"عيون موسوعة الملحون".. الأكاديمية تقدم جديد "أنطولوجيا ديوان المغاربة"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

أنطولوجيا للملحون المغربي من المرتقب أن تصدر عن أكاديمية المملكة المغربية بعنوان “من عيون دواوين موسوعة الملحون”، قُدِّم جديد إعدادها، الثلاثاء، بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، بعد إتمام تسجيل 60 قصيدة ملحون، و60 مقدّمة شعرية “سرّابة”، عقب انتقاء، وتدوين موسيقيّ، مع تعريفات وتأريخ.

يأتي هذا بعد سنة من إعلان منظمة اليونسكو الملحون تراثا عالميا للإنسانية، بعد عمل علمي توثيقيّ في مختلف جهات المغرب أشرفت عليها أكاديمية المملكة المغربية، وهي مبادرة اجتمعت من أجل تحقيق أهدافها لجنة خاصة تابعة للأكاديمية، يشرف عليها فنيا وتقنيا المخرج المسرحي عبد المجيد فنيش، بعد جهود أخرى لحفظ “ديوان المغاربة”، من بينها إصدار الأكاديمية “معلمة الملحون” التي أعدّها محمد الفاسي، و”موسوعة الملحون” التي أشرف على لجنتها عباس الجراري.

عنايةٌ واحتفاء

مصطفى الزباخ، مقرر أكاديمية المملكة المغربية، قال إن الأكاديمية تحتفي بذكرى تصنيف تراث الملحون تراثا إنسانيا لا ماديا لدى اليونسكو، وهو ما كانت وراءه جهود أكاديمية المملكة المغربية التي قدمت ملفه المطلبي في سنة 2019، واستجيب له، بعد جهود راكمتها الأكاديمية، من بينها جهود خاصة لأمين السر الدائم للأكاديمية باتصالات متواصلة لإقناع الجهات العالمية المسؤولَة بحق تراث الملحون في أن يكون تراثا إنسانيا عالميا.

وأضاف الزباخ في اللقاء التواصلي للأكاديمية و”لجنة الأنطولوجيا” بها أن اهتمام المؤسسة الثقافية الرسمية بـ”تراث أدب وفن الملحون لم يكن من قبيل الترف الفكري، بل هو مستند إلى مرجعيتين، أولاهما الاسترشاد بالعناية الكبرى لملوك الدولة العلوية بتراث الملحون، ومنهم شعراء مثل المولى عبد الحفيظ الذي أصدرت الأكاديمية ديوانه عام 2014″.

وأردف قائلا إن الملك الحسن الثاني قد منح هذا التراث قدرا كبيرا من العناية حتى سماه الفن البديع والأدب الرفيع، كما أحاط الملك محمد السادس هذا التراث بعناية ورعاية كبيرة، وابتهج بإحياء تراث شعراء لهم باع طويل في التراث المغربي.

أما ثاني المرجعيات فكون “الأكاديمية منذ نشأتها قد وعت أهمية هذا التراث الذي يختزن قيما مجتمعية وحضارية ووطنية، إلى جانب صوره الفنية وتعابيره الأدبية”، وقد “عملت على جمع تراثه ودراسة نصوصه ونشره، في “معلمة الملحون” للفاسي و”موسوعة الملحون” التي أشرف عليها عباس الجراري”، وذكر أن هذا العلم المغربي البارز الراحل في السنة الفارطة من المرتقب أن تنظم ندوة دولية في 23 من شهر يناير الجاري اهتماما بتراثه وأعماله.

وتابع المتحدث: “إن الملحون هو “ديوان المغاربة” بدون منازع، ويمثل نمطا تعبيريا متميزا، لجميع الخصوصيات المحلية للمغرب، واعتمادا على هذا، واصلت الأكاديمية اعتماد دواوينه ونشرها، وقد بلغت 11 ديوانا، من المرتقب أن تليها خمسة أخرى قيد النشر”.

مراجعة مسلّمات

نادى عبد العزيز بنعبد الجليل، عضو بلجنة أنطولوجيا الملحون، بتجاوز فكرة “الملحون فراجْتُو فكْلامُو”، أي إن فرجته كلماتُه ومضامينها؛ لأنه إلى جانب تطور القصيدة الملحونية في بنائها العروضي ومضامينها الشعرية، واكب تطور آخر الملحون في بنيته اللحنية والإيقاعية.

وتطرقت كلمة بنعبد الجليل إلى “ظاهرة السرابة” وتميّز إلقاء قصيدتها، وتحدث عن “النغمة الموسيقية الموقعة”، وانفتاح “الآلة” التي وثّقت التواصل بينها وبين الملحون، بتواصل طابعه الأخذ والعطاء، واستمدت من الملحون البروَلَة الزجلية، وكان نصيب الملحون من طرب الآلة أعظم: “طبوعها النغمية، التي ولع أشياخ الملحون بها”.

وأثنى المتخصص في الموسيقى على عمل “أنطولوجيا من عيون دواوين موسوعة الملحون” قائلا إن هذا “إنجاز وطني كبير ضخم”، كما شرّح “البنية العامة للقصيدة الملحون”، ومستعملاتها بصفة عامة.

محسن نورش، مشارك بلجنة أنطولوجيا الملحون، ذكر بدوره أن هذا “عمل غير مسبوق جاء نتيجة جهود مبذولة من الأكاديمية لإيلاء العناية لهذا الفن الأصيل والتراث الحضاري القيم، الذي أعلن تراث لا ماديا إنسانيا لدى اليونسكو”.

ووضّح نورش التقاطع بين “السماع وهو ترتيل الأشعار الدينية الصوفية وفق طبوع وأنغام، اعتمادا على الأصوات والحناجر لغايات دينية تربوية، وطرب الملحون من حيث المكون النظمي الشعري؛ فالملحون رافد من روافد أركان السماع المتمثل في الشعر، وأبهى صوره مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمتد إلى شتى مناحي الحياة اليومية لشاعر الملحون”.

وأضاف المتدخل أن “أهل المديح والسماع قد أثروا الخزانة الملحونية بالقصائد، وشعراء الملحون أثروا المديح والسماع، وجلهم لبسوا خرقة التصوف وتجارب صوفية متعددة (…) وترجم المغاربة حب النبي صلى الله عليه وسلم، قصائد ونثرا، عالجوا فيه وبينوا فيه ولعهم بمحبته”.

ثم ختم مداخلته بالقول إن هذه الأنطولوجيا “عمل متميز سيصدر في القادم من الأيام، وسيكون تأصيلا لفن الملحون، ومدرسة للرجوع إليها من أهل الملحون والذائقين والتواقين لهذا التراث الأصيل”.

“أنطولوجيا الملحون”

قال عبد المجيد فنيش، المنسق العام لأنطولوجيا الملحون، إنه منذ 10 يناير من عام 2024، جرى تفعيل مخرجات قرار عام 2017، حيث “ترأس أمين السر الدائم جلسة بحضور 46 شخصية تمثل مجمل فسيفساء صناعة الملحون، وتفرعت عنها لجنة من ثلث أعضاء اللجنة الكبرى: 15 واحدا”.

وبعد ذكره أن “الأنطولوجيا تعني تجميع أكبر قدر ممكن من شيء في وثيقة مكتوبة أو سمعية”، استرسل قائلا إن “هذا الأمر معقد جدا بالنسبة للملحون؛ فالنموذج المقارن هو الموسيقى الأندلسية، التي هي من أسهل الفنون للتوثيق لأنها 11 نوبة، بينما للملحون بناءات عروضية مختلفة، و7000 قصيدة منذ أواخر العهد السعدي، بتفاوتات إبداعية؛ فلا يمكن أن يرد تفكير أحد في إصدار كل هذه النصوص”.

بالتالي كان “مخرج اللجنة هو الاعتماد على الدواوين الصادرة عن أكاديمية المملكة المغربية، وهي 11 ديوانا، أي اختيار جرى من بين 1700 قصيدة، وسميناها من عيون دواوين الملحون 15 .. حيث انتقينا من دواوين الأكاديمية أربع قصائد من كل ديوان، دون تشابه في الغرض والبناء العروضي، ووقفنا في الأخير على 60 قصيدة، علما أن الملحون لا يمكن أن يؤدَّى بالقصيدة فقط، ولذا أضفنا “السّرّابة”، واخترنا ستين سرابة، علما أن هذه السرابات لا يُعرَف أصحابها رغم أنها قصائد، فتمت الموافقة بين المضامين والبنيات العروضية في أزيد من 120 نصا شعريا”.

وتابع فنيش شارحا: “اكتمال فهم الوثيقة الورقية للملحون لا يتم إلا بالإنشاد، وهذا حجر الزاوية لاشتغال اللجنة”، التي قسّمت إلى ثلاث مجموعات، أولاها انتقت النصوص، والمجموعة الثانية كانت للإنشاد والموسيقى، والمجموعة الثالثة وقفت على ماهية الملحون، والتعريف بكل شاعر ديوان، مع إشارات إلى عروضها والتقائها مع قصيدة أخرى مثلا بعد قرون.

وكانت النتيجة “أننا ربحنا نصوصا لا يعرف أحد عليها شيئا، وهي مربوطة ببناءات عروضية غير معروفة عند المنشدين “قياسات”، بتمرين استمر منتظما مع كل المنشدين والعازفين، وربحنا 120 مشاركا من فنانين وشعراء عرفوا 30 ‘قياسا’ لم يكونوا يعرفونها من قبل، ونفخر بالوصول إلى هذا كلجنة”.

ومن بين ما حقّقته “الأنطولوجيا”، وفق منسقها العام: “القطع مع مفهوم حواضر الملحون، فوجدة غرناطية محضة، وتطوان أندلسية، والقنيطرة مدينة عبيدات الرما والعيطة الغرباوية، والعيون مدينة الطرب الحساني (…) ووصلنا إلى 16 مدينة، من بينها المذكورة سابقا، بدل الاكتفاء بثماني مدن كانت تسمى حواضر الملحون. إضافة إلى ممثلين للملحون في الغربة هم أربعة من أمريكا وبلجيكا وفرنسا (…) وكان عمر أكبر مشارك 87 سنة، وعمر أصغر مشاركة منشدة 15 سنة (…) بمسار تقني غير مسبوق في أداء الملحون؛ حيث إن القصيدة التي كان يؤديها مثلا شخص واحد في محاورة مثل “الحراز” أدّيت بعدد المنشدين الذين تحتاجهم المحاورة. وربحنا الأكبر هم الشباب، ومنهم من ضاها فنانين مكرّسين”.

وحول إدخال آلات جديدة في تسجيل “الأنطولوجيا”، ذكر فنيش أن “قوة الملحون في الموسيقى أيضا (…) لا في كلامه فقط كما هو شائع، و(الموسيقار) أحمد الوكيلي منذ سبعين سنة أدخل للأندلسي البيانو والأكورديون وغيره من الآلات، وهل سنكون محافظين أكثر منه؟ ولذا تجرأنا على آلات مثل القانون، والناي، والبانجو شيئا ما”.

وتعمل “الأنطولوجيا” على “توثيق الملحون، لا نصوص الملحون فقط، وقد أنهيت التسجيلات، التي هي المرحلة الأسهل، والآن نحن في مرحلة بناء التوزيع وإنشاء نسخة رئيسة (الماستورين) والتوضيب، بعدما اشتغل الفريق بنضالية كبيرة. والمطبوعات التي ستصدر، جزء منها دليل الأنطولوجيا تاريخا ومشاركين ومنجزات للأكاديمية في الباب، والثاني فيه ستون قصيدة وسرّابة، وتعريفات بالشيوخ، وتقطيع عروضي، وتدوينات موسيقية تمكن أي عازف موسيقي في العالم من عزف الملحون”، وفق عبد المجيد فنيش.

" frameborder="0">

عبد الله السعيد
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق