اقرأ في هذا المقال
- • أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ارتفعت بنسبة 20% فور تعليق العبور عبر أوكرانيا
- • في عام 2025 من المتوقع أن تخضع صناعة الغاز الروسية لتغييرات كبيرة
- • روسيا بذلت جهودًا كبيرة لإعادة توجيه صادراتها من الغاز نحو الشرق
- • روسيا صدّرت 23 مليار متر مكعب من الغاز المسال في عام 2024
أدى توقف عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا، بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2025، إلى تعميق أزمة الطاقة في أوروبا.
لذلك، يواجه قطاع الطاقة في أوروبا تحديًا كبيرًا يتفاقم بسبب التوترات الجيوسياسية المستمرة، التي تنبع في المقام الأول من غزو روسيا لأوكرانيا.
وإلى جانب إعادة توجيه روسيا صادراتها من الطاقة إلى آسيا، خصوصًا الصين، فقد تعثّر اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ما يجعل أمن الطاقة مصدر قلق كبيرًا.
ويستكشف هذا المقال تأثير توقف الإمدادات عبر أوكرانيا، وإعادة توجيه الطاقة الروسية، ومستقبل صادرات الغاز الروسية، بما في ذلك آفاق خط أنابيب باور أوف سيبيريا-2 والطرق الأخرى.
تأثير توقف الإمدادات في أسواق الطاقة الأوروبية
كان الدور الإستراتيجي لأوكرانيا بصفتها دولة عبور الغاز الروسي إلى أوروبا حيويًا لعقود من الزمن.
وقبل الحرب الجارية، كان ما يقرب من 40% من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا يمر عبر الأراضي الأوكرانية، وهو ما يترجم إلى نحو 65 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا مع إمكانات كاملة تبلغ 150 مليار متر مكعب.
ومنذ قرار أوكرانيا بقطع عبور الغاز، ردًا على العمليات العسكرية الروسية، شهدت أسواق الطاقة الأوروبية تداعيات فورية.
ونتيجة لتوقف العبور الأوكراني بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2025، يجب على أوروبا الآن أن تبحث عن طرق بديلة للحفاظ على إمدادات الغاز، في المقام الأول عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر تركيا، وشحنات الغاز المسال.
وبدءًا من يناير/كانون الثاني 2025، أصبح قرار أوكرانيا نقطة تحول لكل من روسيا وأوروبا.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 20% فور تعليق العبور عبر أوكرانيا، ما يعكس النقص الفوري في العرض.
بالإضافة إلى ذلك، تُستنفد مستويات التخزين الأوروبية بسرعة، بمعدلات مماثلة لتلك التي شُوهدت في عام 2018، عندما بلغ تخزين الغاز مستويات منخفضة للغاية.
وقد أجبر هذا الاضطراب الدول الأوروبية على البحث عن بدائل، بما في ذلك زيادة واردات الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر، رغم أن التحدي ما يزال كبيرًا.
بيانات الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي:
واردات الغاز إلى أوروبا في عام 2021: نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي (نحو 40% من إجمالي واردات خطوط الأنابيب في أوروبا).
فجوة العرض المتوقعة في عامي 2024-2025: مع توقف عبور الغاز عبر أوكرانيا، من المتوقع أن تتسع الفجوة بين الطلب والعرض. يبلغ مخزون الغاز الأوروبي 63% فقط في يناير/كانون الثاني 2025، مقارنة بمتوسط 80-85% في فصول الشتاء السابقة.
تأثير السعر: ارتفع سعر الغاز القياسي الأوروبي (تي تي إف TTF الهولندي) بنسبة 20-25% في أوائل يناير/كانون الثاني 2025، ما دفع الأسعار إلى 45-50 يورو (46.36 - 51.51 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة.
وفي عام 2025، من المتوقع أن تخضع صناعة الغاز الروسية لتغييرات كبيرة، إذ يمثّل فقدان عبور الغاز عبر أوكرانيا تحولًا محوريًا في مشهد الطاقة.
متوسط أسعار الغاز في أوروبا
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن متوسط أسعار الغاز في أوروبا سيبلغ 469 دولارًا لكل 1000 متر مكعب في عام 2023، ثم ينخفض إلى 387 دولارًا في عام 2024، ثم يرتفع قليلا إلى 412 دولارًا في عام 2025.
ونتيجة لتوقف أوكرانيا عن نقل الغاز إلى أوروبا، ستواجه روسيا تحديات كبيرة في الحفاظ على صادراتها من الغاز، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة نصف إمداداتها الأوروبية.
وللتعويض عن ذلك، قد تزيد شركة غازبروم الروسية (Gazprom) من سعر إمدادات الغاز المتبقية عبر تركيا، لكن هذا لن يخفف تمامًا من خسارة الإيرادات.
وتضيف الحاجة إلى بنية تحتية جديدة لإعادة توجيه الغاز الروسي إلى الشرق والجنوب، خصوصًا إلى الصين، المزيد من الضغوط المالية.
من ناحية ثانية، يقترب الدور المركزي الذي أدته غازبروم سابقًا بوصفه محركًا للربح للموازنة الروسية من نهايته، إذ من المتوقع الآن أن تكون شركة غازبروم نفط (Gazprom Neft)، الشركة التابعة المشاركة في إنتاج النفط، المساهم الرئيس في الاستقرار المالي للشركة.
وعلى الرغم من التوقعات بزيادة إنتاج الغاز في عامي 2024 و2025، مع توقع نمو بنسبة 7% في عام 2024، تظل صادرات الغاز الروسية محدودة بسبب الاختناقات في البنية التحتية، خصوصًا خط أنابيب "باور أوف سيبيريا-2" المتأخر.
ومن غير المرجح أن تتطابق الزيادة المتوقعة في الإنتاج مع السنوات السابقة، فقد يتوقع الخبراء زيادة متواضعة تتراوح بين 2 و3 مليارات متر مكعب فقط في عام 2025.
ومن المتوقع أن تؤدي العقوبات المفروضة على قطاع الغاز المسال في روسيا إلى كبح أي نمو كبير في صادرات الغاز المسال، إذ تحد القيود اللوجستية والسوقية من إمكان زيادة الشحنات الدولية.
إعادة توجيه روسيا صادراتها من الغاز نحو الشرق
بذلت روسيا جهودًا كبيرة لإعادة توجيه صادراتها من الغاز نحو الشرق، مع ظهور الصين بصفتها مشتريًا رئيسًا. وعلى الرغم من هذا التحول، فإن الإمكانات الكاملة لمحور الطاقة هذا تواجه تحديات كبيرة.
والبنية الأساسية الرئيسة في هذا المحور هي خط أنابيب باور أوف سيبيريا، الذي شهد زيادة في صادرات الغاز إلى الصين.
رغم ذلك، تظل القضية الرئيسة هي أن هذا الطريق بعيد كل البعد عن أن يكون كافيًا لتعويض حجم السوق الأوروبية المفقودة.
خط أنابيب باور أوف سيبيريا-1.. الوضع الحالي وإمكانات النمو:
يعمل خط أنابيب باور أوف سيبيريا-1، الذي بدأ العمل منذ أواخر عام 2019، على نقل الغاز من حقلي كوفيكتينسكوي وشاياندينسكوي في شرق سيبيريا إلى الصين.
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صدّرت روسيا 29 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين، بزيادة قدرها 40% عن العام السابق.
ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو، مع تسجيل أرقام قياسية للنقل اليومي في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.
بيانات صادرات باور أوف سيبيريا-1:
صادرات الغاز إلى الصين في عام 2024: 29 مليار متر مكعب، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 40% على أساس سنوي.
نمو الصادرات المتوقع في عام 2025: من المتوقع أن يصل خط أنابيب باور أوف سيبيريا-1 إلى قدرته التصميمية الكاملة البالغة 38 مليار متر مكعب سنويًا قبل الموعد المحدد بحلول عام 2025، على الرغم من أن هذا لن يعوض تمامًا خسائر الإمدادات الأوروبية.
باور أوف سيبيريا-2: التأخير والعقبات الجيوسياسية والاقتصادية:
يواجه خط أنابيب باور أوف سيبيريا-2، الذي يهدف إلى زيادة إمدادات الغاز الروسي إلى الصين، تأخيرات وضبابية شديدة.
وكان من المقرر في البداية إكماله بحلول عام 2027، ولكن تم تأجيل بنائه إلى أجل غير مسمى بسبب العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية.
أولًا: تأخيرات البناء:
تم تأخير مسار خط الأنابيب من قِبل الجانبَيْن الروسي والصيني، وعلى الرغم من أن روسيا أكملت أعمال التصميم لخط الأنابيب، خصوصًا قسم سويوز فوستوك عبر منغوليا، كانت الصين بطيئة في الالتزام بالمشروع بالكامل.
الموقف الإستراتيجي لمنغوليا: في أغسطس/آب 2024، أزالت منغوليا رسميًا خط الأنابيب الروسي من خططها الإستراتيجية للطاقة حتى عام 2028، متذرعة بمخاوف بشأن عدم الاستقرار الجيوسياسي واحتياجات الطاقة المحلية.
ثانيًا: التنازلات السعرية للصين
يتمثل أحد الاختناقات الرئيسة لمشروع طاقة سيبيريا-2 في طلب الصين الحصول على حسومات على أسعار الغاز الروسي.
وطالبت الصين، بصفتها المشتري المهيمن، بخفض سعر الغاز الروسي بنسبة 28-37%، ما أدى إلى تقليص هوامش موسكو بصورة أكبر.
ويُنظر إلى هذا الخفض في الأسعار على أنه ضروري لروسيا لتأمين المصلحة الصينية، لكنه يقوّض بشدة تدفق الإيرادات الذي كانت روسيا تتمتع به سابقًا من الصادرات الأوروبية.
ثالثًا، الاعتبارات الجيوسياسية:
يمر بناء خط الأنابيب عبر منغوليا التي كانت علاقاتها الدبلوماسية مع الصين متوترة في بعض الأحيان. وتسعى الصين إلى الحصول على ضمانات بأن البنية الأساسية لخط الأنابيب ستظل آمنة من التخريب أو الاضطرابات الخارجية، خصوصًا في سياق التدخل الأميركي أو الغربي المحتمل.
التداعيات المالية والإستراتيجية لخط أنابيب باور أوف سيبيريا-2:
تكلفة البناء المتوقعة: تُقدّر بنحو 15 مليار دولار.
موعد الإنجاز المتوقع: من المرجح أن يتأخر حتى عام 2030، بسبب عقبات البناء والمطالبات الصينية بشروط أفضل.
صادرات الغاز الروسية إلى آسيا الوسطى:
زادت روسيا إمدادات الغاز إلى آسيا الوسطى، بما في ذلك قازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، التي لديها احتياجاتها المتزايدة من الغاز.
رغم ذلك، لا تزال هذه الصادرات بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية لتعويض الكميات المفقودة من الأسواق الأوروبية.
بيانات بشأن صادرات آسيا الوسطى:
صادرات عام 2024 إلى آسيا الوسطى: زادت روسيا صادرات الغاز بنسبة 10-15% في عام 2024 لتلبية الطلب المتزايد في المنطقة.
الاعتماد على سوق آسيا الوسطى: تتجه دول آسيا الوسطى إلى روسيا للحصول على ما يقرب من 30 مليار متر مكعب سنويًا، ولا يزال من غير المتوقع أن تلبي روسيا الحجم المطلوب لتعويض فجوة العرض الأوروبية بالكامل.
صادرات الغاز المسال الروسية والتحديات التي تواجهها
يُعد الغاز المسال أحد أشكال صادرات الغاز الروسية، ورغم ذلك، واجه قطاع الغاز المسال عقوبات شديدة في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.
وقد عاقت هذه العقوبات قدرة روسيا على تطوير محطات جديدة للغاز المسال وتوسيع أسطولها من ناقلات الغاز المسال.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون نمو صادرات الغاز المسال متواضعًا بسبب هذه التحديات.
بيانات صادرات الغاز المسال الروسية:
صادرات الغاز المسال لعام 2024: صدرت روسيا 23 مليار متر مكعب من الغاز المسال في عام 2024، بزيادة متواضعة قدرها 3 مليارات متر مكعب عن العام السابق.
التوقعات لعام 2025: من المتوقع زيادة قدرها 3 مليارات متر مكعب، ولكن من المرجح أن تحد المنافسة العالمية والعقوبات مزيدًا من النمو.
التداعيات على شركة غازبروم والموازنة الروسية
يمثّل غياب إمكان الوصول إلى أسواق الغاز الأوروبية ضربة قوية لقطاع الطاقة في روسيا، خصوصًا شركة غازبروم، التي كانت تقليديًا مصدرًا رئيسًا لإيرادات الحكومة الروسية.
وكان اعتماد الشركة على العقود الأوروبية ضروريًا لتمويل المشروعات المحلية والطموحات الجيوسياسية.
ومن المرجح أن تنخفض أرباح غازبروم في السنوات المقبلة، حتى مع زيادة الصادرات إلى الصين وآسيا الوسطى.
وحسبما لاحظ الخبراء، من المرجح أن تحتاج روسيا إلى البحث عن طرق بديلة لدعم الصحة المالية لشركة غازبروم، مثل المشروعات المشتركة مع الصين أو التمويل الخارجي من القروض الصينية.
التداعيات على موازنة الطاقة الروسية:
خسارة غازبروم للإيرادات من العبور الأوروبي: تُقدر بنحو 8-10 مليار دولار سنويا.
انخفاض إيرادات الموازنة الوطنية الروسية: شكّل قطاع الطاقة الروسي 17% من إيرادات الموازنة الفيدرالية في عام 2024.
ونتيجة لخسارة الإيرادات الأوروبية، فمن المتوقع أن تتقلص هذه النسبة في عام 2025.
الخلاصة..
يمثّل انقطاع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا والتحول نحو الأسواق الآسيوية، خصوصًا الصين، تحولًا كبيرًا في اعتبارات الجغرافيا السياسية للطاقة العالمية.
وتواجه أوروبا أزمة طاقة تتفاقم بسبب التوقف المفاجئ لعبور الغاز الأوكراني.
وفي الوقت نفسه، تعوق جهود روسيا لإعادة توجيه صادراتها من الطاقة إلى الشرق تحديات كبيرة، بما في ذلك النزاعات الجيوسياسية، وضغوط التسعير من الصين، وتأخير البنية التحتية.
وعلى الرغم من بعض الزيادات في الصادرات إلى الصين وآسيا الوسطى، يواجه قطاع الطاقة الروسي مستقبلًا غامضًا، مع انخفاض الإيرادات والحاجة إلى تعديلات كبيرة على إستراتيجيته في مجال الطاقة.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق