بن عمر: رئيس تونس يجهض الديمقراطية ويخرب علاقات المنطقة المغاربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال سمير بن عمر، المحامي والوزير التونسي الأسبق رئيس الهيئة السياسية لحزب “المؤتمر من أجل الجمهورية”، إن نسبة الأصوات التي أُعلن أن الرئيس قيس سعيد حصل عليها في الرئاسيات الأخيرة لا يمكن أن يحصل عليها أي رئيس في أي نظام ديمقراطي.

واعتبر بن عمر أن الرئيس التونسي الحالي تحالف مع المنظومة القديمة ومع الدولة العميقة من أجل إجهاض التجربة الديمقراطية في البلاد، داعيًا في الوقت ذاته المعارضة إلى توحيد صفوفها لمواجهة “تغوّل” السلطة.

وأكد رئيس الهيئة السياسية لحزب “المؤتمر من أجل الجمهورية”، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن السياسة الخارجية التونسية في عهد قيس سعيد حادت عن المبادئ الأساسية للدبلوماسية التونسية، معبرًا عن رفضه لسياسة المحاور في المنطقة المغاربية، وأمله في أن تتدارك بلاده الأخطاء والأضرار التي ألحقتها سياسات سعيد بالعلاقات مع دول الجوار، على رأسها المغرب، داعيًا إلى إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار التونسي.

نص الحوار:

بداية، ما هو تعليقكم على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حسمها قيس سعيد بأكثر من 90 في المائة من أصوات الناخبين؟

هذه النتائج المعلنة تعكس في الحقيقة تردي الوضع السياسي في البلاد والأزمة والعزلة التي تعيشها السلطة على المستوى الشعبي. فهذه ليست المحطة الانتخابية الأولى التي تشهدها تونس منذ انقلاب 25 يوليوز 2021 (يقصد إقدام قيس سعيد على إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان)، وجميع هذه المحطات شهدت عزوفًا شعبيًا كبيرًا عن المشاركة.

وهذه النتائج هي نتاج حتمي لسياسة قيس سعيد القائمة على إقصاء أغلب الأطراف من العملية السياسية والاستفراد بالمشهد السياسي. كما أن نسبة الأصوات التي أُعلن أن سعيد تحصل عليها تعكس طبيعة النظام السياسي في تونس، على اعتبار أن هذا الرقم لا يمكن أن يحصل عليه أي رئيس في أي نظام ديمقراطي. هذا الرقم يخص فقط الأنظمة الاستبدادية التي يحصل فيها الزعيم الأوحد على مثل هذه الأرقام الفلكية، كما هو الحال في تونس حيث زُج بزعماء المعارضة في السجن وتم احتكار وسائل الإعلام من طرف السلطة التي لا تسمح بالتعددية السياسية في البلاد.

يجمع جميع المراقبين على أن تونس تعيش على وقع أزمات متتالية وتعيش أسوأ مراحلها التاريخية. هل سياسات قيس سعيد وحدها المسؤولة عما وصلت إليه الدولة التونسية، أم أن هناك عوامل أخرى؟

الأزمة التي تعيشها تونس اليوم تتحمل مسؤوليتها السلطة القائمة، وليس هناك أي طرف آخر يتحمل هذه المسؤولية؛ على الرغم من أن هذه السلطة تتهرب منها وتلقي باللوم على المعارضة الموجودة في السجن، وهذا أمر مضحك.

رئيس الجمهورية يعتبر أن المعارضة هي المسؤولة عن أزمة مواد التموين والأزمة الاقتصادية ومسؤولة عن كل شيء؛ إلا أن الصحيح أن هذه الأزمات ناتجة عن المقاربة الشعبوية للرئيس واستفراده بالرأي والقرار وعدم وجود مقاربة تشاركية مع باقي الأطراف السياسية. وعليه، فإن الأزمة تتعمق من يوم إلى آخر أمام تعنت السلطة التي ترفض الاعتراف بالفشل.

لكن هناك من يعتبر أن قيس سعيد ليس سوى واجهة لما يسمى الدولة العميقة في تونس؟

أعتقد أن الدولة العميقة، بما تمثله من منظومة، تتحكم في البلاد منذ أكثر من 70 سنة. واليوم، هي تحكم قبضتها على مختلف دواليب الدولة، إلى حد عودة كل الأمراض التي كانت تعانيها تونس قبل الثورة؛ بما في ذلك التسلط والاستبداد والقمع واحتكار السلطات وغير ذلك من المظاهر السلبية التي اعتقدنا أنها أصبحت من الماضي. لكن شبح الماضي عاد لتصبح معه الدولة العميقة أكثر شراسة في مواجهة الشعب التونسي والتصدي لتطلعاته من أجل الحرية والكرامة.

من يمثل هذه الدولة العميقة؟ هل الجيش مثلًا؟

المقصود هو اللوبيات الفاعلة والمتحكمة في مختلف دواليب الدولة، سواء في الإعلام أو في الإدارة أو حتى في الشارع، من خلال شبكات منظمة وقع تكوينها طيلة السبعين سنة الماضية لتقوم بأدوار معينة.

ما هو السر في تحول قيس سعيد من رجل راهن عليه الشعب التونسي لاستكمال المسار الديمقراطي إلى “ديكتاتور تونس الجديد”، كما يحلو للكثيرين وصفه؟

قيس سعيد تحالف مع المنظومة القديمة ومع الدولة العميقة من أجل وضع حد للمسار الديمقراطي والانقلاب على الدستور والاستفراد بكل السلطات داخل الدولة؛ وهذا واضح للعيان. وبفضل هذا التحالف ودعم بعض القوى الخارجية أيضًا، نجح في إجهاض التجربة الديمقراطية في تونس وإجهاض أحلام الشعب الذي يتطلع إلى عودة الحياة الدستورية والديمقراطية وتحقيق انفراج سياسي في البلاد.

ولكن ألا ترون أن “تغوّل” قيس سعيد راجع بالأساس إلى ضعف المعارضة وانقسامها وانشغالها بصراعات جانبية على حساب تطلعات الشعب التونسي؟

من المؤكد أن قيس سعيد استغل انقسام المعارضة الديمقراطية وتشتتها وحرب الزعامات داخلها، مما ساهم في إضعافها. وأكبر مظهر لهذا التشتت هو الانتخابات الأخيرة التي دخلتها المعارضة بدون رؤية واضحة في التعاطي مع هذه الانتخابات، سواء بالمشاركة أو بالمقاطعة.

وأقول هنا إنه لا بد للمعارضة أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي، وأن تنظر إلى مصلحة البلاد قبل مصلحة الزعامات أو الأحزاب؛ لأن الأزمة في البلاد تتعمق يومًا بعد يوم، وستتعمق أكثر بعد هذه الانتخابات. ولا بد من توحيد الصفوف لإيجاد توازن سياسي يكبح تغوّل السلطة ويسمح بالحفاظ على المكاسب التي تحققت بعد الثورة.

خارجيا، ما هو تقييمكم للسياسة الخارجية لقيس سعيد، خاصة مع دول الجوار.. وأخص بالذكر هنا المغرب، الذي تشهد علاقاته مع تونس فتورًا منذ مدة؟

السياسة الخارجية للرئيس حادت عن المبادئ التي سارت عليها الدبلوماسية التونسية منذ الاستقلال، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع دول الجوار. فاليوم علاقاتنا متوترة، سواء مع المغرب أو مع القطر الليبي الشقيق. وقيس سعيد، بسبب سياساته الخارجية، افتعل أزمة مع كل إفريقيا بسبب تصريحاته التي استهدف فيها الأفارقة الموجودين في تونس، أو بسبب مختلف السياسات التي جعلت سعيد يعيش على وقع عزلة سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي. ولا أدل على ذلك من أن عدد الرؤساء الذين هنأوه بمناسبة إعادة انتخابه يكاد يُعد على رؤوس الأصابع. هذا الوضع أضر كثيرًا بسمعة تونس ومصالحها على المديين القريب والبعيد.

كيف ترون مستقبل العلاقات المغربية التونسية في ظل حكم الرئيس الحالي؟

نأمل أن تقوم تونس في المستقبل بتدارك الأخطاء والأضرار التي ألحقتها سياسات قيس سعيد بعلاقاتنا الخارجية، خاصة مع دول الفضاء المغاربي؛ فمستقبل تونس ومصالحها الاستراتيجية تكمن في تقوية العلاقات مع كل الدول العربية، وخاصة دول المغرب العربي. كما نرفض سياسة المحاور داخل الوطن العربي أو داخل المنطقة المغاربية، ونريد علاقات قوية وأخوية مع كل الدول، خاصة دول الجوار.

(مقاطعا) هل تقصدون بسياسة المحاور اصطفاف قيس سعيد إلى جانب الجزائر على حساب المغرب فيما يتعلق بملف الصحراء؟

نحن وأغلب التونسيين ضد الانخراط في أي محور، ونريد علاقات قوية مع كل دول الجوار المغاربية، سواء مع المغرب أو الجزائر أو ليبيا أو موريتانيا. فهذه الدول تمثل العمق الاستراتيجي لتونس. ومن مصلحتنا تمتين العلاقات معها، وليس تخريب هذه العلاقات وتخريب اتحاد المغرب العربي؛ لأن ذلك لا يخدم إلا بعض الجهات المعادية لتطلعات الشعوب المغاربية.

وأؤكد، هنا، أن الوقوف على الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف هو شرط أساسي للقيام بدور إيجابي من أجل حل هذا المشكل الذي طال أكثر من اللازم ويشكل عقبة أمام الوحدة المغاربية. وبالتالي، فإن غياب هذا الحياد لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تخريب العلاقات المغاربية. ونعتبر أنه من مصلحة تونس أن تعود إلى سياساتها المتوازنة في التعامل مع كل الدول المغاربية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق