بيعة الصحراء للعرش .. ممارسة تاريخية تكرس الوحدة الترابية المغربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في قلب الصحراء المغربية تتجلى قصة فريدة للارتباط الوثيق بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي. هذه البيعة تضرب بجذورها في أعماق الزمن، ولم تكن يوما مجرد تقليد عابر، بل هي تجسيد حي لعلاقة متينة صمدت أمام تحديات الزمن وتقلبات السياسة.

على مر القرون شكلت هذه البيعة محورا أساسيا في النسيج الاجتماعي والسياسي للمغرب، معززة الوحدة الوطنية وراسمة ملامح هوية فريدة تجمع بين عراقة الصحراء المغربية الكبرى وأصالة العرش العلوي؛ إنها قصة تمتزج فيها الأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية، لترسم لوحة متكاملة عن علاقة استثنائية.

عبد السلام مفلح، طالب باحث في تاريخ القبائل الصحراوية، قال في تصريح لهسبريس إن “بيعة القبائل الصحراوية للدولة العلوية تمثل أحد أهم الروابط التاريخية في المغرب”، مضيفا أن “هذه البيعة لم تكن مجرد إجراء سياسي، بل كانت تعبيرا عن تحالف إستراتيجي وثقافي عميق، ولعبت دورا محوريا في توحيد المغرب وتعزيز هويته الوطنية”، وفق تعبيره.

وزاد الطالب ذاته: “من خلال دراساتي وجدت أن هذه البيعة كانت دائما تتجدد في الأوقات الحاسمة، ما يؤكد على استمرارية هذا الرابط التاريخي”، مشيرا إلى أن “البيعة بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي المجيد تعكس حكمة الأجداد في بناء علاقات متينة قادرة على الصمود أمام تحديات الزمن”.

“أعتقد أن فهم عمق هذه البيعة وأبعادها التاريخية أمر ضروري لفهم الهوية المغربية المعاصرة”، يقول مفلح، لافتا إلى أن “بيعة القبائل الصحراوية للدولة العلوية ليست مجرد تقليد من الماضي، بل هي جزء حي من الحاضر يشكل مستقبل العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع المغربي”.

من جانبها قالت أمينة الركيبي، فاعلة جمعوية بمدينة الداخلة: “في مجتمعنا الصحراوي المغربي تعتبر البيعة للعرش العلوي جزءا لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والاجتماعية”، مؤكدة أن “البيعة تعتبر تعبيرا عن الانتماء والولاء الذي يتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية”، بتعبيرها.

وأضافت المتحدثة ذاتها في تصريح لهسبريس: “من خلال عملي الجمعوي أرى كيف أن هذه البيعة تساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتقوية الروابط بين مختلف مكونات المجتمع الصحراوي”، موردة أن “البيعة تمثل جسرا يربط بين الماضي والحاضر، ويؤكد على وحدة المغرب من طنجة إلى الكويرة”.

وأردفت الفاعلة الجمعوية نفسها: “نحن نعمل على توعية الأجيال الجديدة بأهمية هذا التقليد وقيمته في الحفاظ على هويتنا وثقافتنا، وفي الوقت نفسه نسعى إلى تطوير أشكال جديدة للتعبير عن هذا الولاء بما يتناسب مع روح العصر ومتطلباته”.

إبراهيم ولد الدليم، فاعل حقوقي وطالب باحث من جهة العيون الساقية الحمراء، قال في تعليقه على الموضوع: “من منظور حقوقي وأكاديمي فإن بيعة القبائل الصحراوية للدولة العلوية تعكس نموذجا فريدا للعلاقة بين السلطة المركزية وهذه القبائل”، مضيفا أن “هذه البيعة لم تكن أبدا إكراها، بل كانت دائما تعبيرا عن إرادة حرة وتوافق مجتمعي”، بتعبيره.

وزاد الحقوقي ذاته أن “مجموعة من الدراسات والروايات التاريخية تؤكد أن هذه البيعة ساهمت في الحفاظ على الحقوق التقليدية للقبائل الصحراوية، مع ضمان اندماجها في النسيج الوطني الأوسع”، متابعا بأن “البيعة تمثل توازنا دقيقا بين الخصوصية المحلية والهوية الوطنية”.

ويضيف المتحدث: “أعتقد أن هذا النموذج يمكن أن يكون مصدر إلهام لكيفية بناء علاقات متوازنة بين الدولة والمواطن المغربي بصفة عامة وليس فقط القبائل الصحراوية، وذلك في سياقات أخرى”، مشيرا إلى أنه “يظهر كيف يمكن للتقاليد أن تتكيف مع متطلبات الحداثة دون فقدان جوهرها الأصيل”.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من المنتمين إلى القبائل الصحراوية المغربية يؤكدون باستمرار تشبثهم بالعرش العلوي، فقد أكد عدد كبير من شيوخ القبائل وأعيانها، في مناسبات عدة، التزامهم الراسخ بالدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة والوقوف صفا واحدا خلف الملك محمد السادس.

هذه البيعة تعكس عمق الروابط التاريخية والروحية التي تجمع قبائل الصحراء المغربية بالعرش العلوي، وتؤكد على استمرارية هذه العلاقة الفريدة التي تشكل جزءا أساسيا من النسيج الوطني المغربي. كما أن هذا الالتزام المتجدد يعزز من قوة الجبهة الداخلية المغربية ويساهم في ترسيخ الاستقرار والتنمية في المناطق الصحراوية المغربية الكبرى.

أحمد مسعود
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق