بن الشيخ: ملف الأمازيغية يتحرك .. وتنزيل "الطابع الرسمي" ورش مفتوح

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

سجّلت أمينة بن الشيخ، المكلفة بملف الأمازيغية لدى رئاسة الحكومة، “وجود تقدم في تنزيل الطابع الرسمي الأمازيغية بالمغرب بعد الجمود الذي عرفه هذا المشروع المجتمعي بفعل سياسات عمومية ومساطر قانونية منذ دستور 2011 على الأقل، تتمثل أساسا في انتظار صدوره لما يصل إلى 8 سنوات”.

وقالت بن الشيخ، ضمن الحوار التالي مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الأمازيغية مشروع مجتمعي غير مقيد بتاريخ وورش مفتوح يتجاوز القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة”، مشددة على “أهمية إحداث الصندوق الخاص بالأمازيغية رغم عدم كفاية موارده، بما يؤكد ضرورة تعزيزها مجددا سنة 2026”.

وأكدت الفاعلة الحقوقية التي جرى تعيينها في 2021 مكلّفة بملف الأمازيغية لدى رئاسة الحكومة أن “نتائج الإحصاء في جميع الحالات، في علاقتها بتحديد ورسم السياسات العمومية المستقبلية، تفرض بذل جهود مضاعفة من أجل تمتيع الأمازيغية بالعناية السياسية والحكومية التي تتطلبها، بعدما عانت من سياسات إقصائية منذ فجر الاستقلال بسيادة فلسفة اللغة الواحدة”.

تص الحوار:

في بدايات مهامك كمكلّفة بالأمازيغية لدى رئاسة الحكومة اعتبرتِ أن الأمازيغيةَ “تتحرك”. هل مازلت تتمسّكين بهذا الوصف بعد مرور 38 شهرا؟

الأمازيغية تتحرك بعد الجمود الكبير الذي عرفته، إذ جرى اتخاذ مجموعة من التدابير التي تخصّها منذ خطاب أجدير، مرورا بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وترسميها سنة 2011. لقد كان هناك تطور منذ مطلع الألفية الجديدة إلى حدود سنة 2011، ومنذ ذلك الوقت جرى توقيف هذا المسار بعدما تم اشتراط بداية تفعيل الطابع الرسمي بصدور قانون تنظيمي، بما جعل كل المرافعات وقتها تصطدم بهذا الشرط.

استمر الجمود إلى غاية 2019، إلى درجة تسجيل تراجعات عن بعض المكتسبات. وبقدومه كرئيس للحكومة وقتها قام سعد الدين العثماني بالاشتغال على المخطط المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. وبمجيء الحكومة الجديدة تم تكليفي بالإشراف على هذا الملف، بتنسيق مع القطاعات الأخرى بطبيعة الحال. لقد قمنا ببسط خارطة طريق بالاستناد إلى المخطط ذاته؛ فالأمازيغية صارت تتحرك بعد كل هذا، مع ضرورة التأكيد على المجهود الذي قام به رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.

هل تمت الاستعانة بالمخطط ذاته بأكمله؟

المخطط لم يكن مقيّدا بآجال أو أوقات محددة، بل كان مفتوحا، لكن حتى نؤطره علاقة بالقانون التنظيمي رقم 26.16 بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية كان لا بد من وضع خارطة طريق تضم الأولويات، باستحضار ما يمكن العمل عليه اليوم وما يمكن أن يتم تأجيله كذلك إلى حين إنضاج الآليات وحتى العقليات، أو حتى تتيسر القوانين؛ بمعنى أننا اشتغلنا على المخطط المذكور كمنطلق.

علاقة بهذا الأمر أؤكد أن الأمازيغية ليست رهينة بتاريخ أو وقت محدد من أجل التقيد الصارم به ورهن العمل به، والقول إننا انتهينا من العمل، بل هي مشروع مجتمعي لا حدود له وورشٌ مفتوح؛ فالمهم هو البدايات والأولويات. كما أود الإشارة إلى أن العمل على هذا المشروع يبقى متجاوِزا للقانون التنظيمي ولا يمكن إيقافه بانتهاء المدة التي يحددها هذا الأخير.

لكن مهتمين بالموضوع يشددون على أن ما تحقق إلى اليوم يبقى دون التطلعات، بالنظر إلى طول المدة التي استغرقها هذا الورش منذ 2001 على الأقل!.

ربما يمكن للمنتمين إلى الجيل الجديد أن يناصروا هذه الفكرة ما دام أنهم لم يعاصروا مرحلة كان فيها من غير العادي الحديثُ بالأمازيغية، وحتى رفع لافتات جماهيرية تتضمن حروف تيفيناغ؛ فضلا عن صعوبة الاحتفال العلني برأس السنة الأمازيغية وقتها؛ فهذا الأخير احتفال غير عادي ينهي مجموعة من السرديات التي كانت تربط الأمازيغ والمغاربة بجغرافيا معينة.

حتى سياسة الدولة تحسّنت بدخول الملك محمد السادس على الخط من خلال مبادرات تهدف إلى تحفيز الفاعلين السياسيين والفاعلين غير المنتمين سياسيا. فالملكُ كان وراء المعهد الملكي للثقافة والأمازيغية والتحكيم في إقرار حروف تيفيناغ وتوفير ميزانية للقناة الثامنة، وصولا إلى إقرار “ايض يناير” عطلة رسمية مؤدى عنها. نحن إذن أمام ثورة يقودها الملك، بعدما كانت الأمازيغية أمام حصار سياسي ونفسي.

ونحن نتحدث عن “إيض يناير” الذي نحتفل به من جديد، ما الذي يعبر عنه الاعتراف الرسمي بهذه المناسبة؟ وهل ستفتح أبوابا مغلقة في وجه الأمازيغية؟

ما يمكن التأكيد عليه أننا لم نعد نتحدث عن تقزيم تاريخ الدولة وحصره في 12 قرنا فقط، وهو ما تعززه الاكتشافات الأركيولوجية والأثرية المتواترة. غير أن هذه المسائل لم يستوعبها كثيرون بعدُ؛ فالأساسي هو أن نؤكد أن مبادرة جعل هذه المناسبة عطلة سنوية مؤدى عنها مهمة وستفتح أبوابا أخرى أمام الأمازيغية، إن لم نقل إنها قامت بذلك.

أريد التأكيد دائما على أن الدنيا مراحل، إذْ تمكّننا من انتزاع كل هذه المكتسبات، واليوم صدى الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية صار يخترق القطاعات الحكومية والمدارس والإدارات العمومية. وكل هذا يجب أن يكون متناسبا مع توعية المجتمع بقيمته ورمزيته، فهناك من يعيش إلى اليوم خارج الدستور وخارج كل هذه التطورات، ما يفرض علينا القيام بملاءمة مختلف القوانين مع الوثيقة الدستورية لسنة 2011، ما دام أن تفعيل اللغة الأمازيغية كلغة رسمية يصطدم ببعض العوائق القانونية التي مازالت تنسجم مع فلسفة اللغة الواحدة.

هل ترين أن ميزانية مليار درهم التي سبق أن وعدت الحكومة بتخصيصها لصندوق الأمازيغية سنة 2025 كافية لتطبيق أوراش ذات أثر؟

هي ليست بالكافية لإنجاز كل الأوراش بطبيعة الحال، لكنْ نؤكد أن الأمر يتعلق أساسا بصندوق يتضمن دعما لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وجاء لتشجيع القطاعات الحكومية التي يجب عليها تحمل مسؤوليتها، إذ تثير بعضها ضرورة وجود مساندة من هذا النوع؛ فمشروعُ الأمازيغية مشروع مجتمعي يحتاج إلى أكثر من هذه الميزانية، لكننا على العموم استطعنا أن نخطو بفضلها خطوات مهمة، ونأمل أن ترتفع سنة 2026، وهو الأمر الصحيح والمنتظَر. فالمبدأ في دولة تحترم نفسها هو استمرارية الأوراش والمؤسسات.

تثير كثير من الديناميات الأمازيغية مخاوفها من استحواذ أو التهام مشاريع الرقمنة ميزانية هذا الصندوق.

لا أظن ذلك. هذا الصندوق الذي يضم مليار درهم خاص بالأمازيغية حصرا، وتتم الاستعانة به كذلك في حالة وجود مشاريع لها علاقة بالرقمنة حتى لا يفوتنا الركب؛ فرئيسُ الحكومة الحالي أدرك في البداية أن تفعيل الأمازيغية يحتاج إلى موارد وميزانيات واضحة ورسمية، وأن هذا الصندوق هو الذي سيحل مشكل الميزانيات القطاعية التي كنا ننادي بها في وقت سابق. هناك مساعٍ من أجل مسايرة المدّ الرقمي الحاصل حتى تجد الأمازيغية لنفسها مكانا داخل القطاعات الحكومية.

من بين الإجراءات التي جاءت بها الحكومة الحالية مسألة تخصيص أعوان خاصين بالتواصل والتوجيه، لكن وضعيتهم العُمالية تعرف الكثير من الانتقادات، كونهم يرتبطون بعقود مع القطاع الخاص، بدلا من توظيفهم بشكل رسمي.

هؤلاء يشتغلون بعقود مع شركات المناولة، لأننا نعرف أساسا أن إمكانية التوظيف غير متاحة، وهو ما أتى بعدما رأينا الحاجة إليهم على مستوى الإدارات لمرافقة وتوجيه المواطنين الناطقين بالأمازيغية. لديهم راتب محترم ويتم التصريح بهم على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ وهذا يعني مبدئيا وضعية مريحة.

وماذا عن تسريع تمكين الناطقين بالأمازيغية من التقاضي بلغتهم الأم بمحاكم المملكة؟

المادة 14 من التنظيم القضائي تحيل على مضامين خاصة بالقانون التنظيمي رقم 26.16 بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. كما يوجد قضاة من الناطقين بهذه اللغة وتفرّعاتها، ويجب عليهم أن يبسطوا سلطتهم التقديرية أمام غير الملمّين باللسان الدارج. أما الترجمة فإنها غير عملية ونستحضرها مبدئيا عند الحديث عن لغة أجنبية لا لغة رسمية.

أشير كذلك إلى أن هناك قضاة يتواصلون مع المتقاضين باللغة التي يفهمونها. وحسب علمي فقد تم كذلك إدراجُ وحدة خاصة باللغة الأمازيغية على مستوى المعهد العالي للقضاء لفائدة المتدربين ضمنه؛ وهذا يعني أن هذا الورش يتقدم، وقد تعزز مبدئيا بمشروع المحاكم النموذجية بمناطق معينة بالمملكة.

ملف تدريس اللغة الأمازيغية هو الآخر يختبر سياسات الحكومة الحالية، فهل يسير بشكل سليم؟

يتحدث القانون التنظيمي رقم 26.16 الخاص بتفعيل رسمية الأمازيغية عن تدريس الأمازيغية في أجل 5 سنوات وتعميمها في ظرف 10 سنوات. هذا الورش شهد تطورا في ظل الولاية الحكومية الحالية، سواء من ناحية الموارد البشرية أو من جانب المناهج ومضامين المقررات الدراسية، غير أن الإشكالية على العموم تظل إشكالية منظومة.

نجد كذلك إشكالية تغيير وزراء التربية الوطنية؛ فرغم مبدأ استمرارية المرافق والمؤسسات إلا أن هناك ما يهم اللّمسة الخاصة بكل واحد منهم، بما يجعل تجويد التعليم ككل وليس الأمازيغية حصرا أمام عوائق. أود التوضيح في هذا الإطار أن الوزارة حاليا تشتغل على المنهاج الخاص بالسلك الإعدادي، بما يجعلنا نطمح للوصول إلى تعميم تدريس هذه اللغة بالسلك الابتدائي في أفق 2030، وهو ما يتضح أننا سنصل إليه بالوتيرة المعمول بها حاليا.

تصاعد النقاش مؤخرا حول نتائج العملية الإحصائية الخاصة بنسبة انتشار الأمازيغية بالمغرب؛ ماذا تعني 24,8 في المائة كنسبة المتحدثين المغاربة بها؟

أنا صراحة لم أفهم هذه النتائج، غير أنه في مختلف الحالات، سواء كانت دقيقة أم لا، فإن الدولة تجد نفسها مضطرة للتحرك والاجتهاد أكثر. فإن سلّمنا بدقة هذه النتائج فإني أظن أنها ستكون دافعا ومحرّكا للقائمين على السياسات العمومية من أجل اقتراح برامج ومشاريع لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهي كذلك بمثابة صافرة إنذار تنبه إلى ضرورة تكثيف الجهود.

أعتقد أن هذه النتائج، سواء كانت رسمية أم لا، فإنها تخدم الأمازيغية من أجل إحداث نوع من التأهّب وجعلها تخترق مختلف المشاريع، لكونها تحتاج إلى ذلك بطبيعة الحال. أما إذا كانت غير دقيقة فإننا أصلا نجد أنفسنا مستمرين في تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

ألا تسائلُ هذه النتائج السياسات العمومية الرسمية منذ فجر الاستقلال؟

هذه النتائج تسائِلنا وتوضح قيمة المنجز خلال العقود السابقة، لكن يجب أن يتم أخذها بعين الاعتبار من أجل الاجتهاد بشكل أكبر وتوفير موارد مالية كبرى مستقبلا، وتعزيز حضور اللغة الأمازيغية على المستوى الإعلامي والتعليمي وتوعية المجتمع المدني بخصوصها، مع إحداث نوع من الصّيحة التي تستهدف جميع المعنيين بغية تدارك ما فات.

عبد الله السعيد

أخبار ذات صلة

0 تعليق