الإرث البيروقراطي.. عائق أمام السياسة الخارجية الأمريكية

رؤية الاخبارية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
1

على مدى العقود الماضية، تغير العالم بشكل كبير، لكن السياسة الخارجية الأمريكية ظلت متماسكة إلى حد كبير، ورغم ذلك يواجه القادة الأمريكيون صعوبات مستمرة في تعديل هذا النهج لمواكبة التحولات العالمية.

ورغم محاولات العديد من الرؤساء لتغيير السياسة الخارجية، فقد كانت النتائج محدودة. هذه الصعوبات تعود في جزء كبير منها إلى النظام السياسي والمؤسسي المعقد الذي يتسم بالجمود والمقاومة الشديدة للتغيير. من هنا، يتوجب على الرئيس القادم أن يواجه هذا الواقع ويجد سبلًا لتجاوز هذه العقبات.

البيروقراطية المتجذرة

السياسة الخارجية الأمريكية لا تُحدد فقط من الرؤساء، بل تتأثر بشكل كبير بالمؤسسات البيروقراطية مثل وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، والوكالات الاستخباراتية. هذه المؤسسات، التي ترسخت قوتها خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، غالبًا ما تقاوم أي تغييرات كبرى تُهدد مهامها أو مصالحها.

وعلى الرغم من أن هذه المؤسسات ساعدت في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية العالمية، إلا أنها في الوقت ذاته شكلت حاجزًا أمام التغيير الجوهري في السياسة الخارجية. وفق ما نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية اليوم الاثنين 14 أكتوبر 2024.

الحرب في أفغانستان

يعتبر التدخل الأمريكي في أفغانستان مثالًا صارخًا على جمود السياسة الخارجية. استمرت الحرب لعقدين، بالرغم من وضوح فشل الاستراتيجية الأمريكية هناك. حاول كل من أوباما وترامب إنهاء النزاع وسحب القوات، لكنهما واجها معارضة من داخل المؤسسة العسكرية والبنية السياسية.

وجاءت إدارة بايدن في النهاية لسحب القوات في 2021، لكن الانسحاب لم يمر دون فوضى وانتقادات واسعة. هذه الحادثة أظهرت مرة أخرى مدى تعقيد وجمود النظام الذي يواجهه أي رئيس يحاول إحداث تغيير كبير في السياسة الخارجية.

تحديات التغيير

على الرغم من الفوارق الأيديولوجية بين الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، إلا أنهما واجها تحديات متشابهة عند محاولة تغيير السياسة الخارجية الأمريكية.

ترامب حاول تقليص الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط، وسعى لنقل الاهتمام نحو آسيا. لكنه واجه معارضة من المؤسسة العسكرية والجمهوريين في الكونجرس. على سبيل المثال، خططه لسحب القوات الأمريكية من سوريا تعطلت بسبب رفض القادة العسكريين وداعميه السياسيين.

تحديات أمام بايدن

أما بايدن، فقد واجه تحديات مماثلة. على الرغم من محاولته تقليص التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط والتركيز على القضايا الداخلية والدبلوماسية في آسيا، فقد انتهى به الأمر بتوسيع الالتزامات الأمريكية، خاصة بعد تصاعد التوترات في المنطقة، بما في ذلك إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط عقب هجوم حماس على إسرائيل في 2023.

هذه التحركات تعكس حجم التحديات التي تواجه الرؤساء عندما يحاولون تعديل مسار السياسة الخارجية وسط مقاومة داخلية قوية.

التحديات الدولية

إلى جانب المقاومة البيروقراطية الداخلية، يواجه الرئيس القادم ضغوطًا دولية متزايدة. الصعود المستمر للصين، وعودة روسيا كقوة عسكرية، والتوترات في الشرق الأوسط وأوروبا تفرض على الولايات المتحدة تحديات تتطلب استراتيجية متجددة.

ومع ذلك، فإن النظام الحالي يميل إلى الحفاظ على الوضع القائم، وهو ما يزيد من صعوبة تحقيق تغييرات استراتيجية فعالة.

دور الصين والتحالفات المتغيرة

الدور المتزايد للصين في الساحة العالمية، خصوصًا في آسيا وإفريقيا، يمثل تهديدًا كبيرًا للهيمنة الأمريكية التقليدية.

بالإضافة إلى ذلك، تتسبب التحالفات المتغيرة والنزاعات الجديدة في تفاقم الوضع، مما يتطلب من الرئيس الأمريكي المقبل إعادة التفكير في استراتيجيات طويلة الأجل تضمن مصالح الولايات المتحدة في هذا العالم المتغير.

كيفية التغلب على الجمود

لتجاوز الجمود الذي يسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية، سيكون على الرئيس القادم أن يتبنى نهجًا استباقيًا. القيادة الرئاسية الحازمة ستكون ضرورية لإقناع المؤسسات البيروقراطية والجمهور الأمريكي بضرورة التغيير. سيحتاج الرئيس إلى إظهار قدرة على تحويل الأزمات إلى فرص لتنفيذ استراتيجيات جديدة.

إن الإقناع والتواصل الفعال سيكونان مفتاحين أساسين. الرئيس القادم بحاجة إلى تحشيد الدعم السياسي والإعلامي، بالإضافة إلى تقديم حجج قوية توضح كيف يمكن للتغيير أن يخدم المصلحة الوطنية بشكل أفضل. قد تكون الأزمات العالمية، مثل النزاعات الإقليمية أو التحديات الاقتصادية العالمية، فرصة للرئيس القادم لفرض أجندته الخارجية.

آمال وتحديات المستقبل

السياسة الخارجية الأمريكية تواجه تحديات كبرى، بعضها داخلي يتمثل في الجمود البيروقراطي، وبعضها خارجي يتمثل في صعود قوى جديدة على الساحة الدولية.

الرئيس القادم سيحتاج إلى رؤية شاملة وشجاعة للتغلب على هذه التحديات، وسيكون عليه أن يوازن بين المصالح الأمريكية التقليدية ومتطلبات العالم الجديد.

إذا تمكن الرئيس القادم من التغلب على هذه التحديات وتوجيه السياسة الخارجية نحو مسار أكثر استدامة ومرونة، فإنه سيحقق تغييرات مهمة تعيد الولايات المتحدة إلى موقع الريادة العالمية بشكل أكثر فعالية. ومع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كان النظام السياسي الأمريكي، بمؤسساته العميقة وجذوره البيروقراطية، مستعدًا لقبول هذه التغييرات.

 

اقرأ أيضًا

إخلاء مسؤولية إن موقع مصر النهاردة يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق