الضربة الإيرانية الأخيرة تضع الاحتلال أمام مأزق الردع والانكشاف

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الضربة الإيرانية الأخيرة تضع الاحتلال أمام مأزق الردع والانكشاف, اليوم الخميس 19 يونيو 2025 12:50 مساءً

في تصعيد نوعي لردّها على العدوان الإسرائيلي المتواصل، استخدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية صواريخ مطوّرة تمتاز بقدرات تدميرية عالية وتقنيات تكنولوجية متقدّمة، في إطار ضربات دقيقة طالت مواقع استراتيجية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويشكّل هذا التطوّر في طبيعة السلاح المستخدم تحولًا لافتًا في معادلات المواجهة، حيث أكدت طهران أن منظوماتها الصاروخية باتت قادرة على تجاوز الدفاعات الجوية المعادية وإصابة أهدافها بدقة عالية، ما يضع الكيان الصهيوني أمام تحديات عسكرية غير مسبوقة.

ولا يمكن احتواء أي تداعيات ناتجة عن حدث من هذا النوع. فحتى داخل كيان الاحتلال، يُوصَف هذا الاستهداف بأنه من أكبر الضربات ضمن الموجة الحالية، إذ يعيد إلى الأذهان العمليات التي وقعت في نيسان وأيلول من العام الماضي.

وفي هذا السياق، ما جرى يعكس، من وجهة النظر الإيرانية، حجم الأوراق والقدرات التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية، والتي لم يكن جيش الاحتلال يضعها في حساباته. فقد ظلّ الاحتلال خلال اليومين الماضيين يروّج أن استهدافاته لمناطق خارج إيران، وصولًا إلى العاصمة طهران، قد خفّفت الضغط الصاروخي وأبعدت الخطر عن حدوده، مستندًا في ذلك إلى تصريحات مسؤوليه الذين زعموا توجيه ضربة قوية لقدرات إيران الصاروخية، وإلى إجراءات الجبهة الداخلية التي بدأت، منذ صباح اليوم، بتخفيف تدابيرها.

وأعلن حرس الثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اليوم الخميس، تنفيذ ضربة دقيقة استهدفت مركز القيادة والمعلومات التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الواقع قرب مستشفى سوروكا العسكري في مدينة تل أبيب.

وأكد البيان أن العملية نُفّذت بشكل نقطوي وبدرجة عالية من الدقة، مشيرًا إلى أن قدرات القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية في مجالي الاستخبارات والتوجيه الصاروخي باتت واضحة وجليّة أمام أعين العالم.

هذه الضربة الإيرانية الأخيرة، بهذا الزخم والكثافة، أعادت طرح أسئلة كبرى، منها: ماذا أنجز جيش الاحتلال فعليًّا؟ وأين ذهبت ادعاءاته المتكررة بالسيطرة الجوية الكاملة وتدمير منصات الإطلاق؟ وكيف تمكّنت طهران من تنفيذ هذا الهجوم المتزامن بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وبهذا الحجم والدقة نحو شمال فلسطين المحتلة؟

بناءً على ما سبق، تُظهر هذه التساؤلات أزمة حقيقية في قدرة الاحتلال على التعامل مع هذا التحدي. فقد كان يعوّل، ومعه حلفاؤه، على تراجع الزخم الإيراني واستعادة الحياة المدنية في الكيان وكأن شيئًا لم يحدث. غير أن ما جرى أكّد أن الكيان الصهيوني، من شماله إلى جنوبه، مرورًا بوسطه، سيبقى عرضة لصواريخ دقيقة ومدمّرة، طالما استمرّ العدوان على الجمهورية الإسلامية.

كذلك، تؤكد هذه التطورات أن إيران، بجيشها وحرسها الثوري، تملك من القدرات ما يؤهلها لإدارة حرب استنزاف طويلة وموجعة. وهي حرب ستترك آثارًا عميقة على الداخل الصهيوني، وعلى ثقة المستوطنين بجيشهم وقيادتهم، الذين يواصلون الترويج لإنجازات لا أثر لها على الأرض.

ومن جهة أخرى، فإن الواقع يكشف أن جيش الاحتلال، رغم امتلاكه واحدة من أكثر منظومات الدفاع الجوي تطورًا في العالم، لم ينجح في التنبؤ بما حصل، ولا في صدّ الضربات التي اخترقت العمق الفلسطيني المحتل.

وتكمن أزمة الاحتلال كذلك في أن كل تصعيد يُقابله تصعيد مضاد. فكما أشار المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال، آفي بنياهو، فإن الإيرانيين يمتلكون الكفاءة الكاملة لاختيار الأهداف الحساسة والمؤلمة، ما يعني أن أي اندفاعة صهيونية نحو موجة أكبر من التصعيد ستفتح الباب أمام ردود أكثر دمارًا من الجانب الإيراني. وبالتالي، فإن هذه الحقيقة باتت تحكم طبيعة المواجهة القائمة.

وعليه، فقد تهاوت كل الأوهام التي روّج لها الاحتلال مؤخرًا بشأن تحجيم القوة الإيرانية. وسقطت معها مزاعمه بتدمير المنشآت والمنصات الصاروخية. ومع كل هذا الفشل، تبقى الأنظار متجهة نحو الموقف الأميركي.

أما على صعيد الموقف الأميركي، فقد تنعكس هذه التطورات بشكل مباشر أو غير مباشر على الإدارة الأميركية. إذ بات واضحًا أن الاحتلال أخفق في تحقيق مكاسب استراتيجية، بينما تُظهر إيران استعدادًا طويل النفس، وقدرة على توجيه الضربات الدقيقة والمؤثرة، وإعادة فرض معادلة ردع جديدة.

ولعل المشاهد التي بُثّت خلال الأيام الماضية أظهرت أن إيران قادرة على استهداف منشآت حساسة واستراتيجية، وأن جهود الاحتلال لردعها لم تُجدِ نفعًا حتى الآن.

وهنا يُطرح السؤال: كيف ستتعامل واشنطن مع هذه التطورات؟ وهل ستتخلى عن الكيان في لحظة مفصلية؟ خصوصًا أن الاحتلال بات عاجزًا عن كسر القدرات الإيرانية، فيما تُظهر طهران أنها ماضية في حرب استنزاف قد تُفشل الأهداف السياسية والعسكرية المعلنة لهذه الحرب.

وفي وقت تتصاعد فيه الدعوات داخل الكيان لطلب تدخل أميركي مباشر، تظهر في المقابل شكوك عميقة تجاه مدى استعداد واشنطن لتحمّل كلفة الانخراط في حرب طويلة ومكلفة، خاصة في ظل تحذيرات داخل الإدارة الأميركية من أن التصعيد مع إيران قد يجرّ المنطقة إلى مواجهات شاملة لا ترغب بها الولايات المتحدة.

وبناءً عليه، يبدو المشهد، من زاوية الاحتلال، غاية في التعقيد، إذ إن وتيرة إطلاق الصواريخ الإيرانية بدقة عالية، وقدرتها على اختراق منظومات الدفاع الجوي، تزيد من تعقيد الموقف وخطورته.

وفي هذا الإطار، فإن الاحتلال ارتكب منذ البداية خطأ تقديريًا فادحًا، حين اعتقد أن استهداف القادة العسكريين في الحرس الثوري والجيش الإيراني، إلى جانب ضرب منشآت نفطية وصاروخية، سيدخل إيران في حالة من الشلل. بل إنه لجأ إلى تحريك خلايا داخلية لضرب العمق الإيراني.

لكن ما حدث كان العكس تمامًا، إذ تماسكت إيران، وأعادت تنظيم قدراتها، وانتقلت إلى مرحلة العقاب المباشر للعدو الصهيوني.

وكان من المفترض أن يُشكّل هذا درسًا واضحًا للاحتلال، بأن القوة لا تنتج دائمًا هيبة، وأن الإمعان في استخدامها يؤدي إلى نتائج عكسية. إلا أن الغرور الذي سيطر على عقل المؤسسة السياسية والعسكرية في الكيان — بعدما صمت العالم عن مجازرهم في غزة طيلة عام وثمانية أشهر — منحهم شعورًا زائفًا بالحصانة، وكأنهم خارج القانون الدولي.

وفي ضوء ذلك، جاءت الضربة الأخيرة لتعيد بعض الواقع إلى حسابات الاحتلال، لكنها على الأرجح لن تغيّر كثيرًا في سلوك قيادة استحوذت عليها الغطرسة والإنكار.

كما أن الذهاب نحو استهداف منشآت داخل إيران سيُقابل حتمًا باستهداف مماثل، وقد أثبتت طهران قدرتها على تعطيل منشآت استراتيجية في حيفا، وإحداث شلل في البنى التحتية للطاقة والكهرباء، ما يزال قائمًا حتى اللحظة.

لذا، فإن التهديد الصهيوني باستهداف منشآت الطاقة الإيرانية، من الطبيعي أن يُقابل برد مماثل يطال منشآت طاقة بحرية أو برية داخل الكيان.

وقد أثبتت إيران، مرة تلو الأخرى، أنها تمتلك الدقة التكنولوجية والقدرة على إصابة أهدافها وتدميرها بشكل مباشر. ومع ذلك، لا يبدو أن قادة الاحتلال قد استوعبوا هذه الحقيقة بعد.

وبالتالي، فإنهم بحاجة إلى المزيد من التجارب القاسية ليدركوا أنهم انزلقوا إلى ممر بالغ الخطورة، وأنهم خاضوا مغامرة غير محسوبة، بُنيت على حسابات خاطئة وظنون متغطرسة.

فالغرور الذي يُسيطر على عقولهم يدفعهم إلى تكرار الأخطاء، الأمر الذي سيجعل ثمن هذه الأخطاء باهظًا، وسيدفعه المستوطنون قبل أن يدفعه القادة أنفسهم.

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق