الرمال المتحركة في الصحراء تجدد التعاون العسكري بين فرنسا والمغرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يدفع التقارب الأخير بين الرباط وباريس، على خلفية تأييد هذه الأخيرة مخطط الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل النزاع حول الصحراء، في اتجاه رفع وتيرة التعاون والتنسيق العسكري بين البلدين إلى مستويات أعلى لمواجهة مختلف التحديات التي يشهدها الفضاء المتوسطي.

وفي هذا الإطار، أعلنت السفارة الفرنسية بالرباط، في منشور على صفحتها في موقع “فيسبوك”، عن بداية التعاون العسكري في المغرب تحت شعار “التجديد”، مشيرة إلى التحاق ممثلين للجيوش الفرنسية بأسلحتها الثلاثة (أي البرية والجوية والبحرية)، هذا الصيف، بمقرات عملهم على مستوى السفارة (الملحقة العسكرية) وعلى مستوى وحدات القوات المسلحة الملكية.

وسجلت السفارة الفرنسية بالمغرب أن هذه البعثات المتنوعة تشهد على ارتباط البلدين ببعضهما، مشيرة إلى أن البعثات العسكرية تعزز قابلية التشغيل البيني بين قوات ومعدات الجيشين المغربي والفرنسي، بما يخدم المصلحة المشتركة لكلا البلدين.

شراكة استراتيجية

قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “التعاون العسكري بين المغرب وباريس “تعاون قديم، إذ ضمت القوات المسلحة الملكية في بدايات تأسيسها مجموعة من الضباط المتمرسين الذين تكونوا في مدارس الدفاع الفرنسية وراكموا تجربة مهمة من خلال المشاركة في عدد من الحروب التي شهدتها الساحة العالمية، على غرار الحرب العالمية الثانية وحرب الهند الصينية”.

وأضاف مكاوي، في تصريح لهسبريس، أن “التقارب العسكري بين البلدين سيعود إلى إيقاعه السابق مع الموقف الفرنسي الجديد حول قضية الوحدة الترابية للمملكة”، مسجلا في الصدد ذاته أن “فرنسا تعتبر المغرب شريكا عسكريا استراتيجيا وموثوقا به في البحر المتوسط، وقد سبق أن زودت القوات المغربية بفرقاطات وبوارج بحرية، على غرار فرقاطة محمد السادس”.

وأوضح الخبير ذاته أن “عودة التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين الرباط وباريس إلى سابق عهده يعزز حصول المغرب على مجموعة من القطع العسكرية التي ظهرت تسريبات في باريس بشأن اهتمام المملكة بإدخالها إلى ترسانتها الدفاعية، خاصة الغواصات البحرية وطائرات رافال، إضافة إلى مدافع سيزار التي خلقت الكثير من التعب للقوات الروسية في أوكرانيا”.

ولفت المتحدث إلى أن “التسريبات التي أوردتها بعض مراكز الدراسات العسكرية في فرنسا تحدثت أيضا عن اهتمام المملكة المغربية بتكنولوجيا الدرونات البحرية الفرنسية، من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية وحماية أمن البحار والمحيطات، خاصة وأن المجال أصبح يكتسي أهمية استراتيجية كبرى في سياسات الجيوش في الفضاء المتوسطي والأطلسي”.

وبين مكاوي أن “الرباط مهتمة أيضا بتكنولوجيا الدفاع الجيل الخامس الفرنسية، وهناك اليوم شراكات وتفاهمات بين البلدين في مجالات عدة، بما فيها مجال الجيوش بقطاعاته الثلاثة”، مشيرا على صعيد مماثل إلى أن “الصناعة العسكرية الفرنسية لعبت دورا كبيرا في صد هجمات الانفصاليين على الأقاليم الجنوبية بعد تحريرها من المستعمر”.

رؤية مشتركة

أورد هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “العلاقات العسكرية بين المغرب وفرنسا تتجاوز كونها مجرد تعاون تقني أو عملياتي؛ فهي تجسد رؤية استراتيجية متكاملة تنبثق من فهم عميق للتحولات الجيو-سياسية الإقليمية والدولية”، مضيفا أن “استخدام السفارة الفرنسية مصطلح [التجديد] في تعليقها على هذه العلاقة، يعكس وعيًا متزايدًا بضرورة إضفاء ديناميكية جديدة على الشراكة، بما يضمن مواكبة التحديات المتسارعة”.

وتابع بأنه “يمكن قراءة هذا التجديد من خلال مستويات عدة؛ أولاً هناك تحول في التصور التقليدي للتعاون الأمني من مجرد استجابة ظرفية إلى بناء منظومة أمنية شاملة، حيث يسعى المغرب، بحكامة استراتيجية مدروسة، إلى التموقع كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن استراتيجي بين شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط”، مؤكدا أن “هذا التموقع يعكس رؤية استراتيجية ثاقبة، تهدف إلى ترسيخ الاستقرار في منطقة تعتبر حيوية ليس فقط لأمن المغرب، بل للأمن الأوروبي والعالمي”.

من ناحية أخرى، سجل المصرح لهسبريس، أن “هذا التعاون ليس فقط تقنيًا أو عسكريًا بحتًا، بل يحمل بعدًا فكريًا واستراتيجيًا أعمق، فالمغرب وفرنسا لا يتشاركان في تعزيز الأمن فقط، بل يسعيان أيضًا إلى بناء رؤية مشتركة حول مفهوم الأمن الإقليمي والطرق المثلى لمواجهته”، مضيفا: “هنا تتجلى عبقرية المغرب في خلق شراكات نوعية مبنية على الثقة والاستدامة، مما يمنحه القدرة على اتخاذ مواقف استراتيجية مستقلة تساهم في تعزيز موقعه كفاعل رئيسي في صناعة القرار الإقليمي”.

وبين أن “التعاون المغربي-الفرنسي البحري لا يقتصر على مواجهة التحديات الأمنية الآنية، بل يمتد إلى تشكيل رؤية مستقبلية مشتركة تتماشى مع تطورات البيئة الأمنية العالمية”، مشيرا إلى أن “المغرب شريك أكثر جاذبية لفرنسا مقارنة بدول مغاربية أخرى، حيث إن الرباط تتمتع باستقرار سياسي داخلي وحوكمة استراتيجية مرنة قادرة على استيعاب المتغيرات الدولية، وهو ما يعزز قدرة المملكة على تقديم نفسها كضامن للأمن في منطقتها، سواء من خلال قدراتها الذاتية أو من خلال شراكاتها الدولية المتوازنة”.

وخلص معتضد إلى أن “العلاقات الأمنية والعسكرية المغربية-الفرنسية تقدم نموذجًا يحتذى به في كيفية إدارة الشراكات الأمنية على أسس فكرية واستراتيجية عميقة، إذ تبين قدرة المغرب على التحرك ضمن فضاء دولي متعدد الأطراف وخلق توازنات جديدة تعزز دوره كمحور استراتيجي رئيسي في المنطقة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق