ملاطي: تفعيل السوار الإلكتروني قريب.. ومشروع المسطرة الجنائية لا يكبل الجمعيات

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كشف هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، أن هناك سباقا مع الزمن على مستوى الوزارة والمصالح الأخرى المختصة من أجل الاستعداد اللوجيستي والتشريعي لتفعيل السوار الإلكتروني في ظرف سنة، قائلاً: “كانت هناك مجموعة من اللقاءات مع شركات متخصّصة في اعتماد السوار الإلكتروني، وجهزنا تقريراً متكاملاً حول إيجابيات وسلبيات كل شركة وكذلك التكلفة وما يمكن اتخاذه من تدابير”.

وأضاف ملاطي، في حواره مع هسبريس، أن “النقاشات التي واكبت مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون 03.23 بتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية إيجابية، ومن المنتظر أن تتواصل في المؤسسة التشريعية”، مسجلاً أن بعض المواد التي أثارت جدلاً، خصوصا المادة الثالثة، “نالت أكثر مما تستحق (…) فإذا قمنا بقراءة تقنية وقانونية لها سنجد أنها لم تحرم هيئات المجتمع المدني من الإبلاغ عن حالات (الفساد)، لكنها بينت أن التبليغ يتم عن طريق مؤسسات لديها اختصاص ومؤهلات تخول لها إيجاد مؤشرات حول وجود فعل جرمي من عدمه”.

نص الحوار:

لا يزال الجدل يرافق مشروع المسطرة الجنائية، الذي من المرتقب أن يحال على المؤسسة التشريعية. هذا النقاش مرشّح ليكون “ساخناً” داخل البرلمان. إِلامَ يحيل هذا النقاش من وجهة نظر وزارة العدل، خصوصاً أن المسطرة المدنية لم ينته الجدل بعد بشأنها؟

أودّ أن أؤكد بأن لدينا صدى طيبا على مستوى مشروع قانون المسطرة الجنائية. تلقينا مجموعة من الإشادات حول ما تضمنه من مقتضيات. ونحن نؤمن أيضاً بأن من الطبيعي أن يواكب النقاش مشروع قانون المسطرة الجنائية. هو ليس تشريعاً عاديّا، فهو من القوانين التي يتمّ تعديلها في عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن. وهو قانون أساسي باعتباره مرتبطاً في الأصل بالحقوق والحريات وفي الوقت نفسه بتدابير مكافحة الجريمة.

نحن في وزارة العدل منفتحون على كل نقاش جاد وبناء حول المشروع، ومُنفتحون بالضرورة على كل ما يمكن أن يتم تقديمه من مقترحات من شأنها أن تسهم في تجويد النص وتقويته. لهذا قلنا إن مصادقة المجلس الحكومي على المشروع مجرد خطوة أولى، تتضمن وجهات نظر وتصورات الحكومة في مجال تنظيم الإجراءات الجنائية. ننتظر الآن المرحلة الثانية، وهي المرحلة المهمة المتعلقة بإحالة المشروع على المسطرة التشريعية بالبرلمان. وهذه المؤسسة ستكون لها بطبيعة الحال كلمة الفصل في الصيغة النهائية التي سيكون عليها المشروع.

وأنا أتصوّر أنه لو مر القانون بدون نقاش ستكون هناك علامات استفهام عديدة. لا يمكن أن يكون النص كاملاً ابتداءً. هذا عمل إنساني وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أنه حتى القراءات التي يمكن أن تقدم حول المشروع ينبغي أن نستحضر مرجعياتها وانتماءات أصحابها. المسطرة الجنائية تهمّ متدخلين كثرا وفاعلين باهتمامات مختلفة؛ لكن يمكن أن أقول إن من شأن هذا النقاش الذي ينبغي أن يواكب مثل هذه المشاريع أن يكون له صدى إيجابي أكثر منه سلبي.

باختصار، ما هي أهم المستجدات التي جاء بها مشروع القانون 03.23 بتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، لأننا نتحدث عن “مراجعة جذرية” همت زهاء 420 مادة من النص الحالي؟

حاولنا إدماج المقتضيات الجديدة في 11 محورا من أجل تقريبها من المهتمين والفاعلين في أمور العدالة. منها بالأساس مسألة احترام ضمانات المحاكمة العادلة، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، ومأسسة آليات العدالة التصالحية أو التقويمية، إضافة إلى ما يرتبط بإضفاء بعض الفعالية على آليات العدالة الجنائية من خلال تقوية آليات البحث والتحري واعتماد الدليل والدليل العلمي، فضلاً عن تمتين آليات التّعاون القضائي الدولي في مواجهة الجريمة المنظمة، ناهيك عما يرتبط بتعزيز حقوق الدفاع من خلال الصلاحيات والضمانات الممنوحة لهيئتهم بوصفها الركيزة الأساسية لضمانات المحاكمة العادلة.

هناك أيضا بعض التعديلات المرتبطة بمرحلة تنفيذ العقوبة، التي تعد مرحلة مهمة، وأيضاً ما بعد تنفيذ العقوبة، لأن آثار التنفيذ تبقى مترامية من خلال السوابق وكيفية رد الاعتبار وكيفية اعتماد بعض التدابير التحفيزية والتأهيلية، بالإضافة إلى مراجعة طرق الطعن. من بين المستجدات أيضا إحداث فرع خاص بالسياسة الجنائية من خلال تحديد المقصود بها ومن يضعها ومن يشرف على تنفيذها ومن يتولى تقييمها، وأيضاً علاقتها بمؤسّسة رئاسة النيابة العامة وبالمرصد الوطني للإجرام. كما تم إضفاء مجموعة من المستجدات على مرحلة التحقيق الإعدادي وعلى المحاكمة في مختلف درجاتها.

وأرى أنه لا بد من تقريب هذه التحيينات القانونية من المواطن لأنها تهم حياته اليومية، فمثلاً إذا توقفنا عند موضوع الحراسة النظرية، التي هي إجراء استثنائي ماس بالحرية، فنحن في هذا الموضوع اتجهنا إلى اعتماد تقنية التسجيل السمعي البصري والاتصال بالمحامي وغير ذلك. إذن هناك مجموعة من الأمور تم تعديلها؛ وكما قلتَ التعديل طال حوالي 420 مادة، أي نحو نصف القانون الحالي المتعلق بالمسطرة الجنائية.

تدبير الاعتقال الاحتياطي عرف بدوره مقتضيات جديدة، حيث تم تخفيف اللجوء إليه وتحول إلى تدبير استثنائي، وصارت هناك إمكانية الطعن فيه. أنت تعرف أن عقلنة هذا الإجراء كانت من الحلول المقترحة لتخفيف الاكتظاظ بالسجون المغربية. هل يضمن هذا الإجراء تحقيق أنسنة المؤسسة السجنية؟

الاعتقال الاحتياطي موضوع قديم جديد. وقد ظل هذا الموضوع عالقاً في السياسة الجنائية منذ عقود، بغض النظر عن نسبته. في ثمانينيات القرن الماضي كان امتلاء السجون يبلغ ربما 26 ألفاً أو ما يقارب 30 ألفاً، ومع ذلك كان هذا الرقم يطرح مشكلاً، فما بالك اليوم حين نتحدّث عما يفوق 100 ألف سجين. حين نقوم بتشخيص وضعيّة السجون نجد أن الاعتقال الاحتياطي وكذا السجن النافذ لمدة قصيرة يستحوذان على حصّة الأسد من إجمالي نزلاء المؤسّسات السجنية.

هذا المشكل عرف نقاشات كثيرة، وربما يمكن تلخيص الأسباب في ثلاثة رئيسية. الأول والأساسي أن المشرع لم يمنح القضاة بدائل حقيقية لعدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي واتخاذ تدابير خارج هذا التدبير الاستثنائي. لكن هناك مجهودات كثيرة تبذل على مستوى رئاسة النيابة العامة والسلطة القضائية. القضاة بدورهم يبذلون جهوداً في ترشيد نسبة الاعتقال الاحتياطي. ثم هناك سبب يتعلق بالممارسة، ولذلك هناك مشكل في التعريف، فالمعتقل احتياطيا هو ذلك الشخص الذي لم يصدر بعد في حقه حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بمعنى أنه يظل مكتسبا لصفة معتقل احتياطي طيلة مسار المحاكمة إلى غاية النقض. في حين أن المعتقل الاحتياطي في جل الدول المقارنة على المستوى الأوروبي هو الذي لم يصدر في حقه حكم بعد، بمعنى أنه إذا حوكم ابتدائيا لم يعد مكتسباً لهذه الصفة.

والسبب الثالث مجتمعي ثقافي، فالعقلية السائدة تعتبر أن المواطن حتى يستعيد حقه لا بد أن يزجّ بالطرف الآخر في السجن. وبطبيعة الحال هناك آليات تقليدية تؤثر في اتخاذ القاضي قراره من قبيل الإعلام والمجتمع والهيئات المدنية والضّحايا إلخ. ومع ذلك يتحمل التشريع نسبة كبيرة فيما يقع. الآن سنوسع البدائل، ومشروع المسطرة الجنائية منح حيزاً كبيراً لعقلنة الاعتقال الاحتياطي. اليوم هناك بدائل كثيرة، ضمنها السوار الإلكتروني المنصوص عليه في قانون العقوبات البديلة، وهو التدبير التاسع عشر. ولحسن الحظّ ربما تزامن الاتجاه نحو ترشيد الاعتقال الاحتياطي مع قانون العقوبات البديلة، الذي سيضمنُ تنظيما لوجيستيا وتدبيريّا من شأنه أن يكون أرضية للمسطرة الجنائية.

(مقاطعاً) لكن لوجيستيّا، هل لنا عدة كافية في المغرب للمرور إلى تدبير السوار الإلكتروني؟

بالفعل، الآن موازاة مع قانون العلاقات البديلة كانت هناك مجموعة من اللقاءات مع شركات متخصصة في اعتماد السوار الإلكتروني، وجهزنا تقريراً متكاملاً حول إيجابيات وسلبيات كل شركة وكذلك التكلفة وما يمكن اتخاذه من تدابير. وحتى النص التنظيمي يتم الاشتغال عليه حاليا، ولدينا أجل سنة كسقف لا يمكن أن نتعداه حتى يدخل السوار الإلكتروني حيز النفاذ. الآن هناك اشتغال مكثف على مستويات متعددة من أجل أن نكون جميعاً في الموعد.
ما أُعطي في إطار التّرشيد هو أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف لم تكن لديه إمكانيات المتابعة في حالة سراح. في الجنايات إما أن يتابع المشتبه به في حالة اعتقال ويُحال على هيئة المحكمة أو على قاضي التحقيق. ونحن نعلم أنه رغم خطورة توصيف الجناية، فعمليّا بعض الحالات لا تتضمن تلك الخطورة؛ يكون هناك تنازل أو ظهور مستجدات أو وجود عامل المدة، ففئةٌ من الأفعال مر عليها، مثلا، 10 سنين أو أكثر، أو حتى عدم جسامة الضرر إلخ.

أريد أن نتحدث عن بعض مستجدات القانون التي تثير نوعا من النقاش حاليا، تحديداً المادة الثالثة من المشروع. لنركز على الشق المتعلق بالجهات المدنية والحقوقية، التي ربما لا تنفي وجود “حالات ابتزاز تبقى محدودة”، وتتساءل: لماذا تم “تكبيل” حقها بالمجمل؟

دعني أقدم بعض التوضيحات من الناحية التقنية، وأؤكد أن هذه المسألة ربما نالت أكثر مما تستحق. لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي تلعبه هيئات المجتمع المدني في بناء الديموقراطية ومساعدة جميع الجهات على حماية المصالح العامة وغيرها. ما أود التشديد عليه هو أنه إذا قمنا بقراءة تقنية وقانونية للمادة 3 سنجد أنها لم تحرم هيئات المجتمع المدني من الإبلاغ عن حالات (الفساد)، لكنها بينت أن التبليغ يتم عن طريق مؤسسات لديها اختصاص ومؤهلات تخول لها إيجاد مؤشرات حول وجود فعل جرمي من عدمه.

المادة الثالثة تقول: “إذا تعلق الأمر بالجرائم الماسة بالحق العام”. والمقتضى لا يتحدث عن جرائم الحق العام مثل استغلال النفوذ أو الرشوة أو الغدر إلخ. هذه جرائم يمكن لأيّ جهة أن تبلغ عنها. أما الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة، فهي تؤطر بعض الجرائم المتعلقة، مثلاً، بالتبديد والاختلاس في صفقة عمومية أو في مشروع كبير. هذه يصعب فيها إثبات وجود شبهة جرمية من عدمها.

الأمر سيحتاج إلى وثائق ودراسات وخبرات وغيرها. وإذا كانت النيابة العامة ستقوم بهذا الأمر فستقوم به في إطار إجراءات قضائيّة، إما في إطار البحث والتحري أو التحقيق والمحاكمة. وعندما نُدخل الشخص في هذا المسار الشامل للبحث والتحري والتحقيق والمحاكمة، فربما قد يأخذ مدة زمنية طويلة، وفي الأخير قد يتبين بأن ليس هناك أي فعل مجرم. وهذا الشخص قد تكون له أوضاع اعتبارية معينة، وقد تكون له بعض المهمات الانتدابية المرتبطة بزمن محدد.

الغاية هي أن تتم إحالة هذا النوع من القضايا على الجهات المؤهلة، المجلس الأعلى للحسابات أو المجالس الجهوية، وداخل مدونة المحاكم المالية نجد مقتضيات صريحة تنص على أن مجلس الحسابات من خلال المهام التي يقوم بها إذا تبين له وجود شبهة فعل جرمي يحيل الأمر على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة لإعطاء تعليماته للنيابة العامة المختصة من أجل مباشرة الأبحاث والتحريات واتخاذ ما يراه ملائما في هذا الموضوع.

هناك مفتشية لدى وزارة الداخلية تقوم بعملية افتحاص للجماعات ولمجموعة من المؤسسات التابعة لها، وإذا اتضح لها أن هناك أفعالا تكتسي صبغه جرمية تحيلها على القضاء. مفتشيات الوزارات لديها أيضا هذه الصلاحية، وهناك الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلخ. جمعيات المجتمع المدني إذا كانت لديها إرادة لمواجهة اختلالات المال العام يمكنها أن توجه الشكايات إلى هذه الجهات لاتخاذ كل ما يلزم من أجل البحث في هذا النوع من القضايا وإحالتها على النيابة العامة لمباشرة المسطرة.

علاوة على ذلك، المادة الثالثة أضافت مدخلا آخر هو حالة التلبس. كل حالة ضبطت في حالة التلبس لا تخضع لهذه المقتضيات، فالنيابة العامة حينها تتخذ الإجراء مباشرة. إذن ليس هناك أي اتجاه للتشجيع على الإفلات من العقاب.

(مقاطعاً) لكن المادة لا تشير، مثلا، إلى إمكانية أن تحرك النيابة العامة الدعوى العمومية من تلقاء نفسها بناء على وشاية أو موضوع أثير في صحف ذات مصداقية؟

هذا صحيح. من الضروري أن تكون المسطرة كما هو منصوص عليها في المادة التي نتحدث بشأنها. يمكن أن تحيل النيابة العامة تلقائيا قضية ما على الجهات المذكورة في المادة، وتطلب إجراء بحث وتحرٍّ تأديبي مالي من أجل الوقوف عند وجود شبهة أم لا. هذه تبقى إمكانية مفتوحة لدى النيابة العامة. وأنا لا أريد الدخول في هذا النقاش حتى لا ننسى أن المسألة المتعلقة بالمال العام تعدّ من الاهتمامات الكبرى للسياسة الجنائية الوطنية. وفي مشروع قانون المسطرة الجنائية هناك مستجدات مهمة في هذا الإطار. فلأول مرة ينظم قانون المسطرة الجنائية البحث المالي الموازي. فعندما تقوم جهات التحري بإجراء بحث ما حول قضية معينة يجرى بحث مالي موازٍ مواكب للبحث الجنائي، والغاية منه الوقوف على ما يملك أو ما يتوفر عليه المشتبه به من ممتلكات لإدراجها في تقرير خاص لاتخاذ تدابير الحجز أو التجميد أو العقل أو المصادرة في حالة وجود عقوبة.

من بين المستجدات أيضا تعزيز التواصل من خلال حديث المادة 15 من المشروع عن تولي أحد قضاة النيابة العامة مهمة الناطق الرسمي للمحكمة للتواصل مع الرأي العام. هناك تأويل ممكن، فهناك قضايا جنائية تصبح قضية رأي عام وتكون فيها تدافعات. هل ستكون توضيحات النيابة العامة بمثابة “كلام مرجعي” أمام تضارب الروايات في قضايا محددة، فقضايا كثيرة قيل إن ضمانات المحاكمة العادلة انتهكت فيها؟

ما نلاحظه، سواء كممارسين أو متتبعين، أن بعض القضايا التي تطرح وتثير انتباه الراي العام غالبا ما تكون محط اهتمام الإعلام. لا يمكن الحجر على حق أي أحد في التعبير، لكن المادة 15 جاءت تتحدث عن سرية البحث والتحقيق لأن الدعوى العمومية تمر بمراحل، بعضها يتصف بالسرية، وهناك مراحل ترفع عنها السرية مثل فترة المحاكمة التي تكون أحيانا علنية؛ هذه مرحلة لديها بعض الخصوصيات مثل قضايا الأحداث إلخ. ولكن عندما نتحدث عن مرحلة البحث والتحري والتحقيق فهذه مرحلة تشكل السرية فيها مفتاح النجاح.

لا بد من ضمان الحفاظ على السرية. لقد بدأت بعض السلوكات غير المقبولة تظهر، قد تجد محضر الشرطة القضائية منشورا في مكان ما والمرحلة متواصلة في البحث والتحري أو التحقيق. المقتضى الذي جاء به المشروع هو أنه حاول أن يؤطر وينظم هذه المسألة لأن المقتضى موجود في بعض التشريعات المقارنة. جاء المشرع بهدف التنظيم بالنظر إلى كون بعض الملفات تأخذ أكثر من حجمها، وقد تخرج معطيات لا علاقة لها بالحقيقة.

هنا صار ممكناً للنيابة العامة أن تتدخل من خلال التواصل مع الرأي العام لإطلاعه على مجريات القضية، شريطة ألا يمس ذلك بقرينة البراءة، وبدون توجيه صك الاتهام إلى جهة معينة. سيتم احترام بعض الخصوصيات كالحياة الخاصة ومجموعة من الأمور، ونمنح فكرة حول مجريات القضية، علما أن مقتضيات المادة 15 تتضمن عقوبة تنص على أن كل من أخل بمبدأ السرية يخضع للمقتضيات المرتبطة بالجزاءات في حالة الإخلال بالسر المهني وفق مقتضيات القانون الجنائي.
من الطبيعي أن يخرج المحامي أو الطرف الضحية أو عائلته لإعطاء مواقف وآراء، لكن ينبغي ألا يكون فيها تسريب لمعطيات البحث والتحري والتحقيق، التي يتعين احترامها في إطار مبدأ احترام السر المهني. المادة تقول إنه يمكن للنيابة العامة أن تأذن للشرطة القضائية بإصدار بلاغ. الغاية من ذلك أن نستطيع تحجيم المعلومات المغلوطة والمضللة، فإذا خرجت النيابة العامة ودبّجت بلاغا وأطلعت الرأي العام على مجريات قضية ما، فبطبيعة الحال سيثق المواطن في النيابة العامة بوصفها الجهة الرسمية.

مسطرة محاكمة كبار المسؤولين، أو ما يعرف بـ”الامتياز القضائي”، كانت متضمنة في مقتضيات المسطرة الجنائية 2002، واليوم هناك إجراءات واضحة بخصوص تفعيل المادة 265. لماذا كنا نشعر بأن هذه المقتضيات لم تطبق طيلة أزيد من 20 سنة من العمل بالنص 22.01؟

هذه المقتضيات مؤسسة قانونيا وموجودة منذ مدة طويلة ومنصوص عليها حتى في قانون 2002 المتعلق بالمسطرة المدنية. التفعيل أيضاً جرى العمل به، وهناك حالات كثيرة لملفات منتمية إلى ما يسمى بـ”الامتياز القضائي”، ويمكن العودة، مثلا، إلى مصنف نشره المجلس الأعلى للسلطة القضائية خاص بقضايا الامتياز القضائي وما استخلص فيها من قواعد بخصوص تدبير هذه المسطرة. هناك حالات عملية كثيرة معروفة لمتابعة مسؤولين وشملت مجموعة من الأشخاص المندرجين في هذا الشق الاستثنائي.

هذه تسمى قواعد الاختصاص الاستثنائية، وهي ليست امتيازا. الشخص الذي يحاكم لا يتمتع بأيّ امتياز. ما يمكن أن يكون هو أنه قد يحاكم وفق مسطرة معينة، وفي بعض الأحيان لا تكون لديه ضمانات أكثر من الحالات العادية، لأنه لم يكن يتوفر على مبدأ التقاضي على درجتين وليس لديه حق الطعن في الاستئناف إلخ.

الآن ما تم الاشتغال عليه في المشروع هو إدخال بعض المستجدات لضبط بعض الإشكالات التي كانت مطروحة على مستوى الممارسة أو لسد بعض مكامن القصور لأنه كان هناك فراغ تشريعي. وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه إذا رجعنا إلى المادة الأولى من المشروع فهي تنصّ على مسألة مهمة مرتبطة بمبدأ المساواة أمام القانون في وضعيات مماثلة. هناك من قد يقول إن المسطرة لا يتوفر فيها مبدأ المساواة، أو لماذا هذا المواطن تتحكم فيه مسطرة معينة وذاك المواطن يخضع لمسطرة أخرى؟ هو يخضع لمسطرة في الإجراءات، ولكن لا يضمن ذلك أي إفلات من العقاب.

المشروع حاول أن يوحد إجراءات البحث والتحري والتحقيق والمحاكمة بالنسبة لهذه الفئات لأن لدينا ثلاثة فئات، تلك المنصوص عليها في المادة 265 المتعلقة بكبار المسؤولين مثل مستشاري الملك والوزراء، وأيضا المادة 266، والفئة الموجودة في المادة 267.

بالنسبة للمادة الأولى المتعلقة بالمسؤولين، فالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الذي يشرف على إجراءات البحث والتحري، ومسطرة التحقيق والمحاكمة ستكون في محكمة النقض. الجديد في المشروع هو أنه نص على أن كل تدبير ماس أو سالب للحرية يكون بقرار من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أي رئيس النيابة العامة. والخلاصة أنه لا يوجد أي مقتضى يساعد على الإفلات من العقاب. المشروع نظم التقاضي على درجتين بهدف ضبط هذه المسطرة والتدقيق فيها لتفادي الإشكالات التي سجلتها الممارسة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق