الاستثمار في الحوسبة الكمية .. هل بدأ؟

الاقتصادية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

فكرة الحوسبة الكمية وما يتعلق بها من أبحاث انطلقت في بداية الثمانينيات الميلادية، وتعتبر ثورة عظيمة في عالم الكمبيوتر ستقلب موازين كثير من المفاهيم وتغير طريقة عمل أشياء كثيرة اعتدنا عليها باستخدام الكمبيوترات التقليدية، وفي السنوات القليلة الماضية بدأت تشتد وتيرة الأبحاث والاكتشافات والحلول التي ستجعل الحوسبة الكمية حقيقة ملموسة ومتاحة في الأسواق ربما في السنوات القليلة المقبلة. وفي السعودية هناك عدة جهات تعمل في مجال الاستفادة من هذه التقنية الحديثة، منها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الحكومة الرقمية وشركة أرامكو التي وقعت هذا العام اتفاقية مع واحدة من أبرز الشركات العالمية في هذا المجال لتركيب أول كمبيوتر كمي في السعودية.

قبل استعراض أبرز الشركات المدرجة في أسواق الأسهم والعاملة في مجال الحوسبة الكمية، دعونا ننظر إلى قوة هذه التقنية في فك التشفير المتعارف عليه حالياً والذي يعتمد على معالجة الأعداد الأولية prime numbers وكيف سيتمكن الكمبيوتر الكمي من جعل جميع تقنيات التشفير الحالية عديمة الفائدة، وبالطبع لن نتعمق في الأمور الرياضية المعقدة، فالهدف فقط إيجاد تصور بسيط في ذهن القارئ لقدرات الحوسبة الكمية.

تخيل لو أننا قمنا بطريقة معينة بوسم ذرة واحدة من رمال الربع الخالي وطلبنا منك التوجه إلى هناك للبحث عنها، حيث عليك التقاط كل حبة وفحصها بيدك لتتمكن من معرفة إن كانت هي الحبة المطلوبة، وإن لم تكن فتقوم بفحص حبة أخرى وهكذا، فكم ستحتاج من الوقت لاكتشاف الحبة المطلوبة؟ هذا بالفعل ما يلزم القيام به حين يحاول أحد اكتشاف مفتاح التشفير، مثلاً ذلك الأكثر شيوعاً والمستخدم في أنظمة RSA بطول 2024 بت، حيث يعتمد هذا النظام على ضرب عددين أوليين للحصول على ناتج الضرب، الذي منه وحده لا يمكن بسهولة معرفة العددين اللذين استخدما في العملية. مثلاً، الرقم 91 لا يمكن أن ينتج إلا بضرب العددين الأوليين 7 و13، بينما الرقم 90 يمكن الحصول عليه بضرب 9 في 10، أو 45 في 2، أو 3 في 30، وهكذا.

بالعودة إلى الربع الخالي والبحث عن حبة الرمل، ما تستطيع القيام به هو توظيف عدد كبير من الأشخاص، أو الروبوتات، للمساعدة في هذه العملية المنهكة، وهذا ما يقوم به الهاكرز لكسر التشفير، لكن حتى مع ذلك فالعملية ستتطلب منك مئات السنين، لذا قد تحاول تسريع عملية فحص الرمل لتتمكن من اختصار الوقت اللازم، وهناك بالفعل طرق عديدة للقيام بذلك، لكن الثورة الكبرى تأتي عن طريق الحوسبة الكمية، التي لا تعتمد على العالم الثنائي للحواسيب التقليدية، صفر وواحد، بل باستخدام فيزياء الكم لتنقلنا إلى عالم تعدد القيم، لذا فبواسطة الكمبيوتر الكمي يمكن فحص حبة الرمل بسرعة فائقة ويمكن فحص أكثر من حبة في الوقت نفسه، أي إن عدد المحاولات لن يتغير بل سيمكن عمل ذلك بسرعة خيالية، وبالتالي يمكن أخذ أي رقم تشفير كبير واكتشاف العددين الأوليين اللذين استخدما في حسابه بسهولة نسبية. وغني عن القول إنه بالإمكان استخدام الحوسبة الكمية لإيجاد أنظمة تشفير جديدة لا يمكن فكها ولا عن طريق الحوسبة الكمية ذاتها.

هناك عدد من الشركات المدرجة في أمريكا تعمل بشكل أو آخر في هذا المجال، إحداها شركة QUBT التي ارتفع سهمها هذا العام بنحو 25 ضعفا، وشركات QSI، IONQ، RGTI، إلى جانب اللاعبين الكبار أمثل آي بي أم وجوجل وإنتل وأمازون وغيرها. وعلى الرغم من أن هذه التقنية قد تستغرق سنوات طويلة، إلا أن التسارع التقني أحياناً يفاجئ الجميع، كما أن أسهم هذه الشركات، بالذات الصغيرة منها، تتفاعل بسرعة مع الأحداث وتحقق ارتفاعات كبيرة خلال فترات قصيرة.

السعيد أبو العلا
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق