محللون: الهجوم الأوكراني على منطقة "كورسك" الروسية مغامرة غير مدروسة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تفاعلا مع توغل القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية، والتمكن من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الروسية، قال الدكتور جيمس هولمز، رئيس كرسي جيه. سي ويلي للاستراتيجية البحرية بكلية الحرب البحرية الأمريكية، في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إن “كبار الخبراء الاستراتيجيين على مر التاريخ لو كانوا بيننا الآن لوبخوا قيادة أوكرانيا على شن هذا الهجوم بسبب تداعياته الخطيرة على أوكرانيا”.

وأضاف جيمس هولمز “رغم أن المفكر الاستراتيجي الألماني الراحل كارل فون كلاوسفيتس كان يؤيد فتح مسارح قتال ثانوية في ظروف معينة لتشتيت قوة العدو، لكنه فعل ذلك على مضض وحذر من أن يكون ذلك على حساب النجاح في مسرح العمليات الرئيسي، الذي يمثل في نهاية المطاف المسرح الأهم بالنسبة لقيادة الجيش”.

ويرى هولمز أن “الاستراتيجية تعني قبل أي شيء تحديد الأولويات وتنفيذها، وهذا يتطلب ضبط النفس، وبالتالي من غير المنطقي من الناحية الاستراتيجية المخاطرة بالأهم من أجل شيء أقل أهمية، مهما كان ذلك مغريا؛ وبالنسبة لأوكرانيا التي تخوض معركة وتواجه خطرا مدمرا، يجب أن تكون الأولوية القصوى هي الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأرض الأوكرانية في حين تسعى إلى استعادة الأرض التي سيطرت عليها روسيا في بداية الحرب، بدلا من التوغل في أرض روسية لن تحقق أكثر من مكسب دعائي بلا أي فائدة حقيقية”.

ويقول كلاوسفيتس صاحب كتاب “الحرب” الشهير إن “فتح أي مسرح ثانوي أثناء القتال يجب أن يخضع لثلاثة محددات هي “العائد والمخاطرة والموارد”، أي يجب أن تكون لدى القيادة العسكرية الموارد الكافية لفتح هذا المسرح دون أن يؤثر ذلك على المجهود الحربي في المسرح الرئيسي، وأن تكون المخاطر محسوبة، وأخيرا أن يكون العائد المنتظر أكثر من مجرد مكاسب يعد الحصول عليها أمرا محبوبا وإنما يكون “مكسبا استثنائيا”، وفي كل الأحوال كان المفكر الاستراتيجي الكبير يقول إذا لم يكن من الضروري فتح مسرح ثانوي فمن الضروري عدم فتحه”.

وتساءل هولمز: “هل يعتقد أحد أن القوات الأوكرانية تتمتع بتفوق عسكري حاسم على روسيا في مسرح العمليات الرئيسي شرق أوكرانيا؟ إذا لم تكن الإجابة بنعم، فإن كييف ستكون أقدمت على مخاطرة غير مقبولة بفتح جبهة ثانوية في كورسك من وجهة نظر كلاوسفيتس الذي عاش خلال الفترة من 1780 إلى 1831، والذي كان سينتقد بالتأكيد القادة العسكريين والسياسيين الأوكرانيين بسبب عدم انضباطهم الاستراتيجي”.

وأشار إلى أن “المفكر العسكري الصيني القديم صن تسو صاحب كتاب “فن الحرب” ربما لن ينتقد التوغل الأوكراني في كورسك، بل إن تسو كان سينصح جنرالات أوكرانيا بتبني نهج انتهازي شديد المرونة في التعامل مع العمليات في ساحة المعركة، باستخدام خطوط قتال “مباشرة”، تترجم أحيانا بكلمة “عادية” أو “تقليدية”، وخطوط “غير مباشرة” تترجم أحيانا بكلمة “استثنائية” أو “غير تقليدية””.

وقال هولمز: “إذا نظرنا إلى الحرب بين روسيا أوكرانيا من منظور تعداد جيش كل دولة منهما، فمن الصعب تصور أن صن تسو كان سيؤيد توغل أوكرانيا في روسيا، ورغم أن الجيش الأوكراني يقاتل بطريقة استثنائية مدهشة منذ بداية الغزو الروسي، فإنه لا يمكن أن يخفي ذلك حقيقة أن أوكرانيا كانت وستظل الطرف الأضعف في مواجهة عدو أكبر وأكثر موارد، ويرى أن مصالحه الحيوية على المحك ومستعد لاستخدام كل ما يملكه من وسائل للدفاع عنها”، مضيفا أن “أوكرانيا أضعف من روسيا وفق أغلب المقاييس، وعليها أن تتصرف وفقا لهذه الحقيقة”.

وفي السياق ذاته، يرى جون بي ويلرتون، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحكم والسياسة العامة بجامعة أريزونا الأمريكية، أن “المواقف اليائسة يمكن أن تؤدي إلى تصرفات يائسة، وتوغل أوكرانيا في منطقة كورسك أوبلاست الروسية في السادس من غشت الجاري كان خطوة جريئة، ومع ذلك خطوة يائسة، فاجأت روسيا والعالم، ونظرا لقيام أوكرانيا بدخول منطقة منخفضة السكان وليست ذات أي أهمية استراتيجية فإنها أعدت قوة قتالية مدربة جيدا ومجهزة تماما ربما بلغ قوامها 15 ألف جندي واجهت في البداية مقاومة ضئيلة من حرس الحدود الروس، لكن سرعان ما أرسلت روسيا قواتها، وخلال أسبوع توقفت المبادرة الأوكرانية وسعت كييف جاهدة لتبرير خطوتها المفاجئة، حيث لم تكن في حوزتها سوى نحو 400 ميل مربع من الأراضي التي استولت عليها لإظهار نتيجة جهدها”.

وقال ويلرتون، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، “لو كانت القوات الأوكرانية نجحت في الاستيلاء على محطة الطاقة النووية في كورسك، كما توقع كثير من المراقبين أنه لا بد أن يكون ذلك أحد الأهداف المقصودة، ربما كان من المحتمل تبريرمخاطر التوغل، وعلى أي حال لم تقترب القوات الأوكرانية كثيرا من المحطة، ووفقا للأخبار الحالية فإن القوات الأوكرانية تورطت في قتال عنيف”.

وأضاف الأستاذ الجامعي “رغم أن ضباب الحرب يجعل من الصعب تقييم كيفية سير الأمور، تتزايد الأدلة التي تفيد بأن أوكرانيا تتكبد خسائر فادحة في المعدات والذخيرة، والأهم من ذلك في الأفراد”.

وأشار ويلرتون إلى أن “القوات الروسية المكرسة للقتال في كورسك زاد عددها بدرجة كبيرة، وليس هناك أي دليل على أنه تم سحب هذه القوات من جبهات القتال الشرقية. في المقابل عززت أوكرانيا بعض أفضل جنود الاحتياط المعنيين بعملية كورسك بقوات تم سحبها من الشرق”.

وأوضح أن “القتال المكثف يسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح بالنسبة لطرفي معركة كورسك، بينما تقوم القوات الروسية في دونباس بتسريع تقدمها الطاحن، وتتجه مدن مهمة محصنة مثل بوكروسك وتورياسك نحو حافة السقوط في أيدي القوات الروسية، وستتجه روسيا نحو نجاح حاسم في إقليم دونباس إذا لم تستطع القوات الأوكرانية الصمود في مقاومتها”.

ويرى ويلرتون أن “أوكرانيا أقدمت على مقامرة عالية المخاطر، حيث كرست الكثير من الموارد الغالية في عملية كورسك، وربما كان النجاح سيؤدي إلى تغيير واقع القتال طويل الأمد في الشرق، والذي يحقق ببطء مكاسب إقليمية لروسيا، وفي الوقت الحالي ليست هناك أسلحة جديدة لدى أوكرانيا، ولا تصل إليها أي مساعدات خارجية، وليست هناك تغييرات في القيادة العسكرية، وليست هناك تغييرات في الأساليب العسكرية غيرت منطق القتال المكثف في الشرق، حيث ليس لدى أوكرانيا ببساطة القوات التي تضاهي القوة العسكرية الروسية المتنامية”.

وأضاف “حسب الأمور السائدة الآن، لا يبدو أن مبادرة كورسك الجريئة كانت فكرة جيدة، في ظل ما يبدو من أن المبادرة سوف تفشل في نهاية المطاف، حيث يعتقد الكثيرون أن هجوم كورسك يقوض القضية الأوكرانية فقط في حقيقة الأمر، حيث يتم استنفاد الموارد الغالية المتمثلة بوجه خاص في الأفراد والمعدات في جبهة أخرى، بينما الوضع الأوكراني المحاصر على الجبهات الشرقية متوتر بالفعل إلى أقصى حد”.

واختتم ويلرتون تقريره بالقول: “ليس بوسع أوكرانيا القيام بهجوم متقدم فعال ضد روسيا، ففي وقت ما في القريب العاجل سوف تستولي القوات الروسية على دونباس، وسوف يتعين على مجموعة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن تقرر الخطوات التي هي على استعداد لاتخاذها للدفاع عن أوكرانيا، ولن تتم الحيلولة دون تعرض أوكرانيا لهزيمة حتمية إلا بمشاركة قوات “الناتو” مباشرة في الحرب”، متسائلا: “هل سيتخذ “الناتو” مثل هذه الخطوة؟ وإلى أين قد تؤدي هذه الخطوة؟ هناك خيارات مهمة في الانتظار”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق