ابراهيم الخليفة
يبدو أن العنوان غريب نوعا ما لكن مضمون الموضوع هو نفسه إن جاز التعبير ، بضوء الحقائق التالية يودع العراقيون صيف عام 2024 ، وما رافقه من ارتفاع في درجات الحرارة بشكل غير مسبوق،و تزامن ذلك ، مع الاخفاق المستدام في تجهيز الطاقة الكهربائيه، مما شكل عبأً ثقيلاً على المواطنين ، مع حزمة من وعود جديدة و الآمال في تحسن امدادات الطاقة الكهربائية للصيف القادم تتشابه مع ما سبقها من وعود صادرة من جهات عدة وما تلاها، وفي مقدمتها ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يوم الأربعاء 18 سبتمبر2024 على خلفية افتتاح، وعن بعد ،عدد من المشاريع المتعلقة بقطاع الكهرباء في صلاح الدين ونينوى بالقول” نسعى لدخول الصيف المقبل بمنظومة كهرباء مستقرة توفر قدر مناسب من الخدمة للمواطنين”. يضاف إلى ذلك ما صدر ويصدر من تصريحات مطمئنة من وزير الكهرباء زياد فاضل أو الناطق باسمه تبشر المواطن وكالمألوف بأن الصيف القادم سيكون أفضل من الحالي في قطاع تجهيز الكهرباء، وكما تعود على ذلك المواطنين من تصريحات في أعقاب نهاية فصل كل صيف، واذا ما أستعرضنا هذا الملف بشكل جزئي وسريع في اطار المجهودات التي بذلتها الحكومات المتعاقبة الهادفة على التغلب أو تجاوز هذه المشكلة، وخاصة فيما يتعلق بتصريحات المسؤولين التنفيذيين الكبار دون ذكر الأسماء كونها أصبحت معروفه للمواطن، ان البلد مقبل على نقلة نوعية في هذا الملف و سيحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة والوصول بها إلى سقف التصدير، بمعنى ان يصبح منتجا ومصدرا لها لتحظى هذه الوعود بتصفيق الجمهور والتفاؤل بمستقبل افضل، ولكن بمرور الوقت وبعد مضي أكثر من عشرين عاما تبين له انه وقع ضحية للخداع Deceiveوالتضليل من قبل قادته التشريعيين والتنفيذين فكل يوم يمضي بدل من أن يحافظ على مستوى ما يرده من الطاقة يتفاجأ بأن يواجه نقص في تلبية احتياجاته الأساسية منها، وان ما ينتج لا يتماشى وزيادة الطلب عليها كشيء طبيعي لدورة الحياة وزيادة السكان والنشاط الإنساني ، مما يؤشر بوجود وهن ونقص في النظرة الأستراتيجية والتخطيط المستقبلي السليم، واذا ما خذنا بنظر الأعتبار الآثار السلبية والنفسية التي تنعكس على المواطن صحيا ونفسيا جراء نقص امدادات الكهرباء، هناك ايضا خسائر مادية وبحسب متخصصين تقدر سنويا نحو (40 ) مليار دولار بسبب نقص إنتاج الطاقة، وتشمل الخسائر هذه الأموال الكبيرة التي يتم صرفها على شراء الطاقة والاضرار في قطاعات الصناعة والزراعة والمشكلات الاخرى التي يسببها الانقطاع المستمر للكهرباء.وفق موقع العربية. كل الحكومات التي توالت على ادارة شؤون البلد، تدرك عواقب ذلك ، ومع هذا استمرت في تغذية المواطن بسيل من الوعود والأماني في تحسين تجهيزه بهذه الخدمة الأساسية والظرورية، هذا من جانب ،ومن جانب آخر، تُوهم المواطن بأنها تعمل باهتمام أستثنائي بملف الطاقة، وتنتقد السياسات التنفيذية للحكومات السابقة لعدم تعاملها مع هذا المرفق الحيوي و بالشكل الذي يتماشى وأهميته وعلاقته بحياة المواطن والتنمية، ولكن بدون جدوى، و ما يثير الاستغراب والتساؤل، أن كل حكومة من التي توالت على ادارة شؤون البلد وملف الطاقة قامت بالتوقيع على ما بين خمس أو ستة اتفاقات تتراوح بين اتفاقيات وعقود مشاركة ومشاريع تتنوع ما بين الإنتاج والنقل والتوزيع، والوقود ومصادر التجهيز والبنية التحتية لغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي ومع هذا لم يتجسد على أرض الواقع الهدف المطلوب .
ووفق دراسات عديدة ، فإن هذا القطاع يواجه تحديات في جوانب عدة ، قسم منها يتعلق بسوء الإدارة والفساد، والتسييس، واخرى تتعلق بقطاع الإنتاج(الوقود) والنقل والتوزيع، والتجاوزات على الشبكة، والجباية، والبنية التحتية ،وبضوء هذه الحقائق، فكل مجهود فني او مؤسساتي من قبل الحكومات السابقة أن لم يكن مدعوم سياسيا لا يرتقي للطموح ،ومع مرور الوقت تجد نفسها وقعت في نفس المطب، والدوران في المحور ذاته. من جانبها تقول الحكومة الحالية وكغيرها من الحكومات السابقة، أنها شخصت مواطن الخلل في هذا القطاع، وهي جادة في العمل لتخطي هذه المشكلة عبر وضع خطط قصيرة الأمد وأخرى بعيدة، متضمنة خيارات عدة متنوعة ومتشعبة، منها العمل على استكمال الخطط السابقة والجديدة منها، وهنا ادركت ان موطن الخلل يكمن في القطاعات التالية ،وعلى سبيل المثال، قطاع التجهيز ، بل بات من الضروري العمل على تنوع مصادر التجهيز، وعدم الاعتماد على مصدر واحد، وهو ايران، حيث يغطي الغاز الايراني المستورد (40%)،من احتياجات توليد الطاقة للقطر، وبكلفة تقدر ما بين (3-4 ) ،مليارات دولار سنويا او أكثر وحسب متغيرات اسعار الطاقة في السوق الدولية”، ومن اجل تجاوز هذه العقبة ،انتهجت الحكومات المتعاقبة خيارات عدة وباتجاهات مختلفة، منها العمل على التقليل من الاعتماد على الغاز المستورد من ايران ، من خلال استثمار الغاز الوطني، وتوظيفه في مجال تغذية محطات التوليد ،بالاتفاق مع عدد من الشركات الاجنبية المتخصصة ، اذ تقدر حاجة البلد من الغاز ما بين ( 25 إلى 30)، مليون متر مكعب يوميا لتشغيل المحطات الإنتاجية التابعة لوزارة الكهرباء، قال مكتب رئيس الوزراء مؤخرا ، إن العراق ينتج الآن ما إجماليه (3.1) مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يومياً، ارتفاعا من (2.9 ) مليار قدم مكعبة في 2022. ، (ووفق بيانات لوزارة النفط ،، سيكتفي العراق ذاتياً من الحاجة إلى الغاز لسدّ متطلبات إنتاج الطاقة الكهربائية، بحلول عام 2028 ) وهذا يساوي ( 914.9 ) مليار متر مكعب سنويًا خلال عام 2023.
يضاف إلى ذلك ، محاولات لاستيراد الغاز من قطر و تركمانستان، ومن الخيارات الاخرى لتنوع مصادر الطاقة فتح منافذ آخرى عبر مشروعات للربط الكهربائي مع دول الخليج الكويت والسعودية، و مصر، وتركيا، والاردن التي اعلن عن اكتمال الربط معها ودخلت المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي الأردني -العراقي حيز التشغيل في 30 مارس/آذار 2024 الخدمة، من خلال الربط بين محطتي الرطبة العراقية والريشة الأردنية. والعمل جار بمشروع الربط الكهربائي الأردني – العراقي على جهد 400 (ك.ف) من محطة تحويل الريشة في الأردن إلى محطة تحويل القائم في العراق، والذي يتوقع أن يتم تشغيله قبل منتصف عام 2025.وتتضمن المرحلة الثانية من الربط تزويد منطقة القائم في الجانب العراقي بالكهرباء بشكل شعاعي يحمل( 150 – 200) ميغاواط على جهد (400) كيلوفولت، بعد استكمال أعمال إنشاء خط النقل بطول (330) كيلومتراً، بالإضافة إلى استكمال أعمال الربط في محطة تحويل القائم 132 / 400 كيلوفولت من الجانب العراقي، وإنشاء محطة تحويل الريشة /33 /132/ 400. ،ومن المسارات الاخرى الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية بالاتفاق شركة توتال الفرنسية، عبر تنفيذ مشروع محطة إنتاج كهرباء الطاقة الشمسية بسعة (1000) ميغاواط في محافظة البصرة في منطقة ارطاوي”.
بالإضافة لمشاريع الطاقة الشمسية في بابل وكربلاء سعة (300) ميغاواط، ومحطّة ضفاف كربلاء الثانوية التحويلية 400 KV، بسعة (1500 ميغاواط) ، كما اعتمد نظام الدورة المركبة لمحطة كربلاء الغازية بطاقة (132) ميغاواط، والمقصود بالدورة المركبة لانتاج الكهرباء وفق ويكيبيديا ” ، هي الدورة التي تتكون من محركات حرارية تعمل بالتتابع بنفس مصدر الحرارة محولةً مصدر الحرارة هذا إلى طاقة ميكانيكية، والتي تُستخدم مباشرة في توليد الكهرباء باستخدام مولدات كهربائية، ومحطة كربلاء للطاقة الشمسية الاستثمارية سعة (300) ميغاواط. ومن الخيارات الاخرى التي لجأت اليها حكومة السوداني لتعزيز انتاج الطاقة الكهربائية عقد عدة اتفاقيات مع كبريات الشركات المنتجة للطاقة الكهربائية في كل من الولايات المتحدة المانيا وروسيا والصين، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع ووفق وزارة الكهرباء، ان من بين الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الوزارة لتحسين أداء الشبكة الكهربائية استعدادا للصيف المقبل، التوجه نحو التحول الذكي للشبكة الكهربائية في (13) منطقة موزعة في بغداد والمحافظات. وأشارت إلى أن “مجلس الوزراء خول وزارة الكهرباء شراء (78) محطة، (60) منها ثانوية ثابتة و(18) متنقلة”، مبينا أن “الوزارة أطلقت أيضا حملة واسعة لتحديث وتأهيل وتحسين أداء شبكات التوزيع”. ومن الوعود التي يتم تغذية المواطن بها أيضا ما كشفت عنها الوزارة مؤخرا عن خطة ضمن الجهود المبذولة للصيف المقبل 2025 ومعالجة مشكلات التجهيز. هو المشروع الذي أطلقه رئيس الوزراء ضمن خطة الـ14 ألف ميغاواط وهي خطة حكومية جديدة لزيادة الإنتاج، كما أكد أن الحكومة الحالية نجحت برفع معدلات الإنتاج لأكثر من (30%)، عندما تسلمت الحكومة الحالية المسؤولية كان معدل الإنتاج (19500) ميغاواط، استطاعت الوزارة بسنة وثمانية أشهر أن تزيد الانتاج إلى (27400) ميغاواط.. كما تبذل الوزارة جهودا في تشجيع المواطنين باستخدام منظومة الطاقة الشمسية بتغذية منازلهم بالكهرباء، وبالرغم من هذا الكم الهائل من المشاريع النافذة التي لازالت في طور التنفيذ، فالبلد لازال يستورد الطاقة الكهربائية بواسطة (9) خطوط نقل، (4) منها من ايران و(3) من كردستان وخط واحد من كل من تركيا والأردن بقدرة كلية تصل الى 1.05 GW بتكلفة متغيرة ..حسب المصدر من (12)سنتا للوحدة الواحدة حتى (30) سنتا”. وبيّن، أن “العراق يستورد الكهرباء بتكلفة كلية تصل إلى(300) مليون دولار سنويا، وضمن المعطيات الحالية يحتاج البلد إلى زيادة إنتاج الكهرباء بنحو (33) في المئة للإيفاء باحتياجات سكانه. التنموية والتطويرية ووفق المعطيات الرسمية أن “حاجة البلد من الكهرباء تصل إلى (42) ألف ميغاواط، فيما يصل الانتاج إلى (27) ألف ميغاواط، حيث يحتاج سنوياً إلى زيادة بأكثر من (2000) ميغاواط” لمجارات زيادة السكن والحركة العمرانية. ومن هنا يبرز تساؤل وهو لب موضوعنا هذا ،بالرغم من الانجازات التي نسمع بها كل يوم والاموال التي تصرف والمشاريع التي تنجز لإنتاج الكهرباء، إلا ان المواطن لا يزال يعاني من نقص شديد في تجهيزه بالكهرباء وهو يتمثل بساعتين تجهيز وساعتين قطع وساعتين التجهيز في بعض الاحيان تتحول إلى ساعه واحدة بكثر حالات القطع، ومن باب الصدفة “وانا اعد هذا الموضوع جاءت الكهرباء ضمن الجدول المعتاد لتنقطع بعد ربع ساعة لمدة (45) دقيقة، اذ يفترض وجود زيادة في التجهيز مع انخفاض درجات الحرارة وهذا لم يحدث” ، هذا البرنامج اعتاد عليه المواطن منذ عام الاحتلال الامريكي 2003 للعراق، و لم يلتمس وبشكل ايجابي الوفرة في الإنتاج التي يتغنى بها المسؤولون الحكوميين يوميا. أو في كل مناسبة. ولازال يدفع عشرون الف دينار لكل أمبير ثمن الكهرباء المجهز من المولدة الاهلية.. إلا يفترض ان يشعر بزيادة الانتاج وينعكس ذلك بالإيجابية على حياته، وعلى نشاطه اليومي بعد اكثر من عقدين من الزمن ، وهناك من يجادل بالقول ان الزيادة في إنتاج الكهرباء تذهب لصالح المجمعات السكنية الحديثة، وإذا ما سلمنا بصحة هذه الفرضية، ومادام حركة بناء موجودة الزيادة في السكان قائمة فلا امل للمواطن في ان يسد اكتفائه من هذه الخدمة، فهما يسيران في خطين متوازيين، وهنا ينكشف الوهن والقصور في التخطيط الاستراتيجي .المواطن ،اصبح فاقد الثقة والامل، ،في سد اكتفائها الذاتي من هذه الخدمة الأساسية والضرورية كحاجة إنسانية و رافد تنموي أساسي وفي تطور وازدهار البلد وفي استقلاليته قراره السيادي، بضوء كثرة التصريحات التي يصبح ويمسي عليها المواطن عن تحسن الانتاج، وفي تحقيق اكتفائها الذاتي دون جدوى، فهو ينتظر في المجهول بقادم الايام كما انتظره في العشرين سنة الماضية ، وهنا نعود للعنوان، “الكهرباء الوطنية ومسرحية الكاتب الايرلنديSamuel Beckett وعنوانها Waiting for Godot،” 1906-1989والتي جرى كتابتها في نسختها الفرنسية نهاية الأربعينيات من القرن الماضي ونسختها الانكليزية في عام 1952 ضمن إطار مسرح العبثAbsurd Theater، تدور أحداث المسرحية حول رجلين يدعيان «فلاديمير» «واستراغون» ينتظران شخصًا يدعى «غودو» لا يصل أبداً.
الحلقة المفقودة واللغز المحير يكمن في عدم مجيء “غودو”الكهرباء في السنوات القليلة القادمة، يتضح بتسييس هذا الملف والفساد المستشري في طياته، متى ماتم تجاوز هاتين العقبتين عجل بمجيء “غودو”واصبح الحلم بدخول صيف عام 2025 بمنظومة كهرباء مستقرة وبات واقعا ملموسا. ونامل ان لا يطول ذلك كثيراً.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
إخلاء مسؤولية إن موقع مصر النهاردة يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق