السالك: الجزائر استغلت البوليساريو ضد المغرب .. واستقلال الصحراء مستحيل

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية يعود المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو والمنسق العام لتيار “خط الشهيد” المعارض، بالتاريخ إلى الوراء ليسلط الضوء على جوانب مظلمة من التاريخ المعقد لجبهة البوليساريو من التأسيس إلى اليوم؛ يكشف، وهو الشاهد على الأحداث، عن طبيعة العلاقات التي كانت تربط هذا التنظيم بمخابرات ليبيا والجزائر، وعن مختلف التطورات التي مر بها، من حمل السلاح ضد إسبانيا ثم في وجه الوطن، وصولًا إلى التحول إلى أداة للصراع الإقليمي حول النفوذ في المنطقة المغاربية.

وأكد السالك، الذي ذاق مرارة سجن الرشيد الرهيب، في هذا الجزء الأول من الحوار، أن تجربة السجن مكنته من مراجعة أفكاره والوقوف عند حقيقة قيادات البوليساريو، ومن غربلة مفاهيم ثورة التحرير والاستقلال وتقرير المصير؛ واعتبر أن فقدان الأمل في إصلاح هذا التنظيم، الذي كان من مؤسسيه، وغياب مقومات التداول على السلطة ومفاهيم الديمقراطية لدى قادته، دفعه إلى الوصول إلى قناعة راسخة مفادها أن “حل النزاع في الصحراء لا يمكن أن يكون إلا في إطار الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب للتسوية”.

وشدد المتحدث ذاته على أن خيار “الاستقلال”، الذي مازالت تتبناه القيادة الحالية لجبهة البوليساريو، لم يعد ممكنًا منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين المملكة المغربية عام 1991؛ كما أشار إلى أن قرار الجبهة العودة إلى الحرب أو ما تسميه “الكفاح المسلح”، بعد تأمين الجيش المغربي معبر الكركرات أواخر عام 2020، كان خطأً وعملية انتحارية أقدمت عليها.

نص الحوار:

نبدأ معك من ظروف وبدايات تأسيس البوليساريو، هل صحيح أن الجبهة تأسست داخل أروقة المخابرات الليبية في طرابلس قبل مؤتمر الزويرات؟

لا، التأسيس الفعلي للجبهة كان عقب المظاهرات التي قمنا بها في مدينة طانطان في المغرب عام 1972، حيث جرى اعتقالنا وتعذيبنا على خلفيتها من طرف السلطات المغربية. قال لنا أحد القياد، يُكنى بالعكوري، إنه لا مكان للفوضى في المغرب، وإذا كنتم تريدون الدخول إلى الصحراء فاذهبوا إليها.

ومن هنا قرر الوالي مصطفى السيد إطلاق التنظيم التأسيسي للبوليساريو، التي كنا نسميها الحركة الجامعية، ليبدأ بعدها تكوين الخلايا في جنوب المغرب وفي موريتانيا وفي تندوف، حيث يوجد صحراويون. على هذا الأساس بدأت الجلسة الأولى للمؤتمر التأسيسي في طانطان، والثانية في تندوف، والثالثة والأخيرة في مدينة الزويرات، حيث تأسست البوليساريو فعليًا.

لكن بعض الشهادات، ومنها شهادة ضابط المخابرات الليبي محمد سعيد القشاط في مذكراته، تتحدث عن أن فكرة تأسيس البوليساريو انطلقت من طرابلس التي زارها الوالي مصطفى السيد. هل هذا صحيح؟

أنا أحترم الدكتور محمد سعيد القشاط لأنه صديقي وأعرفه جيدًا، لكن أؤكد أن ليبيا ساعدت في تأسيس وتقوية البوليساريو، وفي المقابل أؤكد أن الجبهة تأسست وليبيا نفسها لا تعرف عنها شيئًا. القشاط جاءنا إلى الزويرات سنة 1974، والتقى بالثوار قبل أن يكتب كتابه المشهور “من الساقية إلى ظفار”.

وهو تحدث عن زيارة معمر القذافي إلى مدينة “أطار” في موريتانيا عام 1972، حيث أكد على ضرورة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار الإسباني. في ذلك الوقت كنا حركة جنينية، فقمنا بمراسلة الليبيين وقلنا لهم إننا أبناء الصحراء ونرغب في تحرير بلادنا من الاستعمار، إذا كنتم بالفعل مهتمين بمساعدتنا في هذا الإطار.

ولهذا عندما أعلنا نيتنا تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب جاءنا محمد سعيد القشاط مبعوثًا من القذافي، وبدأنا التفكير في تأسيس البوليساريو. بعد ذلك كانت زيارة الوالي مصطفى السيد إلى ليبيا التي أثرت بشكل كبير في القذافي، فنجح الوالي بعبقريته في كسب دعمه. وللعلم كان الوالي الشخص الوحيد الذي يملك رقم هاتف القذافي، وكان بإمكانه الاتصال به في أي وقت.

بعدها استمر النقاش حول كيفية الحصول على السلاح، وظهرت أيضًا فكرة تحويل البوليساريو إلى نواة للثورة ضد الأنظمة المغاربية، بما يشمل المغرب وتونس وموريتانيا. وقد طرحت فكرة تدريب المعارضين في معسكرات الجبهة عام 1975، بعد المسيرة الخضراء. وبالفعل جاء مجموعة من الشباب الموريتاني وتلقوا التدريب في المخيمات، لكن بعد وفاة الوالي مصطفى السيد تم اعتقالهم وتعذيبهم من طرف قيادة البوليساريو؛ ومازال بعضهم على قيد الحياة، وهذه هي الحقيقة. قد يتحدث القشاط من الخارج، لكني أتحدث من واقع عشته.

إذن، أول قطعة سلاح حصلت عليها البوليساريو كانت ليبية، ووصلتك عبر السفارة الليبية في نواكشوط، أليس كذلك؟

تمامًا. الوالي كان بحاجة إلى السلاح. المغرب لم يمدنا بالأسلحة، وكذلك الجزائر. كنا نقاتل إسبانيا بأسلحة قديمة تعود إلى أيام جيش التحرير المغربي في الخمسينيات، بينما كانت القوات الإسبانية تمتلك عتادًا حربيًا متطورًا.

بناءً على ذلك ذهب الوالي إلى القذافي وقال له: “نحن مستعدون للموت في سبيل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار، فأعطونا السلاح لكي نحارب”؛ فأخبره القذافي بأنه لا يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، لأن الجزائر تسيطر على المنطقة، وكذلك موريتانيا والنيجر ومالي، وأضاف أنه لا يمكن تمرير السلاح من هذه المنطقة.

واقترح الوالي في البداية نقل السلاح من واحة غدامس في ليبيا عن طريق الجمال ليستلمه الثوار الصحراويون في منطقة أزواد بمالي. وتم تنفيذ ذلك، لكن هذه الشحنة سقطت في يد القوات الجزائرية في برج المختار على الحدود مع مالي، وفشلت المحاولة. كذلك فشلت محاولة ثانية لنقل السلاح عبر غينيا بيساو بعد ضبطها من قبل السلطات السنغالية.

بناءً على ذلك طلب الوالي من القيادة الليبية إرسال الأسلحة عبر السفارة الليبية في نواكشوط داخل حقائب دبلوماسية، لتجنب التفتيش. وهكذا كان، وتلقت البوليساريو أول قطعة سلاح من ليبيا، نفذنا بها عملية ضد الجيش الإسباني في 20 مايو 1974، حيث فوجئت إسبانيا بنوعية الأسلحة الحديثة التي استخدمناها في العملية. من هنا بدأت تتزايد أهمية القضية الصحراوية، مدعومة بالدعاية التي تروج بأن الجبهة تمتلك أسلحة لا تمتلكها القوات الإسبانية نفسها.

طيب، لكن القذافي كان يحلم بخلافة جمال عبد الناصر على زعامة القومية العربية، وأكيد أن مساعدته لكم كانت لأهداف واضحة. هل كان الوالي واعيًا بهذا الأمر؟ وهل كان يدرك حينها أن البوليساريو ستتحول إلى أداة في يد بعض الدول لتحقيق أهدافها؟ وهذا ما كان بالفعل.

الوالي لم يكن كقيادة البوليساريو الحالية، كان إنسانًا عبقريًا بعيد النظر، ويفكر في كيفية خدمة أهله في الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولهذا استغل ليبيا وحصل منها على السلاح لكي يضغط على الجزائر التي لم تكن تريد حينها مساعدتنا. وسنة 1975، عندما قمنا بعمليات نوعية ضد الاستعمار الإسباني، حجز الجيش الإسباني أسلحة متقدمة كنا نستعملها، فاتصل الإسبان مباشرة بالمسؤولين العسكريين في تندوف، واتهموا الجزائر بمساعدتنا، لأن نوعية هذا السلاح لم تكن تملكها إلا الجزائر، وهو ما أدى إلى فزع وتخوف هذه الأخيرة التي فوجئت وتساءلت عن الطريقة التي استطعنا من خلالها تأمين هذه الأسلحة، رغم أنها تراقب كل المنطقة وحدودها.

بعد هذه الواقعة أرسلت الجزائر طائرة خاصة إلى الوالي مصطفى السيد للحضور إلى العاصمة، حيث التقى بالرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين. وهنا حكى لي الوالي أن أول ما قاله بومدين خلال اللقاء، حتى قبل أن يجلسا، هو: “من أين حصلتم على السلاح؟”؛ فما كان من الوالي إلا أن يؤكد للرئيس الجزائري أن الجبهة في حرب ضد قوة استعمارية، وأنها مستعدة للبحث عن السلاح ولو كان عند الشيطان.

بعد ذلك تفهم بومدين هذا الوضع، وأخبر الوالي بأن الجزائر مستعدة لتسليح وتدريب البوليساريو، وفعلاً فتح لنا باب التدريب، وكنت شخصيًا في قيادة أول دفعة ذهبت للتدريب في معسكر جزائري في منطقة “الجنين” بالقرب من بشار في مارس من العام 1975.

إلى هذا التاريخ لم تكونوا تتحدثون عن الانفصال عن المغرب. هذه الفكرة كيف جاءتكم لاحقًا؟

حتى ذلك التاريخ كنا نتحدث فقط عن تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار الإسباني، وكل ما قمنا به كان بهدف طرد المستعمر. أما فكرة الاستقلال والانفصال فبدأت تتبلور منذ المؤتمر الثاني للبوليساريو بتأثير جزائري كبير وتذبذب ليبي، والذي أكد وزكى هذه الفكرة هو توقيع اتفاقية 14 نوفمبر سنة 1975 لتقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا.

هذه الاتفاقية استغلتها الدعاية الجزائرية بشكل جيد لتكريس فكرة أن المغرب لا يريد الصحراء ولا يريد الصحراويين، وهذا ما شجع الكثير منهم على تبني فكرة الاستقلال وتأسيس الدولة، ليتم على هذا الأساس إعلان قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.

خلال هذه الفترة ما هي المهام أو المسؤوليات التي توليتها داخل البوليساريو؟

أنا كنت أولًا مسؤول المحافظة السياسية للجيش، بعدها وكما سبق أن قلت لك توجهت للتدريب في أول دفعة تجنيد في الجزائر، وهذه الدفعة ستكون النواة الأولى لما يعرف بـ “جيش البوليساريو”؛ وبعد ذلك تم تعييني كنائب للأمين العام السابق محمد ولد عبد العزيز في تندوف، وفي نوفمبر من العام 1975 فتحت لنا الجزائر إذاعة في العاصمة كانت تسمى “إذاعة الصحراء الحرة”، وبما أن المثقفين حينها كانوا قلائل، تم تعييني داخلها، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الوجه الإعلامي للبوليساريو، إلا أن تم اعتقالي.

بعد تجربة الاعتقال تحولت من “رفيق السلاح” إلى معارض للبوليساريو. هذا التحول هل كان غيرة على القضية أم احتجاجًا على تهميشكم وعدم حصولكم على نصيب في كعكة القيادة كما يُقال؟

أنا لم أكن أبحث عن نصيبي في الكعكة، وإنما كنت أبحث عن قناعاتي كمناضل يريد تحقيق كرامة للإنسان الصحراوي أينما كان. لما مات الوالي أتوا بمحمد ولد عبد العزيز الذي كان من الإطارات المتوسطة ولم يكن ضمن اللجنة التنفيذية، وبحكم أنه جزائري وكانت له أوراق ثبوتية جزائرية تم تعيينه كأمين عام جديد للجبهة. ومن هنا بدأ التفكير في مصير التنظيم وطرح سؤال: “إلى أين نحن ذاهبون؟”.

وقتها كنت مازلت مسؤولًا في الإعلام، لكن سنة 1979، ولكي تفرض نفسها على الصحراويين، قادت قيادة البوليساريو الجديدة حملة من الاعتقالات في صفوف كل من يخالفها وزجت بهم في السجون السرية ومارست عليهم مختلف أشكال التعذيب. وهناك من المعتقلين من توفي، فيما فقد أزيد من 650 منهم في هذه السجون السرية.

في تلك السنة ذهبت إلى المخيمات لأني كنت أشتغل في الجزائر، ووجدت بعض أصدقائي الذين كانوا معي في الثورة، وأنا من أدخلهم إلى البوليساريو، وجدتهم معتقلين، وتوجهت مباشرة إلى أحد مدراء الأمن للاستفسار عن سر هذا الأمر وهذه الفوضى، فما كان منه إلا أن يطلب مني الاهتمام بشؤوني الخاصة، لأن القضية قضية أمن قومي ومخابرات وما إلى ذلك.

وتشاجرت مع هذا المسؤول الأمني لأنني اعتبرت أن ما تقوم به القيادة في حق الصحراويين شبيه بما قامت به إسبانيا في حقهم، ثم عدت إلى الجزائر. بعد شهرين، وصلتني رسالة من الرابوني تطلب مني الالتحاق بتندوف، وذهبت واشتغلت في الإذاعة الوطنية التي أنشأتها ليبيا في المخيمات، وعملت فيها لمدة سنة قبل أن يتم اقتيادي إلى معتقل 12 أكتوبر، الذي كان عبارة عن سجن سري للترهيب.

بعد ذلك، وفي الثالث من مارس 1982، تم اختطافي من المعتقل ووضعت في قبر تحت الأرض في سجن الرشيد، حيث قضيت ست سنوات من التعذيب الرهيب. وإذا كنت أتحدث إليك اليوم فأنا أشكر الله الذي أخرجني من هذا السجن، لأن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، فحتى زوجتي وأولادي لم يكونوا يعلمون بمكان تواجدي.

في السجن تغيرت لدي كل الأفكار واكتشفت أنه لا توجد لا ثورة ولا استقلال ولا تقرير مصير، بل هناك متاجرة بالنزاع الذي تستغله الجزائر لتوريط المغرب، وأن الصحراويين أصبحوا ضحية عملية مقايضة في إطار الصراع بين المغرب والجزائر للهيمنة على المغرب العربي. وعرفت أن كل شيء انتهى بعد وفاة الوالي، وعلى هذا الأساس تبنيت الطرح المعارض وكنا نمارسه في المخيمات، حتى إن بعض أصدقائي نصحوني بالعودة إلى المغرب، لكن لم أكن أريد أن أترك زوجتي وأولادي خلفي؛ وقضيت سنوات طويلة لكي أخرجهم من المخيمات وتمكنت من ذلك سنة 2003، وبعدها بدأنا التفكير في تأسيس تيار خط الشهيد كخط معارض يدعو إلى إصلاح البوليساريو وتحقيق العدالة والديمقراطية داخل الجبهة.

تيار خط الشهيد أسس في إسبانيا، أليس كذلك؟

فكرة التأسيس تبلورت من داخل المخيمات خلال المؤتمر الحادي عشر للجبهة، لكن التأسيس كان في العاصمة الإسبانية، مدريد، خاصة أننا اتصلنا بالخارجية والمخابرات الجزائرية وأخبرناهم بأن لدينا مواقف معارضة للقيادة، ومن حقنا التعبير عنها داخل المخيمات؛ فمثلما أنهت الجزائر هيمنة الحزب الوحيد وأقرت التعددية الحزبية يجب أن يتم الشيء نفسه داخل المخيمات، لكن رد الجزائر كان كالتالي: “لا نريد فوضى فوق التراب الجزائري، ومن يريد أن يعارض البوليساريو فليقم بذلك في الخارج”.

طيب، لكن هناك من يقول إنكم حركة بدون قواعد شعبية، خاصة في تندوف. ما هو حجم حضوركم داخل المخيمات؟

حضورنا في المخيمات يتمثل في تجاوب جميع الناس هناك مع فكر تيار خط الشهيد الذي يحمل برنامجًا سياسيًا واضحًا يقوم على فضح القيادة الحالية وغياب ميكانيزمات وآليات الديمقراطية في تندوف، واستمرار مسرحية المؤتمرات التي تعقدها قيادة الجبهة من أجل التصفيق على نفسها ولتكرس بقاءها في السلطة، وإلا فلماذا ترفض ومعها الجزائر أن تفتح حوارًا جادًا وتسمح لنا بممارسة حقنا في المعارضة وإجراء انتخابات نزيهة؟.

مفهوم، لكن هناك أيضًا من يعتبر أن نقطة ضعفكم أنكم تنتمون إلى مجموعة قبلية محدودة التأثير، بينما في الصحراء هناك كتل قبائلية مؤثرة (الركيبات/ الثكنة/ ولادليم)، وأي فعل سياسي خارج هذه المعادلة القبلية الثلاثية محكوم عليه بالموت بحكم بنية المجتمع الصحراوي، هل هذا واقع؟

هذا الواقع استخدمته البوليساريو في المخيمات واستخدمه أصحاب الريع في المناطق التي يسيرها المغرب، لكن لدينا برنامج سياسي. نحن أتينا ببرنامج سياسي يقضي على هذا الجانب القبلي، لأنه إما أن تكون أمام برنامج سياسي واضح أو أمام برنامج قبلي، وهذا الأخير نتيجة سلبية حتمًا ومحكوم عليه بالفشل، لأنه مبني على أساس إثني وقبلي، أما السياسي فمبني على مواقف وبيانات وتأكيدات سياسية.

ومن هنا أقول إن موقف تيار خط الشهيد مبني على أساس أن هذا النزاع طال أكثر من اللازم، وأننا صرنا أمام حلين لا ثالث لهما بسبب ضعف قيادة البوليساريو وفسادها، وهما: إما البقاء في الحمادة إلى ما لا نهاية أو التفاوض مع المغرب من أجل تنزيل حل الحكم الذاتي لنعيش جميعًا في دولة الحق والقانون.

ألا ترون أن مطالبتكم بإصلاح البوليساريو من الداخل أو مراجعة مواقفها السياسية مستحيلة التحقق، لأن التنظيم بُني على وعد قُدم لسكان المخيمات بتأسيس دولة لهم في الصحراء، وأي قبول بغير ذلك هو انتحار سياسي بالنسبة للبوليساريو وقادتها؟

نحن مع تحقيق العدالة والديمقراطية داخل البوليساريو، وهدفنا كان هو التناوب على السلطة كنموذج حضاري، وأيضًا كان هو احترام كرامة الإنسان الصحراوي أينما كان. لكن عندما اجتمعت اللجنة التنفيذية لتيار خط الشهيد وراجعنا مواقفنا منذ سنة 2004 إلى حدود سنة 2022 خرجنا بقناعة راسخة بأنه ليس هناك أمل لإصلاح قيادة البوليساريو، لأن قرارها ليس في يدها بل في يد المخابرات الجزائرية، ونحن عاجزون عن إصلاح هذه المخابرات.

ولهذا أعلنا أن الحل إما هو البقاء في الحمادة إلى ما لا نهاية، وهذا ما لا نريده، وإما الحكم الذاتي، ولذلك عبرنا عن مساندتنا ودعمنا لهذا الحل. وأنا شخصيًا دعوت أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المنتظم الدولي إلى تشجيع المغرب على تفعيل الحكم الذاتي لإنهاء النزاع، لأن هناك بعض الميكروبات التي تعيش عليه، سواء في شرق الجدار أو غربه.

قلت في تصريح سابق إن الاستقلال في الصحراء لم يعد ممكنًا، خاصة بعد وقف إطلاق النار سنة 1991، لماذا في نظركم؟

توقيع اتفاق وقف إطلاق النار يعني أن الحرب لم تعد موجودة، والحرب هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى حل في إطار المفاوضات مع المغرب. فالملك الحسن الثاني استقبلنا في مراكش في عز الحرب في الصحراء، وعرض علينا العودة والاحتفاظ بالعلم، لكن مع الحفاظ على مقدسات وعملة الدولة المغربية، لكن الجزائر رفضت، وبالتالي بقينا في الحمادة. وحاولت القيادة تشكيل دولة في الرابوني، غير أن الحقيقة هي أنه لا استقلال ولا تقرير مصير ولا استفتاء؛ هذه أحلام كانت في السبعينيات من القرن الماضي، واليوم أصبحت من المستحيل. لهذا قلنا إن المهم بعد ذلك هو التفكير في كيف يمكن أن نكون قوة سياسية للتفاوض مع المغرب من أجل تحقيق الحكم الذاتي.

طيب، كيف استقبلتم قرار البوليساريو العودة إلى ما تسميه “الكفاح المسلح” سنة 2020؟

نحن اعتبرنا أن العودة إلى الحرب مجرد سياسة لإلهاء السكان في المخيمات، لأن القيادة تكذب عليهم منذ عقود ووعدتهم بالاستقلال والتحرير، ولا شيء تحقق من كل ذلك. لذلك فإن هذا القرار موجه فقط للاستهلاك الداخلي وبعيد كليًا عن المنطق، لأنه لا يوجد عاقل في المخيمات مستعد للموت في وقت يرى أبناء القيادة يدرسون في الخارج ويعيشون في النعيم. وبالتالي فإن قرار الرجوع إلى الحرب هو عملية انتحارية مازالت البوليساريو تحصد تبعاتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق