خرج الصدام الذي تعيشه منذ أشهر العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي إلى العلن، منتقلاً إلى المحافل الأممية، جسّده حديثُ نائب رئيس الوزراء وزير الدولة المالي، عبد الله مايغا، خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بلغة واضحة شديدة تجاه الجزائر، متهماً إياها بأنها “قاعدة خلفية للإرهابيين الذين ينشرون الدماء في بلاده”، قبل أن يخرُج أحمد عطاف، وزير خارجية الجزائر، الاثنين، في رد على إحدى الصفعات التي تلقتها الجزائر من منبر الأمم المتحدة.
مايغا الذي ترأس الوفد المالي خلال الدورة الأممية السنوية، والذي يشغل أيضا منصب وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية في “تحالف دول الساحل” التي مازالت تعاني من ويلات انتشار جماعات إرهابية ومتطرفة، لم يُخف تذمره أمام المجتمع الدولي من التدخلات السافرة للجزائر، التي توفر، بحسبه، “المأوى والطعام للإرهابيين” بهدف زعزعة استقرار مالي، داعياً مسؤولي الجزائر ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، إلى التوقف عن اعتبار بلاده “ولاية جزائرية”.
وقال مايغا من منبر الأمم المتحدة في نيويورك: “يبدو أنهما (عطاف وابن جامع) يَجهلان تاريخ العلاقات بين الشعبين الشقيقين في مالي والجزائر”، مذكراً إياهما بـ”مساهمة مالي الاستثنائية في حرب التحرير الجزائرية. كما أنهما بالتأكيد يجهلان الجغرافيا، حيث يعتبران مالي ولاية جزائرية، وعليهما التوقف عن السير عكس التاريخ”، حسب تعبيره.
كما تحدث المسؤول المالي ذاته عن “محاولة وزير خارجية الجزائر ومندوبها الأممي التملصَ من التورط المباشر للجزائر في الاشتباكات الدامية التي وقعت بين الجيش المالي والمجموعات المتمردة أو الإرهابية في شهريْ يوليوز وغشت الماضيين على الحدود بين البلديْن”.
“إفلاس دبلوماسي”
تفاعلا مع هذا الموضوع الذي استأثر باهتمام المتابعين والمحللين، علّق لحسن أقرطيط، أستاذ العلاقات الدولية، بأن “رد وزير الخارجية الجزائري على كلام وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة الانتقالية المالي، عبد الله مايغا، جاء خارج تقاليد الدبلوماسية، ويمُس بشكل واضح الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول”، معتبرا إياه “مؤشرا على تصاعد الأزمة السياسية الحادة ما بين الحكومة الانتقالية في مالي والنظام الجزائري، خصوصا أن إرهاصات هذه الأزمة كانت واضحة منذ إلغاء/إنهاء اتفاق الجزائر (سنة 2015) بخصوص مالي،والذي كانت تلعب فيه الجزائر دور الوساطة”.
كما استحضر أقرطيط، مصرحا لهسبريس، أن “حكومة مالي الانتقالية كالت للجزائر تُهَماً بالتدخل في شؤونها الداخلية، وإيواء إرهابيين على أراضيها، وبالتالي تصريح وزير الدولة كناطق رسمي باسم السلطات الجديدة في باماكو، هو تصريح ينطلق من حقيقة أن الجزائر (وفق حكومة مالي) تلعب دور المُخرب للأمن والسلم في بلاده”، مُحيلاً على خطورة الاشتباكات المسلحة في شمال البلاد”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “هذا الموقف يعبّر أولا عن حالة الإفلاس الدبلوماسي للجزائر لكونه دليلًا واضحا عن عجز نظام عسكر الجزائر عن إدارة التناقضات ومختلف الأجندات المتواجدة على مستوى المنطقة، وهو بذلك ليس فقط في مواجهة مالي التي عاثت فيها فسادا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، بل إشارة أيضا إلى أن هذه الأزمة الدبلوماسية قد تشمل روسيا، إذ إن الخلاف مع باماكو قد يُعمّق الأزمة بشكل كبير مع روسيا، خصوصا وأنه كانت هناك إشارات سابقة لغضب روسي من السلطات الجزائرية بحكم تواجد بعض قوات فاغنر فوق التراب المالي”.
“التعبير المالي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يعني أن النظام الجزائري يهدد أمن وسلامة أراضي مالي، وبالتالي يوفر غطاء لمن سمّاهم وزير الدولة المالي الإرهابيين”، يورد أقرطيط، مضيفا أن ذلك “دليل صارخ على أن الجزائر عجزت في الآن نفسه عن لعب دور الوساطة بين حكومة مالي والطوارق من جهة، وباقي الجماعات المسلحة من جهة أخرى (…) وهذا تحول كبير على المستوى السياسي في هذه المنطقة التي كانت الجزائر دائما تدّعي أنها منطقة خاضعة لنفوذها، ما يجعلها منبوذة أكثر”.
وأجمل المختص في العلاقات الدولية بأن “التصريح الناري من وزير الدولة مايغا، يدل أيضا على أن الاحتقان بين سلطات مالي والجزائر وصل إلى مستوى خطير، وفي الآن نفسه هو عجز جزائري عن إدارة التناقضات داخل هذه المنطقة ما بين الأجندات السياسية والجيو-سياسية، خاصة تلك التي تتعلق بروسيا التي تربطها علاقات قوية مع حكومة مالي من خلال تواجد قوات فاغنر على الأرض ومن خلال العمل المشترك لهذه القوات مع الجيش المالي لمواجهة الجماعات المسلحة”.
“عدم استيعاب المتغيرات الإقليمية”
هذا “التراشق بالتصريحات في الأمم المتحدة بين المسؤول المالي ووزير الخارجية الجزائري”، استرعى أيضا اهتمام أستاذ العلاقات الدولية محمد نشطاوي، الذي أكد من جهته أن “ما وقع مع المغرب وما يقع مع مالي وكذلك مع تونس وليبيا، يبيّن إلى أي حد أن النظام الجزائري يعيش على افتعال المشاكل مع جيرانه”.
وقال نشطاوي، في تعليق لهسبريس، إن “الجزائر-ربما-هي الدولة الوحيدة التي لها مواقف عدائية مع كل جيرانها، خصوصا وأن النظام العسكري يتغذى من هاته المشاكل ويحاول كما أكدنا دائما العمل على إلهاء الشعب الجزائري عن حقيقة مشاكله اليومية والمشاكل الداخلية للبلاد”.
“لا يُعقل أن دولة بحجم الجزائر ومداخيلها وكذلك مُقدّراتها أن يعيش شعبها في الحرمان ويفضل ركوب أمواج الموت على البقاء في هاته الدولة”، يسجل المحلل السياسي ذاته، مبرزا أن “مثل هاته المشاكل هي من أجل تبيان أن المحيط الذي تعيش فيه الجزائر هو محيط غير مستقر، خصوصا في ظل السياسة العدائية التي ينهجها النظام الجزائري تجاه كل الدول الجارة ودول الساحل والصحراء”.
واعتبر نشطاوي أن “واقعة الأمم المتحدة” المتمثلة في التراشق الكلامي إلى درجة تبادل “اتهامات بذيئة”، أكدت بالدليل الملموس وأمام المنتظم الأممي “إفلاس النهج الجزائري وحقيقة النظام السياسي وعدم قدرته على التعايش”، خالصاً إلى “عدم قدرة النظام الجزائري على استيعاب التغييرات الجيو-سياسية في محيطه الإقليمي والحاجة الماسة لهذه البلدان إلى الأمن والاستقرار، بدل إشعال الفتن والقلاقل وتصعيد التوترات في منطقة هي بالأساس هشة وغير مستقرة بحكم أنها تعاني منذ سنوات دوامة التهميش والفقر وتفريخ الحركات الانفصالية والحركات الجهادية المتطرفة”.
0 تعليق