حقوقيون يطالبون ببدائل اقتصادية لتفادي "الساندريات القاتلة" في جرادة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أحدثت وفاة اثنين من العاملين بأوراش المناجم العشوائية أو ما يعرف بـ”الساندريات” بمدينة جرادة بالجهة الشرقية للمملكة، خلال أسبوع واحد، ردود فعل قوية؛ بعدما أعادت نقاشا قديما جديدا إلى الواجهة، يتعلق بتصفية نشاط هذه الأوراش بالمدينة ذاتها وتوفير بدائل اقتصادية واجتماعية حقيقية للسكان هناك.

ويبدو أن هناك إلحاحا من قبل سكان مدينة جرادة على ضرورة توفير بدائل اقتصادية وتنموية جديدة بإمكانها أن تقلص منسوب البطالة بها، وأن تحتوي كذلك المشتغلين حاليا بآبار الفحم هناك؛ فقد كان ذلك مثار ردود فعل خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في إطار ما سمي بـ”حراك جرادة” في سنة 2018.

وحرّك موت اثنين من العاملين بـ”ساندريات جرادة” خلال الأيام الماضية سياسيين من أجل مساءلة المؤسسة التنفيذية بخصوص تصوراتها لأجل إيجاد حل أو بديل هذه المسألة، بما يحفظ كرامة الأجراء ويرفع من منسوب الدينامية الاقتصادية بالمدينة الواقعة بالجهة الشرقية للمملكة؛ فقد ساءلت نبيلة منيب، البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، رئيس الحكومة عن “برامجه في مجالات التشغيل ومحاربة البطالة المرتفعة في صفوف سكان مدينة جرادة، وبجهة الشرق بشكل عام”.

أكدت منيب، ضمن سؤالٍ لها، طالعت هسبريس فحواه، أن “آبار الفحم بجرادة لا تزال تحصد أرواح الأبرياء من شباب المدينة، بعدما ضاقت بهم سبل العيش الكريم وبعد السماح بتشكيل تعاونيات تشغل الشباب اليائس في غياب شروط السلامة”.

ودخل حقوقيون بدورهم على خط هذا الموضوع بعدما شددوا على أن “ترك الأمور على حالها يرفع من منسوب تعميق الأزمة؛ إما بفقدان أرواح المواطنين أو من خلال فتح الفرصة أمام أمراض فتاكة تعصف بالبسطاء هناك”، مؤكدين على “ضرورة إنهاء زمن “الساندريات” بالمدينة وفتح باب المدينة أمام بدائل اقتصادية وتنموية تحفظ كرامة المواطنين”.

زمن ولّـى

محمد الفازيقي، إطار حقوقي ومستشار جماعي بمدينة جرادة، أكد أن “إنهاء العمل بآبار الفحم الحجري هو، بالفعل، مطلب على المستوى المحلي؛ بالنظر إلى الإكراهات التي لا يزال هذا النشاط يطرحها، حيث إن فئة واسعة من سكان المدينة تشتغل في ظروف جد مزرية ودون أدنى مقومات العمل الذي يحفظ كرامة الأجير، كما لا يستفيدون من تغطية صحية ويستخدمون أدوات بسيطة وغير مجدية لتسريع وتيرة العمل”.

وأضاف الفازيقي، في تصريح لهسبريس، أن “أرباب العمل هم الذين يستفيدون من عائدات عمل التنقيب والحفر على مستوى هذه الأوراش تحت الأرضية من خلال بيع الكميات المستخلصة إلى فاعلين آخرين، بما فيها شركات؛ فالتعاونيات التي تقوم، اليوم، بتشغيل هذه “الساندريات” لا تقدر على توفير ظروف رئيسية للعاملين بهذا المجال”.

وزاد المتحدث ذاته: “المشتغلون بهذه الأوراش يحافظون على عملهم؛ لأنهم مكرهون وليس لأنهم يعشقون عملهم، إذ يبقون مستعدين من أجل الانخراط في أوراش جديدة وبديلة في حال تم توفيرها هنا بمدينة جرادة”، لافتا إلى أن “هذا مطلب ندفع به منذ سنوات، وليس فقط منذ حراك 2018؛ فالسكان يطالبون ببدائل اقتصادية واجتماعية توفر سبل العمل والعيش الكريم”.

كما ذكر الحقوقي ذاته أن شغيلة المناجم العشوائية هنا يبقون عرضة لأمراض مزمنة تفتك بهم؛ على رأسها مرض السليليكوز الذي يصيب الرئة، خصوصا ونحن نتحدث عنهم كأجراء بدون تغطية صحية وبدون أجور معتبرة”، متسائلا في هذا الصدد: “فما الذي يمنع من جلب استثمارات قوية وحقيقية إلى هذه المدينة المهمشة، بما فيها معامل وأوراش للكابلاج على أقل تقدير”.

وأبرز الفازيقي أن “جرادة بحاجة إلى بدائل اقتصادية حقيقية تبعد أبناءها من جحيم المناجم وأضرارها على الصحة الفردية والجماعية كذلك؛ فمن غير المقبول أن نتحدث عن أناس إلى حدود اليوم يظلون طوال حياتهم عرضة للانهيارات الصخرية والاختناق بفعل فقدان الأوكسيجين”، مشددا على أن “الأولى هو أن تبادر المؤسسة التنفيذية إلى اقتراح بدائل اقتصادية، وتنزيلها على أرض الواقع”.

ضرورة الحل

إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، قال إن “العديد من الفعاليات الحقوقية المهتمة بالوضع في جرادة أكدت، في العديد من المناسبات، أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكان هذه المدينة أصبحت جد متدهورة بعد إغلاق مناجم المعادن دون طرح بدائل تضمن العيش الكريم لساكنة المنطقة”.

وأضاف السدراوي، في تصريح لهسبريس، أن “إغلاق هذه المناجم كان خطأ فادحا وغير مدروس؛ لأنها كانت تشكل مورد رزق للعديد من الأسر، التي وجدت نفسها في وضعية مزرية بعد القرار”، مشيرا إلى أن “غياب سياسة تنموية واضحة مواكبة لقرار الإغلاق هذا أدى إلى استمرار أنشطة التنقيب عن المعادن خارج الأطر القانونية من لدن بعض اللوبيات التي تستغل ضيق ذات يد السكان الذين يضطرون إلى الاشتغال في ظروف خطيرة تغيب فيها أبسط شروط الصحة والسلامة المهنية، مع ما يستتبع ذلك من حوادث مميتة”.

ولفت رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إلى “تسجيل العديد من الحوادث الخطيرة على هذا المستوى والتي أدى تفاقمها بالتوازي مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان إلى اندلاع حراك اجتماعي وصل صداه إلى خارج أرض الوطن”، مطالبا في الوقت ذاته الحكومة بـ”وضع برنامج تنموي استعجالي لفائدة جرادة يتضمن بناء مصانع وشركات لامتصاص ارتفاع نسبة البطالة وضمان ظروف العيش الكريم لفائدة مواطني هذه المدينة وفق ما تكفله التشريعات الوطنية؛ وعلى رأسها الدستور”.

كما خلص الفاعل الحقوقي ذاته إلى أن “التدخل الحكومي على هذا المستوى لن يساهم فقط في تحسين مستوى عيش السكان والارتقاء بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية باعتباره حقا وليس امتيازا، وإنما سيساهم أيضا في الحد من نشاط اللوبيات التي تستغل حاجة السكان وهشاشتهم وتستغلهم في أعمال التنقيب الخطرة التي يؤدون حياتهم ثمنا لها”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق