فوضى أمنية في مالي.. تمدد القاعدة وداعش واستغلال التوترات الطائفية

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

  • تصاعد العمليات العسكرية في شمال مالي وتأثيرها على الاستقرار الأمنى
  • التدخل العسكري للقوات المالية والروسية يشكل عاملًا رئيسيًا فى تعقيد الصراع وخلق بيئة غير مستقرة مما يسهم فى زيادة الفوضى الأمنية
  • التحالف بين المتمردين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة يُعزز قدرات التنظيمات الإرهابية في مواجهة القوات الحكومية وحلفائها
  • التنظيمات الإرهابية تستفيد من الصراع والتوترات بين الجماعات الإثنية المحلية لتعزيز نفوذها وتجنيد مقاتلين جدد  كل من القاعدة وداعش يسعيان إلى استغلال الفوضى الأمنية لتحقيق تمدد أكبر في المنطقة، مما يؤدى إلى تصاعد التنافس بينهما وزيادة الهجمات الإرهابية

 

تشهد منطقة شمال مالي تصاعدًا خطيرًا في النزاع المسلح، حيث تقوم القوات المالية المدعومة بالقوات الروسية بشن عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد المتمردين الطوارق والجماعات المتطرفة. هذه التطورات تعكس تعقيد المشهد الأمني في منطقة الساحل، التي أصبحت ملاذًا للجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش. فى ظل تزايد الفراغ الأمني والاضطرابات السياسية، تتنامى المخاوف من تمدد نفوذ هذه التنظيمات التي تستغل التوترات الإثنية والطائفية، مما يُعزز قدرتها على توسيع عملياتها وزيادة تجنيد المقاتلين. هذا المشهد المعقد يثير تساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي وإمكانية احتواء التهديد الإرهابي المتصاعد فى الساحل.

تلقت قوات فيلق أفريقيا المرتبطة بوزارة الدفاع المالية والروسية عددًا كبيرًا من المركبات الجديدة في جاو، وهى عاصمة إقليمية في شمال مالي، بين ١٤ و٢٥ أغسطس. تقدر المصادر المحلية أن ما بين ٦٠٠ و٨٠٠ جندي مالي وروسي انتشروا شمالًا من جاو في قافلة مكونة من ١٠٠ مركبة فى ٣٠ أغسطس، ومن المتوقع أن يصلوا إلى عاصمة الإقليم الشمالية، كيدال، في ١٥ سبتمبر. كما نفذت القوات المالية وحلفاؤها من بوركينا فاسو ما لا يقل عن ١٠ ضربات بطائرات بدون طيار استهدفت المنطقة القريبة من بلدة تينزاوتين الحدودية منذ ٢٧ يوليو، ويفترض أن ذلك كان بهدف تدهور مناطق دعم المتمردين في المنطقة.

من المفترض أن القوات المالية والروسية تهدف إلى الاستيلاء على بلدة تينزاوتين الحدودية، حيث صد المتمردون الطوارق هجومهم السابق في كمين شرس. شنت القوات المالية والروسية هجومًا فى أواخر يونيو لتطهير المناطق النائية في شمال مالي خارج العاصمة الإقليمية، مدينة كيدال. نصب مسلحون طوارق كمينًا لقافلة مالية روسية تقترب من تينزاوتين فى ٢٥ يوليو، مما أدى إلى عدة أيام من القتال حيث توقفت القافلة وانسحبت في النهاية. أسفرت المعركة عن مقتل ما يصل إلى ٨٤ جنديًا روسيًا و٤٧ جنديًا ماليًا وخسائر مادية كبيرة. سبق أن قيم مركز التهديدات الحرجة CTP أن مجموعة متنوعة من العوامل الحالية والتاريخية تشير إلى أن المسلحين لديهم صلات بتحالف المتمردين الانفصاليين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل. أفادت وكالة "أسوشيتد برس" وإذاعة أوروبا الحرة/"راديو ليبرتى" أيضًا أن المجموعتين ربما نسقتا كمائن منفصلة ضد عدوهما المشترك.

تواجه القوات المالية والروسية العديد من التحديات المتعلقة بالقدرة والإمكانات لتطهير الحدود الجزائرية والمناطق النائية الأخرى في شمال مالي والسيطرة عليها. وقد عالجت قوات الأمن جزئيًا قضايا القدرة المباشرة التي أدت إلى هزيمتها في يوليو. يبلغ حجم القافلة المكونة من ١٠٠ مركبة أربعة أضعاف على الأقل من حيث الأفراد وثماني أضعاف حجمها من حيث المركبات مقارنة بالقوات التي أُرسلت للاستيلاء على المدينة فى يوليو. كانت قافلة يوليو تتكون في البداية من ١٢ مركبة فقط لم تتلق أكثر من ٧٠ جنديًا إضافيًا كتعزيزات. واجهت هذه الوحدة الصغيرة قوة ساحقة تضم أكثر من ١٠٠٠ متمرد.

ومع ذلك، لا تزال قوات الأمن تفتقر على الأرجح إلى القدرة على الاحتفاظ بالأراضي النائية. لم تتمكن قوات الأمن من الاحتفاظ بمواقع على طول الحدود في يوليو، لذلك قامت قوافلها بدوريات فى المناطق لبضع ساعات قبل الانسحاب إلى قواعدها في الجنوب، مما سمح للمتشددين بإعادة دخول المنطقة. تزعم مصادر الطوارق المحلية أيضًا أن القافلة الجديدة تسلك طريقًا بديلًا إلى الحدود بسبب مخاوف من وجود عبوات ناسفة بدائية على الطريق الرئيسي، وهى منطقة قامت القوات المالية والروسية بتطهيرها سابقًا في أواخر يونيو وأوائل يوليو ولكن من الواضح أنها لم تسيطر عليها. سيطرت القوات المالية والروسية سابقًا على قواعد عمليات متقدمة للمساعدة في الاحتفاظ بالمواقع المتنازع عليها حديثًا خلال هجومها الأولى على شمال مالي للاستيلاء على كيدال، في أواخر عام ٢٠٢٣.

تخاطر القوات المالية والروسية بخلق ثغرات يمكن لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين استغلالها فى أجزاء أخرى من البلاد من خلال إعطاء أولوية أكبر لشمال مالي. كانت القوات الروسية ضرورية للاستيلاء على معاقل المتمردين الأخرى في شمال مالي منذ أواخر عام ٢٠٢٣. ومع ذلك، أفاد مركز مكافحة الإرهاب سابقًا خلال الهجوم الذى شُن فى أواخر عام ٢٠٢٣ ضد كيدال أن هذا التركيز قلل من العمليات المالية الروسية في وسط مالي. من شأن نمط مماثل أن يخاطر بتحقيق جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مكاسب كبيرة في مناطق أكثر اكتظاظًا بالسكان وذات أهمية سياسية في وسط مالي، وهو ما يلعب دورًا في استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نظرًا لأن الأمم المتحدة ذكرت أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أعطت الأولوية بالفعل لوسط مالي على شمال مالي في عام ٢٠٢٤. ومع ذلك، لم يلاحظ مركز مكافحة الإرهاب حتى الآن أي تغيير ملحوظ في العمليات خارج شمال مالي خلال الحشد العسكري الحالي.

ومن المرجح أيضًا أن تظل القوات المالية وشركاؤها الروس معتمدين على الدعم الجوي من بوركينا فاسو ومالي. فقد عزت الروايات الرسمية المالية والروسية عن هجوم يوليو بشكل منفصل الهزيمة إلى عاصفة رملية أوقفت القافلة ومنعت الدعم الجوي من التدخل في المعركة. وكان دعم الطائرات بدون طيار قد طرد المتمردين الانفصاليين من القاعدة العسكرية فى تينزاوتين فى ديسمبر ٢٠٢٣ وساهم فى الهجوم المالي الروسي الناجح في شمال مالي في أواخر عام ٢٠٢٣. يعمل الدعم الجوي على تدهور قدرة المتمردين على تنفيذ كمائن فعالة من خلال رصد واستهداف قوات المتمردين المتجمعة. وتشير الضربات المستمرة بالطائرات بدون طيار حول تينزاوتين إلى أن قوات الأمن لا تزال تعتمد على هذا الدعم الجوي، خاصة وأن المتمردين يحافظون على التفوق العددي إذا تمكنوا من جمع ما يصل إلى ١٠٠٠ مسلح كما فعلوا في يوليو.

من غير المرجح أن تعمل قوات الأمن على تدهور مناطق الدعم على طول الحدود الجزائرية وعبرها بشكل دائم بسبب العلاقات المتوترة بين مالي والجزائر. توسطت الجزائر ودعمت بقوة اتفاق السلام لعام ٢٠١٥ بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق الانفصاليين وحاولت إنقاذ الاتفاق في ديسمبر ٢٠٢٣ بسبب المخاوف من أن تجدد الأعمال العدائية في مالي من شأنه أن يحشد السكان الطوارق في الجزائر ويتسبب في فرار اللاجئين إلى الجزائر. سحبت مالي سفيرها من الجزائر ردًا على تلك الجهود واتهمت الجزائر بتقويض سيادتها حيث انسحبت رسميًا من اتفاق السلام في يناير ٢٠٢٤.

أشارت الجزائر مرارًا وتكرارًا إلى معارضتها الشديدة للأنشطة العسكرية المالية على طول حدودها، وخاصة عبرها. أجرت الجزائر تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية على حدودها مع مالي في فبراير ٢٠٢٤ لردع التجاوزات المالية. دعا ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة إلى المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وإنهاء "أنشطة المرتزقة" في مالي في ٢٧ أغسطس في بيان عقب ضربات متعددة بطائرات بدون طيار بالقرب من تينزاوتين أسفرت عن مقتل مدنيين.

قد يشير المعلقون العسكريون الروس الذين يصفون الوحدات الروسية المشاركة في الهجوم كجزء من فيلق أفريقيا المرتبط بوزارة الدفاع الروسية إلى أن وزارة الدفاع عززت سيطرتها على الوجود الروسي في مالي. قال المعلقون العسكريون الروس البارزون في أعقاب هجوم يوليو أن وزارة الدفاع ستستخدم الحادث لاستبدال مقاتلي مجموعة فاجنر بمجندين من فيلق أفريقيا. أنشأت وزارة الدفاع فيلق أفريقيا لتولى رسميًا عمليات مجموعة فاجنر في مالي فى أواخر عام ٢٠٢٣ كجزء من جهودها لاستيعاب محفظة فاجنر العالمية بعد وفاة زعيم فاجنر يفجينى بريجوزين في أغسطس ٢٠٢٣. لقد دعم أفراد وزارة الدفاع الروسية بالفعل نشاط فاجنر في مالي بشكل كبير قبل إنشاء فيلق أفريقيا، وتركت فاجنر دون مساس تقريبًا في مالي طالما وقع المقاتلون عقود وزارة الدفاع، مما يعنى أنه لم يكن هناك سوى القليل من التغيير الملموس للقوات الروسية في البلاد.

إن التوصيف الروسي للهجوم الأخير باعتباره عملية لفيلق أفريقيا من شأنه أن يشير إلى تحول فى جهود الكرملين لوصف نشاطه في مالي. فقد احتفظت روسيا بصور مجموعة فاجنر كجزء من عملياتها في مالي للحفاظ على قشرة رقيقة من الإنكار المعقول. وقد منحت هذه الخطوة المجلس العسكري المالي الثقة لمواصلة الكذب بشأن وجود القوات الروسية في مالي. كما مكن هذا التأطير روسيا من تأطير أخطاء مثل كمين يوليو باعتبارها هزيمة لفاجنر بدلًا من هزيمة روسية.

التأثير على الأمن الإقليمي:

التحركات العسكرية الأخيرة في شمال مالي بين القوات المالية المدعومة بالقوات الروسية والمتمردين الطوارق، وكذلك الضربات الجوية المشتركة مع قوات بوركينا فاسو، تمثل تصعيدًا كبيرًا فى النزاع المسلح الذى يشهده شمال مالي منذ سنوات. هذا التصعيد سيكون له تأثيرات أمنية متعددة على المنطقة، بما فى ذلك:

زيادة التوترات الإقليمية: انتشار القوات المالية والروسية شمالًا نحو كيدال والمناطق الحدودية سيزيد من التوترات مع الجماعات المسلحة المتمردة، خاصة المتمردين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM). هذه الجماعات قد تستغل الوضع لزيادة هجماتها ضد القوات الحكومية وحلفائها.

توسيع رقعة النزاع: الضربات الجوية والعمليات العسكرية في مناطق مثل تينزاوتين تشير إلى نية القوات المالية والروسية توسيع سيطرتها في الشمال. ومع ذلك، تصعيد القتال في هذه المناطق الحدودية يمكن أن يؤدى إلى توسع رقعة النزاع إلى الدول المجاورة مثل النيجر والجزائر.

تنامى الدور الروسي في المنطقة: استمرار الدعم العسكري الروسي لمالي يشير إلى تعزيز النفوذ الروسي في غرب إفريقيا، ما يمكن أن يثير قلق القوى الغربية، مثل فرنسا، التي كانت لها تقليديًا دور كبير في مكافحة الإرهاب في المنطقة. هذا يمكن أن يؤدى إلى تحولات فى التحالفات الإقليمية وتأثير على العمليات الدولية فى منطقة الساحل.

زيادة الأنشطة الإرهابية: الصلات بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والمتمردين الطوارق تشير إلى أن الجماعات الجهادية قد تستغل النزاع لتوسيع نفوذها وشن مزيد من الهجمات على القوات المالية والروسية. تدهور الوضع الأمنى فى هذه المناطق يمكن أن يؤدى إلى تصاعد النشاط الإرهابى ليس فقط فى مالي، بل أيضًا فى مناطق الساحل الأوسع.

الأزمة الإنسانية: استمرار العمليات العسكرية وتصاعد القتال سيؤدى إلى مزيد من النزوح السكانى وتدهور الأوضاع الإنسانية فى المناطق الشمالية من مالي، ما سيزيد من التحديات الأمنية والاجتماعية للحكومات فى المنطقة، ويزيد الضغط على المنظمات الدولية العاملة فى مجال الإغاثة.

بالمجمل، من المتوقع أن تساهم هذه التطورات فى زعزعة استقرار منطقة الساحل بأكملها، مما يزيد من التحديات الأمنية لدول المنطقة ويعقد جهود مكافحة الإرهاب فيها.

تنامى التطرف:

تصاعد النزاع فى شمال مالى وتدخل القوات المالية المدعومة بالقوات الروسية يمكن أن يؤدى إلى زيادة التطرف فى المنطقة لعدة أسباب:

استغلال الجماعات الإرهابية للفراغ الأمني: المناطق التى تشهد صراعات طويلة الأمد مثل شمال مالى عادةً ما تعانى من فراغ أمنى وضعف السيطرة الحكومية. هذا يسمح للجماعات المتطرفة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باستغلال الوضع لكسب مؤيدين جدد، خاصة فى المناطق النائية التى تفتقر إلى الخدمات الحكومية والأمن.

ردود الفعل على التدخلات الخارجية: التدخل الروسى فى مالى قد يُنظر إليه على أنه قوة أجنبية تعمل ضد السكان المحليين، مما يمكن أن يغذى المشاعر المناهضة للغرباء. الجماعات المتطرفة غالبًا ما تستغل هذه المشاعر لتجنيد الأفراد من المجتمعات المهمشة التى تشعر بالتهديد أو الإقصاء من قبل القوات الحكومية أو الأجنبية.

تفاقم الوضع الإنسانى كبيئة خصبة للتطرف: تزايد النزوح الداخلى وتدهور الأوضاع المعيشية نتيجة العمليات العسكرية سيؤدى إلى شعور الكثير من الأفراد بالإحباط واليأس، وهو ما قد يدفع البعض إلى الانضمام للجماعات الإرهابية بحثًا عن الحماية أو الدعم الاقتصادي. هذا الوضع يوفر بيئة خصبة للتجنيد، حيث تكون الجماعات المتطرفة قادرة على تقديم الدعم المالى واللوجستى مقابل الولاء.

زيادة العنف الطائفى والإثني: مع تصاعد النزاع بين القوات المالية والمتمردين الطوارق، يمكن أن يؤدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات الإثنية والطائفية. الجماعات المتطرفة قد تستغل هذه التوترات لتعزيز خطابها المتطرف، موفرةً بديلًا أيديولوجيًا لأولئك الذين يشعرون بالاضطهاد أو الحرمان بسبب هويتهم الإثنية أو الدينية.

تحالفات بين المتمردين والجماعات الإرهابية: التعاون المحتمل بين المتمردين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) يشير إلى تحالفات استراتيجية بين الجماعات الانفصالية والجماعات الإرهابية. هذا التعاون قد يعزز من قوة الجماعات الإرهابية، ويوفر لها مزيدًا من الدعم اللوجستى والعملياتي، مما يزيد من تعقيد النزاع ويصعب على القوات الحكومية وحلفائها السيطرة على الوضع.

فشل الدولة فى توفير الأمن والخدمات: استمرار القتال وضعف القدرة الحكومية على فرض الأمن وإعادة الاستقرار فى المناطق الشمالية سيؤدى إلى تآكل شرعية الحكومة فى أعين السكان المحليين. عندما تفشل الدولة فى توفير الحماية والأمن، يتزايد اللجوء إلى الجماعات المسلحة أو المتطرفة التى تقدم نفسها كبديل يوفر الأمن والخدمات.

بالتالي، فإن الصراع المستمر فى شمال مالى والمناطق المحيطة بها سيسهم بشكل كبير فى تنامى التطرف والإرهاب، مما يشكل تهديدًا طويل الأمد للاستقرار فى منطقة الساحل بأسرها.

تمدد تنظيمى القاعدة وداعش:

تصاعد الصراع فى شمال مالى والتدخلات العسكرية الجديدة من قبل القوات المالية والروسية قد يُسهم فى تمدد تنظيم القاعدة (خاصة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) وتنظيم داعش فى المنطقة لعدة أسباب:

استغلال الفوضى الأمنية:

تنظيمى القاعدة وداعش غالبًا ما يستغلان الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسى لتوسيع نفوذهما. العمليات العسكرية التى تقوم بها القوات المالية والروسية ضد المتمردين الطوارق والجماعات المتطرفة يمكن أن تُضعف السيطرة الحكومية فى مناطق أخرى. هذا الفراغ الأمنى سيمكّن التنظيمين من التوسع فى مناطق جديدة فى شمال مالي، وعلى الحدود مع النيجر والجزائر.

استقطاب المقاتلين المحليين:

مع تزايد الضربات العسكرية على المتمردين الطوارق والجماعات المسلحة، سيجد العديد من الأفراد أنفسهم مضطرين للانضمام إلى القاعدة أو داعش بحثًا عن الحماية أو لمواصلة القتال ضد القوات الحكومية وحلفائها. الجماعات الإرهابية غالبًا ما تستغل مشاعر الاضطهاد والظلم لدى السكان المحليين لتجنيد مزيد من المقاتلين، ما يمكن أن يزيد من قوتهم العملياتية.

التنافس بين القاعدة وداعش:

الوضع الأمني المتدهور قد يؤدى أيضًا إلى زيادة التنافس بين القاعدة وداعش في المنطقة. كل منهما يسعى إلى استغلال الفراغ الأمني وتجنيد مزيد من الأتباع لتعزيز نفوذهما في المنطقة. هذا التنافس قد يُترجم إلى تصعيد في الهجمات الإرهابية سواء ضد القوات الحكومية أو حتى ضد بعضهما البعض، مما يزيد من عدم الاستقرار.

توسيع نطاق العمليات:

كل من القاعدة وداعش قد يستغلان تصاعد النزاع فى مالى لتوسيع نطاق عملياتهما إلى دول مجاورة. المنطقة الساحلية المحيطة بمالي، بما فى ذلك النيجر وبوركينا فاسو، قد تشهد تزايدًا فى الهجمات الإرهابية والعمليات التخريبية مع محاولات التنظيمين لفرض سيطرتهما فى مناطق جديدة، مستغلين الحدود المفتوحة والفراغ الأمني.

إضعاف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب:

تزايد النفوذ الروسي في مالي، والذى يترافق مع انسحاب أو تقليص القوات الغربية مثل فرنسا، قد يُضعف التنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. القوات الغربية كانت لها دور رئيسي في محاربة التنظيمين، ومع تقليل وجودها، يمكن أن يتمدد كل من القاعدة وداعش بسهولة أكبر دون مواجهة ضغوط قوية.

دعم المتمردين المحليين:

التقارير تشير إلى أن هناك تحالفًا غير رسمي بين المتمردين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (التابعة للقاعدة). هذا التحالف يمكن أن يُعزز من قدرة التنظيمات الإرهابية على تنفيذ عمليات أكبر وأكثر تعقيدًا، ما يسهم في انتشار نفوذ القاعدة وداعش في المنطقة. إذا استمرت مثل هذه التحالفات، فسيصبح من الصعب على القوات المالية والروسية السيطرة على المناطق الشمالية.

زيادة التوترات الإثنية والطائفية:

تنظيمي القاعدة وداعش يعتمدان على تعميق الانقسامات الإثنية والطائفية في مناطق النزاع. فى مالي، التوترات بين العرب، الطوارق، والفولانيين تجعل من السهل استغلال هذه الانقسامات لتعزيز قوتهم، خاصةً عندما يُقدمون أنفسهم كحماة للأقليات الإثنية أو الدينية التي تشعر بالاستهداف.

إحكام السيطرة على طرق التهريب:

تُعد مالي منطقة استراتيجية لطرق التهريب عبر الصحراء الكبرى، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر. القاعدة وداعش يعتمدون بشكل كبير على هذه الشبكات لتمويل عملياتهم، وقد يسعون للسيطرة على تلك الطرق بالتزامن مع تزايد الفوضى، مما يُعزز من قدرتهم على التحرك وتمويل عملياتهم الإرهابية.

إن تصاعد العمليات العسكرية في شمال مالي قد يؤدي إلى زيادة الفراغ الأمني والفوضى، مما سيوفر بيئة خصبة لتمدد تنظيم القاعدة وداعش. ومع تزايد التوترات، والانسحاب الغربي، وتعقيد التحالفات المحلية، ستجد التنظيمات الإرهابية فرصة لتوسيع نفوذها، ما يمثل تهديدًا طويل الأمد لاستقرار منطقة الساحل ويمتد إلى دول الجوار.

فى الختام، يعكس التصعيد العسكرى فى شمال مالي، بمشاركة القوات المالية والروسية، تعقيد المشهد الأمنى فى المنطقة وما يحمله من تداعيات خطيرة. فى ظل ضعف السيطرة الحكومية، واستغلال الجماعات المتطرفة للفراغ الأمني، يلوح فى الأفق احتمال تمدد تنظيم القاعدة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى جانب تنظيم داعش. هذه الجماعات الإرهابية تستفيد من الفوضى، التوترات الإثنية، والضعف الدولى فى مواجهة تصاعد نفوذها. مع استمرار هذا الوضع، فإن منطقة الساحل بأسرها قد تصبح ملاذًا جديدًا للتطرف العنيف، ما يهدد استقرار الدول المجاورة ويعقد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. لذا، فإن الحلول السياسية والتنموية المتكاملة إلى جانب العمليات العسكرية تبقى ضرورية لمنع تفاقم الأزمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق