إلى التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، إلّا أن التنمية توقفت بسبب القيود البنيوية والموازنة.
ونتيجة لهذا، تظل إيران غير مستعدة لتحقيق طموحاتها في مجال الطاقة المتجددة أو الحدّ من بصمتها البيئية.
بدورها، أدت العقوبات الدولية إلى تفاقم أزمة الطاقة في إيران من خلال تقييد الوصول إلى الموارد الأساسية والاستثمار الأجنبي.
وانخفض إنتاج النفط بمقدار 426 ألف برميل يوميًا من عام 2018 إلى عام 2024، ما حرم إيران من الإيرادات المهمة اللازمة للاستثمار في قطاع الطاقة.
وأدت العقوبات إلى تأخير تحديث محطات الكهرباء ومشروعات الطاقة المتجددة من خلال منع الوصول إلى التقنيات المتقدمة وردع المستثمرين الدوليين.
حاليًا، يُولَّد 94% من كهرباء إيران من الغاز الطبيعي، ما يسلّط الضوء على اعتماد البلاد المستمر على الوقود الأحفوري على الرغم من خططها لإنتاج 30 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
إزاء ذلك، أُجبرت إيران على "اقتصاد المقاومة"، الذي يعطي الأولوية للحلول المحلية التي غالبًا ما تكون أقل كفاءة وتطورًا من تلك المتاحة دوليًا.
تحول إيران إلى مستورد صاف للطاقة
على الرغم من ثروتها من الموارد الطبيعية، فإن إيران تواجه خطر التحول إلى مستورد صافٍ للطاقة بحلول عام 2025، إذا لم تُنَفَّذ الإصلاحات البنيوية.
ويُعدّ تحديث محطات الكهرباء القديمة وشبكات توزيع الغاز، وزيادة قدرة مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتغيير أسعار الطاقة المدعومة للحدّ من الاستهلاك المفرط، وإيجاد طرق لتقليل آثار العقوبات والحصول على التمويل للتنمية المستدامة، أولويات قصوى في المعركة لإنهاء الأزمة.
تجدر الإشارة إلى أن أزمة الطاقة الحالية تُعدّ مشكلة معقّدة ذات تداعيات اجتماعية واقتصادية وبيئية كبيرة، وفي غياب حل لهذه المشكلات المترابطة، فقد يعاني استقرار إيران وتقدمها من عواقب طويلة الأجل.
إعادة انتخاب ترمب تفاقم أزمة الطاقة في إيران
من المرجّح أن يؤدي إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة في عام 2024 إلى تفاقم أزمة الطاقة في إيران، وتضخيم التحديات الاقتصادية والتكنولوجية في ظل حملة "الضغط الأقصى 2.0" المتجددة.
سيكون لهذا التشديد عواقب بعيدة المدى على اقتصاد إيران وقطاع الطاقة والاستقرار المحلي في عام 2025، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع المزري.
ومن المرجّح أن تؤدي عودة ترمب إلى المكتب البيضاوي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة تستهدف قطاعَي النفط والغاز في إيران، ما يحدّ من صادراتها من الطاقة، التي تشكّل أهمية بالغة لاقتصادها.
وبحلول عام 2025، سيؤدي انخفاض الإيرادات من صادرات الطاقة إلى استنزاف القدرة المالية لإيران على معالجة أزمة الطاقة، ما يجعل البلاد غير مهيّأة لتحديث بُنيتها التحتية القديمة أو توسيع إنتاج الطاقة.
ومن شأن هذا الضغط الاقتصادي أن يؤدي إلى تفاقم الوضع المالي الهش، ما يعوق الإصلاحات الأساسية، وفي الوقت نفسه، سوف يستمر قطاع الطاقة، الذي يعاني من عقود من نقص الاستثمار، في التدهور بسبب نقص رأس المال الأجنبي، إثر ردع العقوبات والتوترات الجيوسياسية للمستثمرين الدوليين.
وفي غياب الاستثمارات اللازمة، سوف تشتدّ أزمة نقص الطاقة، ما يؤثّر بالناتج الصناعي والخدمات الحكومية والمناطق السكنية، في حين إن غياب الاستثمار المستدام من شأنه أن يشلّ الجهود الرامية إلى تحديث البنية التحتية للطاقة في إيران.
وستؤدي العقوبات المشددة إلى حرمان إيران من التقنيات المتقدمة المطلوبة لتحسين كفاءة الطاقة، أو الانتقال إلى مصادر متجددة.
وبحلول عام 2025، قد تجبر هذه الفجوة التقنية إيران على الاعتماد بشكل أكبر على محطات الكهرباء القديمة وغير الفعالة، خصوصًا خلال أوقات الذروة عند استعمال زيت الوقود الثقيل.
وسوف يؤدي هذا الاعتماد إلى تفاقم التدهور البيئي وتفاقم مشكلات الصحة العامة في المناطق الحضرية التي تعاني من تلوث الهواء الشديد.
ومن المتوقع أن يؤدي تفاقم أزمة الطاقة في إيران، مع العقوبات المشددة، إلى خسائر اقتصادية كبيرة، ما قد يكلّف البلاد عشرات مليارات الدولارات بسبب انقطاع التيار الكهربائي و تعطيل الصناعات وزيادة البطالة.
من ناحية ثانية، فإن من شأن الانخفاض المستمر في قيمة الريال الإيراني أن يفاقم التضخم، ويؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة، ويسهم في استياء الرأي العام، ما يزيد من خطر الاحتجاجات الواسعة النطاق والاضطرابات الاجتماعية.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، فإن أزمة الطاقة في إيران من شأنها أن تقلل من قدرتها على فرض هيمنتها في الشرق الأوسط، بما يتماشى مع هدف السياسة الخارجية لترمب المتمثل في عزل طهران.
وقد يستغل المنافسون الإقليميون في مجال الطاقة ضعف إيران، ما يزيد من تراجع نفوذها في الأسواق المهمة ويُضعف نفوذها الجيوسياسي.
عام 2025: مفترق طرق حرج
قد تتفاقم أزمة الطاقة في إيران إلى أبعاد غير مسبوقة مع اقتراب عام 2025.
وستؤدي إعادة انتخاب دونالد ترمب والتصعيد المحتمل لسياسة "الضغط الأقصى 2.0" إلى تفاقم المشكلات القائمة حاليًا، ما يجعل من الصعب على إيران القيام بالاستثمارات والإصلاحات اللازمة للتغلب على نقص الطاقة.
وفي غياب التعديلات المهمة، قد يؤدي التفاوت المتزايد بين العرض والطلب على الطاقة في البلاد إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي، والأضرار البيئية، والركود الاقتصادي.
تفاقم أزمة الطاقة في إيران
من المتوقع أن تتفاقم أزمة الطاقة في إيران بشكل كبير بحلول عام 2025، بسبب البنية الأساسية المتقادمة، ونقص الاستثمارات الكافية، والآثار المستمرة للعقوبات الدولية.
ولن تكفي الحلول قصيرة الأجل، مثل التقنين، والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، والاعتماد على زيت الوقود، لمعالجة المشكلات الأساسية في هذا القطاع.
وتؤدي هذه التدابير المؤقتة إلى إخفاء المشكلات الأكبر، بما في ذلك الافتقار إلى التحديث، واستهلاك الطاقة غير الفعّال، والاعتماد الشديد للبلاد على الوقود الأحفوري.
لذلك، يتعين على الحكومة الإيرانية إعطاء الأولوية للإصلاحات الشاملة، مثل تحديث محطات الكهرباء، وتعزيز شبكة التوزيع، وتنويع مصادر الطاقة، ومعالجة عدم كفاءة الطاقة، خصوصًا من خلال إصلاح أسعار الطاقة المدعومة.
إضافة إلى ذلك، فإن التغلب على العوائق الجيوسياسية التي تفرضها العقوبات وإيجاد مسارات للتعاون الدولي أمر بالغ الأهمية لتأمين الاستثمار والتقدم التكنولوجي اللازم للاستدامة طويلة الأجل.
وفي حالة عدم تنفيذ هذه التغييرات البنيوية، فإن الأزمة المستمرة قد تقوّض الاستقرار الاجتماعي في إيران، والنمو الاقتصادي، والصحة البيئية.
وبالنظر إلى مواجهة البلاد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الطاقة، فإن مخاطر الركود الاقتصادي المتزايد، والتدهور البيئي، والاضطرابات الاجتماعية، سوف تشتد.
ويتطلب الوضع اهتمامًا فوريًا واتخاذ إجراءات لمنع إيران من الدخول في دوامة قد تخلّف عواقب بعيدة المدى على مستقبلها.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق