ألقى مفتي مصر، الدكتور نظير عياد، كلمةً رئيسة في فعاليات المنتدى الإسلامي العالمي المنعقد في موسكو، مركزًا على أهمية الحوار الإنساني كأداة أساسية لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب، وتبنيه كبديل فعال للصراع والنزاع الذي يسيطر على العالم.

وقال: “إننا نجتمع اليوم بهدف بحث قيمة الحوار كأساس للتعايش، وهذا الموضوع تدفعنا الحاجة الماسة إلى التباحث فيه في ظلِّ ما نشهده من صراعات وحروب تتزايد يومًا بعد يومٍ، وتكثر فيها حالات القتل والتشريد والإبادة”.

الاستخلاف الإلهي

أوضح مفتي مصر أنَّ الحوار يمثِّل “أعلى درجات الإنسانية وأكرمها، وهو ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات”، مؤكدًا أن الحوار الإنساني “أداة التواصل الوحيدة بين البشر لتحقيق التفاهم والتعايش المشترك”، مستشهدًا بما قدمه الإسلام من توجيهات للحوار، وأن الحوار الذي ندعو إليه ليس مجرد كلمات، بل عملية تفاعلية تهدف إلى فهم الآخر واحترام اختلافاته، وهي الطريقة المثلى لتحقيق التعايش السلمي.

وأضاف أنَّ الإسلام لم يجعل الاختلاف بين الشعوب منطلقًا للنزاع، بل جعله وسيلة للتعارف والتعاون من أجل الخير، لافتًا إلى أن “الحوار الإنساني هو الأداة الأساسية لتحقيق مقصد الاستخلاف الإلهي في الأرض”، مستندًا إلى قول الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، وأن الاستخلاف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار والتفاهم الذي يؤدي إلى التعاون والتكامل.

وتناول المفتي في كلمته دَور الحوار في بناء الحضارات، مؤكدًا أن التاريخ أثبت أن الحضارات لم تُبنى إلا من خلال التحاور الإنساني الذي أنتج حالة من التعايش السلمي وتبادل الخبرات، مضيفًا: “لقد أكدت التجربة الإنسانية على أن الاختلافات بين الشعوب كانت دائمًا نقطة إيجابية أدت إلى نمو العلاقات الثقافية والسياسية بينها”.

الإسلام يدعو للحوار

عرج مفتي الديار المصرية على نماذج عملية من التاريخ تؤكد دور الحوار في تحقيق التعايش، مستشهدًا بما فعله النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، عند دخوله المدينة المنورة، حيث اختار تعزيز قيم الحوار والتفاهم مع غير المسلمين، متعاهدًا معهم على التعايش المشترك والسلمي.

وأكد أن الإسلام دعا إلى الحوار وأسَّس له نظريًّا في القرآن الكريم وعمليًّا في السيرة النبوية، مستشهدًا بالعديد من الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحوار بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة. موضحًا أن النبي محمدًا حاور المسلمين وغير المسلمين بروح من التفاهم والاحترام؛ مما أسهم في نشر رسالة الإسلام بشكل سلمي.

وأضاف أنَّ الفقه الإسلامي قام بجهودٍ لا حصر لها في تعزيز مبادئ العيش المشترك، وتأطير قيم الحوار الراسخة، وإذا أنعمنا النظرَ في الكَمِّ المعرفي والثقافي الكبير الذي أنتجه لنا الفقهاء المسلمون، فسنجد الفهم الوسطي السليم في تحرير المسائل الخاصة بغير المسلمين الذين يعيشون مع المسلمين في مجتمعٍ واحدٍ.

جهود دار الإفتاء

استعرض نظير عياد جهودَ دار الإفتاء المصرية في تعزيز الحوار كأداة لتحقيق التعايش السلمي، مؤكدًا أن دار الإفتاء، تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبالتنسيق مع جميع المؤسسات الدينية والمجتمعية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بذلت جهودًا كبيرة لتعزيز الحوار باعتباره حجرَ الأساس لتحقيق التعايش السلمي.

وأضاف أن دار الإفتاء أصبحت رائدة في نشر ثقافة التسامح والتعايش على المستويين المحلي والدولي، مشيرًا إلى أن من أهم الجهود التي بذلتها الدار في هذا الإطار تعزيزَ الفتوى الوسطية والمعتدلة، مؤكدًا أن الفتوى المعتدلة تعتبر وسيلة أساسية في نشر قيم الحوار والتعايش السلمي، والحد من الفتاوى الشاذة التي قد تثير الفوضى.

تحقيق السلام العالمي

أوضح عياد أن تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الحوار والتعايش، هو هدف أساسي لدار الإفتاء، مؤكدًا أن الرد على أفكار المتطرفين وتفنيد حججهم يكون باستخدام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي تبرهن على ضلال تلك الأفكار وفسادها، مضيفًا أن دار الإفتاء قد نجحت في كسر شوكة التطرف وتقليص نفوذ المتطرفين عبر الحجج المستندة لمنهج الوسطية والاعتدال.

وأضاف أن دار الإفتاء تعمل على إبراز الجوانب المشرقة للتراث الإسلامي فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بغيرهم، مؤكدًا أن التراث الإسلامي غني بالأمثلة التي تؤكد أهميةَ التعايش السلمي والاحترام المتبادل، موضحًا أن الرد على الشبهات التي يثيرها المتطرفون حول التراث الإسلامي جزء من الجهود الرامية إلى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام.

وتابع قائلًا إن دار الإفتاء استحدثت عددا من الإدارات المتخصصة التي تركز على تعزيز قيم الحوار، ومنها “وحدة حوار” و”مرصد الفتاوى التكفيرية”، والتي أسهمت بشكل فعال في رصد ومحاربة الأفكار المتطرفة، وفي ختام كلمته، شدَّد على ضرورة العمل المشترك بين مختلف الأطراف لتعزيز الحوار وتحقيق السلام العالمي، مؤكدًا أن الإسلام دينٌ يدعو إلى التعارف والتعاون بين جميع البشر.