يمثّل تحول الطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية أحد أبرز التحديات التي تواجه هذه المنطقة في الوقت الراهن، حيث تقف أمام مفترق طرق يتطلب إستراتيجيات مرنة واستثمارات ضخمة.
ففي وقت يتسارع فيه التحول العالمي نحو المصادر منخفضة الكربون، ما يزال الطلب على الطاقة في دول وسط أوروبا وشرقها آخذًا في النمو، ما يفرض توازنًا بين ضمان أمن الطاقة وتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف إزالة الكربون، حسب في تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
ويظهر ذلك جليًا في توقعات الطلب على النفط، إذ من المتوقع انخفاض الطلب في أوروبا الغربية بنسبة 40% بين عامي 2024 و2040، بينما سينخفض في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية بنسبة 17% خلال المدة نفسها، وهذا التباين يطرح تحديات إضافية للمنطقة.
ورغم التزام المنطقة بقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن تحول الطاقة، فإنها تحتاج إلى تحديد مسارات لإزالة الكربون والتقنيات الملاءمة التي تناسب طبيعتها الفريدة.
أمن الطاقة في وسط أوروبا وشرقها
لطالما كان أمن الطاقة أولوية بالنسبة لدول أوروبا الوسطى والشرقية، إذ شكّل سياساتها المتعلقة بالمناخ، فقد واجهت المنطقة تحديات في إمدادات الطاقة خلال التسعينيات، وخاصة دول البلطيق، التي واجهت انقطاعات من الاتحاد السوفيتي في محاولة لمنع استقلالها.
واستمر الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية حتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، ما جعل المنطقة عُرضة للخطر خلال أحداث مثل أزمة الغاز الروسية عام 2009.
وبحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، مكّن البرنامج الخاص بتنويع الإمدادات، المدعوم ماليًا من الاتحاد الأوروبي، من استيراد الغاز بعيدًا عن روسيا، حيث كانت محطة الغاز المسال في ليتوانيا مثالًا رئيسًا على ذلك.
ومؤخرًا أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تسريع التركيز على أمن الطاقة، خاصة أن الأحداث الجيوسياسية الأخيرة تسببت في تعقيد المشهد بالمنطقة، بداية من اضطراب سلاسل التوريد إلى البحث عن مصادر بديلة وتطوير بنية تحتية جديدة.
على سبيل المثال، اضطرت بولندا للانتقال من الاعتماد على شبكة خطوط الأنابيب والسكك الحديدية الداخلية إلى النقل البحري في غضون بضع سنوات فقط.
التباين بين وسط وشرق أوروبا وغربها
على عكس اتجاهات الاتحاد الأوروبي، يتطلب تحول الطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية استثمارات في مصادر الطاقة التقليدية، مثل الغاز والغاز المسال، كونهما من أشهر أنواع الوقود الانتقالي، ما يضمن ابتعاد المنطقة عن الفحم.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تشهد المنطقة تباطؤًا في تبنّي السيارات الكهربائية مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، حيث تبلغ معدلات انتشار المركبات الكهربائية في المنطقة قرابة 0.8%، مقارنة بنحو 6.5% في أوروبا الغربية، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويشير ذلك إلى:
- استمرار الطلب على الوقود التقليدي
- مواصلة عمليات تسويق الوقود وأنشطة التكرير
ومن بين عوامل الاختلاف -أيضًا- أن الطلب على المواد الكيميائية والبوليمرات ما يزال قويًا في وسط أوروبا وشرقها، على الرغم من الركود العالمي.
التصدي لتحديات تحول الطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية
يتطلب تحول الطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية إعادة النظر في سلسلة قيمة الطاقة لبناء ميزة تنافسية دائمة، وموازنة الطلب على الوقود الأحفوري، وتحقيق أمن الطاقة، وطموحات إزالة الكربون، على غرار ما فعلته شركة "أورلين" البولندية، بحسب تقرير حديث نشره المنتدى الاقتصادي العالمي.
فقد تبنّت شركة "أورلين" البولندية عدّة خطوات، أهمها:
- النهج العملي بدلًا من وضع أهداف طموحة أو التذبذب بين الوقود الأحفوري والاستثمارات منخفضة الكربون، بناءً على تغير السياسات.
- دمج الاستثمارات منخفضة الكربون في هيكل أعمالها الحالي، بدلًا من التعامل معها كونها مشروعات منفصلة، ما يضمن تطوير نظام متكامل لتقليل التكاليف والموارد.
- القدرة على التوسع والمرونة من خلال تصميم المشروعات مع وضع القدرة على التوسع في الحسبان، ما يسمح بمزيد من التخفيضات في كثافة الكربون وإمكان دمج الهيدروجين الأخضر.
- النظرة المستقبلية طويلة الأجل مع التخطيط لمبادرات تتجاوز الجدول الزمني الإستراتيجي الحالي لتسريع وتيرة جهود تحول الطاقة، وموازنة تكاليف الامتثال وضرائب الكربون مع جدوى المشروعات منخفضة الكربون.
- الاتّساق والمصداقية عن طريق توافق جميع الاستثمارات والمبادرات مع الإستراتيجيات طويلة الأجل، والالتزام بمبادئ تخصيص رأس المال.
- إقامة شراكات، وخاصة في التقنيات الجديدة وقطاعات الصناعة، لتعزيز الابتكار والحدّ من مخاطر التطوير
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..
- تحول الطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية من المنتدى الاقتصادي العالمي
- أمن الطاقة في وسط أوروبا وشرقها من جامعة كامبريدج
0 تعليق