الباحث محمد فوزي: دمشق قد تتحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين.. ومستحيل انعكاس المشهد السوري على الداخل المصري (حوار)

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

محمد فوزي الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات:

- بنية الأزمات المتراكمة أدت إلى السقوط الدراماتيكي لنظام بشار الأسد

- تراجع الدعم الروسي والإيراني السبب الرئيسي لانهيار نظام الأسد

- بشار الأسد أهدر فرص بناء مسار سياسي جاد لإنقاذ سوريا

- تركيا المهندس الرئيسي للتحولات الأخيرة في سوريا

- اجتماع الدوحة المسمار الأخير في نعش نظام الأسد

- الفصائل المسلحة لم تقترب من الوجود الروسي في سوريا بعد سقوط الأسد

- فكرة استنساخ النموذج السوري في ليبيا أو الصومال مستبعدة للغاية

- النفوذ الإيراني في سوريا انتهى مع سقوط نظام الأسد

شهدت سوريا تحولًا دراماتيكيًا غير مسبوق في 8 ديسمبر الجاري، مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود التنظيمات المسلحة إلى سدة الحكم، في مشهد أثار ارتباكًا واسعًا في الشرق الأوسط. 

تطورات سريعة ومباغتة أعادت تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة، وسط انسحاب داعمي الأسد الرئيسيين، وهما دولتي روسيا وإيران، وتغير موازين القوى بشكل غير متوقع.

الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات محمد فوزي، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية والشرق الأوسط، يكشف في حوار مع “الرئيس نيوز” عن أسباب سقوط النظام السوري، وتداعياته على المشهد الإقليمي، ومستقبل العلاقات بين سوريا والعالم في ظل حكم التنظيمات الجهادية. إلى نص الحوار..

بداية.. كيف تفسر السقوط الدراماتيكي لنظام بشار الأسد رغم أن المعطيات كانت تتجه إلى استقرار الوضع بالنسبة له؟

حقيقة الوضع كان أميل للهدوء النسبي في سوريا، ولكن بنية الأزمات التي كانت تعاني منها الدولة السورية على مدار 15 عاما، كانت موجودة، ولكن تم تسكين هذه الأزمات بشكل نسبي وليس معالجة حقيقية، وهذا يعد أحد الأسباب الرئيسية للسقوط الدراماتيكي لنظام بشار الأسد، وبالطبع لا يمكن تجاهل أن السقوط جاء لعدة عوامل متراكمة ورئيسية أخرى، منها مثلا أن كل من دعموا نظام بشار الأسد وكانوا رفاقا له تخلوا عنه فجأة، ومنهم روسيا "على وقع حربها وأزماتها في ميدان أوكرانيا"، حتى أنها وجهت في وقت سابق انتقادات مباشرة للجيش السوري في عملية ردع العدوان، وأيضا إيران الشيء نفسه تخلت عن بشار، وبالتبعية حزب الله الذي يعيش حالة غير مسبوقة بسبب حربه مع إسرائيل، وبالتالي الثلاث عناصر الفاعلة والداعمة لبشار كانوا بشكل رئيسي هم السبب في صموده خلال كل هذه الفترة، وعندما تراجع دعمهم كان المشهد الذي وصلنا إليه حاليا في سوريا.

أيضا هناك سبب أخر يرجع لبشار الأسد نفسه، والذي لم يتمكن خلال كل هذه السنوات من تحديث الترسانة العسكرية للجيش السوري، وعدم عمله على تعزيز القدرات العسكرية للجيش، إما بسبب العقوبات المفروضة أو بسبب الوضع الاقتصادي، وإما بسبب الاعتماد على دعم من كانوا متحالفين معه، وعدم بنائه جيش سوري قوي قادر على المواجهة في أي وقت، فلم يكن هناك جيش سوري وطني قوي. 

هل هذه الأسباب فقط هي التي ساهمت في سقوط بشار المفاجئ؟

بالطبع، كما أن التقدم السريع والمباغت الذي حدث في إدلب ثم حماة وحلب، وصولا إلى دمشق، كان سريعا للغاية ومباغت وأدي لانهيار المعنويات الخاصة بالجنود في الجيش السوري، ولا يمكن إنكار أن هناك سبب رئيسي مهم جدا، وهو إهدار كل الفرص المتاحة لبشار الأسد في بناء مسار سياسي جاد للوصول بسوريا إلى بر الأمان، من خلال إعادة تقديم النظام بشكل جديد.

وكيف جاء هذا التحول السريع.. حتى أن أردوغان على سبيل المثال كان يسعى للمصالحة مع بشار فما التحول الذي حدث؟

فيما يتعلق بالدور التركي، بالطبع كان هناك رغبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ولكن هذا المسار كان بطئ جدا وواجه مجموعة من التحديات، بسبب الاشتراطات السورية، وخصوصا فيما يتعلق بتفكيك الجماعات المسلحة في مواجهة تركيا، وفيما يتعلق بالمطالبة بالانسحاب العسكري التركي من بلاطة الشمال السوري، وبالتالي مع هذه الاشتراطات التي مثلت صعوبة على تركيا خاصة في ظل وجود النظام الروسي، وأنقرة لم تكن تقبل بأي حال من الأحوال بهذه الاشتراطات رغم منطقيتها لصالح الدولة السورية، وبناء عليه بدأت في إعادة هندسة المشهد، وفي تقديري تعد تركيا هي المهندس الرئيسي والفاعل الأساسي في المتغيرات التي شهدتها الساحة السورية، وهي الطرف الأكثر استفادة من هذه التغيرات.

لكن لماذا تأخر الدعم الروسي لبشار الأسد؟ وكيف يمكن توقع مصير القواعد الروسية في سوريا؟

بالنسبة للموقف الروسي، روسيا لم تقدم أي دعم يذكر إلى قوات الجيش السوري، وهذا مرتبط بعاملين رئيسيين، الأول هو حالة الاستنزاف الكبيرة التي تعيشها موسكو في الجبهة الأوكرانية، وهذا دفع على مدار ثلاث سنوات لسحب العديد من وحداتها العسكرية وتقليص وجودها العسكري في سوريا لتركيز الجهد الحربي في أوكرانيا، أما العامل الثاني فمرتبط بمسار "أستانا" واستئنافه في اجتماع الدوحة الذي حدث قبل الإطاحة ببشار الأسد بيومين فقط، وهو الاجتماع الذي جمع بين تركيا وروسيا وإيران واستضافته قطر، وهذا الاجتماع كان المسمار الأخير في نعش نظام بشار الأسد.

ومن جهة تحليلية وليست معلومة، ربما حدثت تفهمات بين تركيا وروسيا على وجه الخصوص بخروج بشار الأسد من المشهد بضمانات خاصة للتواجد الروسي في سوريا، وخصوصا حول القواعد الموجودة في الساحل السوري، والتي تمثل منفذ مهم لموسكو على البحر المتوسط، وهذا ينصرف على النقطة الثالثة الخاصة بمستقبل التواجد العسكري، والتصريحات الخاصة بالإدارة الجديدة في سوريا من الفصائل المسلحة، فالتحرك العسكري نفسه لم يقترب من الوجود الروسي وهذا يوحي بأنه حدث تفهمت معينة تضمن خروج المشهد بهذا الشكل في ٨ ديسمبر، للحفاظ على الحد الأدني من المصالح الحيوية لروسيا والتي ستظل متواجدة لكن سيحدث فقط إعادة هيكلة للوجود الروسي في سوريا.

برأيك كيف يمكن منع سوريا من التحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين؟

الحقيقة فكرة منع سوريا من التحول ملاذا للتنظيمات الإرهابية هو الهاجس الأكبر حاليا فيما يتعلق بالحالة السورية، خاصة أن في الاعتبار خلفية التنظيمات التي سيطرت على الحكم، والعام الحالي نفسه يشهد تنامي لنشاط داعش فرع سوريا رغم الضربات التي تلقاها في السنوات الأخيرة، رغم أن التنظيم محافظ على شكل من أشكال التواجد عبر بعض الخلايا والتنظيمات الصغيرة والذئاب المفردة، خصوصا في مناطق البادية السورية والمناطق ذات الطبيعة الصحراوية، هذا الإضافة لتهديد إضافي وهو فكرة العفو العام، والتي قامت بها الإدارة الجديدة بالعفو عن جميع السجناء في السجون السورية، ومعروف أنها كانت تحوي عدد كبير من التنظيمات الإرهابية التي تنتمي لتنظيم داعش، بالإضافة لتهديد آخر وهو المرتبط بتنظيم القاعدة وتواجده بما يعرف بتنظيم حراس الدين في سوريا، وتهديدات مرتبطة بمناطق السيطرة الكردية في شمال شرق سوريا وهذه المناطق تأوي آلاف العناصر من الدواعش والإرهابيين والمسلحين، وهذا يوحي باندلاع اشتباكات بينهم وبين الإدارة الجديدة مع مرور الوقت ومع الأكراد ومع القوات الكردية والأتراك من ناحية أخرى، وربما هذا السياق يوفر فرصة لسوريا للتحول إلى ساحة للنفوذ والنشاط والتمدد بالنسبة للتنظيمات الإرهابية.

للمرة الأولى في التاريخ الحديث للمنطقة يتصدر جهادي لحكم دولة مهمة وكبيرة وموقعها الجغرافي استراتيجي مثل سوريا، ويبدو أن المجتمع الدولي يتقبله، فهل  تعتقد أن كان هناك اتفاقًا مسبقًا بين اللاعبين الإقليميين لهذا السيناريو؟

اعتقد أن فكرة الاتفاق المسبق بين بعض القوى الإقليمية لم تكن مطروحه على هذا الشكل أو تفاصيل السيناريو الذي حدث يوم ٨ ديسمبر، وقبل هذا التاريخ وقبل عملية ردع العدوان كان الحديث يدور عن تطبيع محتمل بين النظام السوري والعديد من الأطراف الإقليمية والعربية، وشاهدنا مؤشرات لإعادة تأهيل النظام السوري مرة أخرى، ولكن الواقع الميداني والعسكري هو الذي فرض نفسه على كل المعادلات الخاصة بالساحة السورية، خاصة مع الدعم التركي للفصائل المسلحة التي استولت على الحكم، وفي تفكيري لم يكن هناك تنسيق مسبق إقليمي بشأن الطريقة التي تم بها إنهاء حكم بشار الأسد، ولكن الواقع الميداني والعسكري هو من فرض نفسه وفرض وجود تيار مصنف بأنه تيار إرهابي، ووجود شخصية على رأس هذا النظام تتحكم في المشهد مدرجة على قوائم الإرهاب.

فيما يبدو أن النموذج السوري أصبح مقبولًا دوليًا.. فهل يمكن أن يكون هذا دافعًا لجماعات أخرى أو تنظيمات أخرى في المنطقة، أن تحزو الحزو نفسه في ليبيا أو الصومال مثلُا؟

فيما يتعلق بالنموذج السوري أصبح مقبول دوليا، سنشير إلى فكرة أن الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يتعاملون مع الإدارة الجديدة في سوريا ومع هيئة تحرير الشام وأبو محمد الجولاني، بمبدأ وبمقاربة خطوة بخطوة، ولذلك أعتقد أن الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة لم ترفع اسم الجولاني من قوائم الإرهاب، وأعتقد أنها أحد الأوراق التي ستستغلها الولايات المتحدة والدول الغربية لتحقيق مجموعة من المكاسب الرئيسية في سوريا وعلى رأسها توجيه الإدارة الحالية صوب التعامل مع أي عمليات إرهابية محتملة من قبل تنظيم داعش، والضغط عليها لمنع إعادة هيكلة وبناء النفوذ الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى حماية حلفاء الولايات المتحدة في سوريا وخصوصا في مناطق شمال الشرق ومناطق الأكراد.

البعض يرى أن النموذج الليبي وانقسام الدولة سيناريو مرتقب لسوريا فهل توافق على ذلك؟

 فكرة استنساخ هذا النموذج في حالات أخرى كـ ليبيا مثلا على سبيل المثال، هو أمر شديد الصعوبة ومحل نظر وتشكك كبير لأكثر من اعتبار، أولا أن الرغبة الإقليمية والدولية قد تلاقت على منع استنساخ هذا النموذج مرة أخرى، والاعتبار الثاني أن الحالة السورية لها خصوصيتها ولها حساباتها وحيثياتها الخاصة بها، والتي تجعلها مختلفة عن أي دولة أخرى من دول الأزمات بالشرق الأوسط، وبالتالي فكرة الاستنساخ أمر مستبعد حتى وإن كانت هناك بعض الأطراف الإقليمية تدفع في هذا الاتجاه، وحتى لو كانت بعض الأطراف الدولية أيضا تدفع في بشكل أو بآخر.

تتصور هل من الممكن أن يحدث انشقاقات في صفوف هيئة تحرير الشام أم أن الشرع قادر على استيعابهم؟

لا يمكن الجزم بذلك حاليا، ولكن مع تشعب وتعدد التنظيمات المسلحة والفصائل ووجود تنظيم داعش ومن خرجوا من السجون، من الممكن حدوث ذلك مع مرور الوقت.

كيف يمكن أن تتصور العلاقة بين سوريا بشكلها الجديد المتمثل في وصول التنظيمات الجهادية إلى سدة الحكم وبين مصر؟

مصر دائما تتعامل وفق أجندة وطنية وما يهمها فقط مصالحها وإذا ارتأت خيرا في النظام الجديد ستتعامل معه، وإذا لم تجد خيرا فستظل العلاقات فاترة.

نجاح المليشيات المتأسلمة في سوريا آثار شهية بعض أنصار التيار الإسلامي في مصر.. هل ترى أن ما حدث في سوريا قد ينعكس بأي شكل على الداخل المصري؟

من المستحيل أن ينعكس ذلك على الداخل المصري بأي حال من الأحوال، فالتركيبة السورية مختلفة تماما عن نظيرتها المصرية، وهذا برغم حالة التنامي والنشاط التي تشهدها الساحة للتيارات الإسلامية.

الجولاني ظهر في أحد اللقاءات الإعلامية ووصف الجماعات الإرهابية في سيناء (بالأخوة المجاهدين)، كيف يمكن التعاطي معه وهو بهذه القناعة؟

أعتقد أن هذا اللقاء قديم ولكن كما قلت، الوضع في سوريا مختلف تماما عن مصر.

كيف قرأت الصورة التي جمعت الجولاني بالقيادي السلفي المصري الهارب محمود فتحي ومستشار العلاقات الخارجية في حزب "العدالة والتنمية" ياسين أقطاي؟

كلها تفهمات ومحاولات لاستقطاب أكبر قدر من المؤيدين للنظام الجديد في سوريا، ومحاولة لكسب تعاطفهم وودهم لدعم النظام الجديد، ولا يوجد لها أي تأثير، بالعكس تأثيرها سلبي لأنها تعطي انطباعات غير جيدة عن النظام الجديد في سوريا.

كيف تتصور شكل التركيبة التي ستكون عليها المؤسسات العسكرية والأمنية في سوريا خلال الفترة المقبلة؟

في ظل الوضع الراهن، لا يمكن التنبؤ بأي شئ، ولا يمكننا توقع أي شئ، ولكن الأيام القليلة القادمة ستكشف عما يدور.

وختاما.. ماذا عن العلاقات السورية بإيران وإسرائيل؟

بالنسبة لإيران، فقط انتهى نفوذها تماما في سوريا، وبالنسبة لإسرائيل فأعتقد أن النظام الجديد لن يدخل في صدامات مع إسرائيل، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل جاهدة على حماية مصالح تل أبيب وحلفائها في المنطقة، والنظام الجديد لا يسعى للصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في هذا التوقيت.

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق