الكراوي: تحديات تواجه شباب العالم الجديد أمام التحولات الرقمية والمناخية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار إدريس الكراوي، رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، موضوع التحولات الكبيرة التي يمر بها جيل الشباب اليوم، وتؤثر على بيئته الاجتماعية والاقتصادية بشكل عميق، مشيرا إلى أن “المؤسسات الأساسية التي تؤطر حياة الشباب، مثل الأسرة والمدرسة ووسائل الاتصال، تغيرت بفضل التطورات الرقمية والذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى مطالب جديدة تعبر عن وعي الشباب بقيم الحرية والكرامة والعدالة”.

وأكد الكراوي، في مقالة تحليلية توصلت بها هسبيرس، حول موضوع “شباب العالم الجديد .. تحولات وتحديات”، أن الشباب أصبح فاعلا أساسيا في المجتمع والعالم، إذ استطاع بفضل الثورة الرقمية أن يؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية، مبرزا “دوره الجديد في خلق الثروة وتثمين الرأسمال غير المادي، ما جعله جزءًا لا يتجزأ من التحولات المناخية والرقمية والاقتصادية التي يشهدها العالم”.

كما شدد رئيس منتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي على أهمية دور الشباب في الدفاع عن القضايا العادلة وتعزيز قيم السلام والتسامح والحوار بين الثقافات، لافتا إلى أن “حركات الشباب حول العالم أظهرت تضامنا كبيرا مع القضايا الإنسانية، ما يعكس مسؤوليتهم في بناء مستقبل أفضل”.

ولفت الكاتب المغربي ذاته الانتباه إلى أن تحقيق المواطنة الكاملة للشباب يتطلب تأمين حقوقهم الأساسية وتوفير بيئة تحترم كرامتهم؛ وهذا يستلزم بحسبه إشراك الشباب في صنع السياسات العامة التي تؤثر على حياتهم، مع التركيز على تعزيز ثقافة الإبداع والمشاركة لتحقيق التنمية المستدامة.

نص المقال:

يلاحظ المتتبع الموضوعي للتحولات التي يعرفها العالم أننا اليوم أمام جيل جديد من الشباب يعرف الحقل الذي يترعرع داخله تحولات نوعية عميقة، بدأت تطرح عليه تحديات من نوع خاص، أفرزت لديه المطالبة بحقوق جديدة تؤسس لمسؤوليات جسيمة.

فبالفعل تتطور الأمور اليوم في خضم أوضاع عامة توحي بأن كل شيء تحول بالنسبة للشباب، فقد تحول العالم الذي ينتمي إليه، والمجتمع الذي يعيش فيه، وأيضا المؤسسات التي تهيكل وتؤطر مختلف مناحي حياته الاجتماعية اليومية، وعلى رأسها الأسرة، والمدرسة، وأماكن العيش، كالحي والمقهى، ووسائل الاتصال والتواصل والإعلام، وأنماط تلبية الحاجيات الأساسية، ومؤسسات الإدماج المهني والثقافي، والشبكات الاجتماعية بفعل تطور المجتمع الرقمي والإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، دون أن ننسى التحولات الهائلة التي تعرفها حقول العلم والمعرفة والقيم، وما لها من تأثيرات على نظرة الشباب للحياة وعلى قدراتهم على مواجهة متطلباتها.

وما هو مهم بهذا الصدد هو أن هذه التحولات أفرزت وعيا عالميا مرتكزاته مطالب جديدة تتمحور حول قيم الحرية والكرامة والعدالة والتضامن والمشاركة.

وفضلا عن هذه المعطيات فإننا كذلك أمام شباب يستعمل وسائل جديدة للتواصل والاتصال بفعل التطور المذهل للثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وما يتيحه من فضاءات واسعة للتعبير الحر والتشبيك والتنظيم، وبالتالي للتأثير في وقائع الأمور.

وبناء عليه فنحن أمام شباب أصبح بفعل هذه التحولات سلطة مضادة حقيقية تؤثر على صانعي القرار محليا، وطنيا وعالميا.

وبالتالي فنحن أمام جيل جديد من الشباب تحول إلى فاعل أساسي في التطورات الجارية في العالم على أكثر من صعيد.

وقد اكتسح الشباب اليوم عالم المقاولة ليصبح فاعلا كذلك في خلق الثروة، كما اكتسح عوالم أخرى أهلته لأن يصبح عنصرا لا مندوحة عنه في تثمين الرأسمال غير المادي للأمم، ليضحى فاعلا مركزيا في تحقيق التنمية وفي إنجاح الانتقالات الكبرى، وعلى رأسها الانتقال المناخي والرقمي والطاقي والاقتصادي والمجتمعي.

وإن هذه التحولات جميعها فرضت على الشباب مهام جديدة، تتجلى في مجموعة من القيم، على رأسها الدفاع عن القضايا العادلة في العالم، كما شاهدناه ونشهده من خلال تضامن طلبة جامعات العالم مع الشعب الفلسطيني، والمرافعة من أجل السلم والأمن عبر العالم، والمساهمة في نشر قيم التسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، وتطوير المهارات عبر التنظيم، والإبداع، والابتكار، والخلق، واليقظة على قاعدة استثمار الذكاء الجماعي الشبابي من أجل التغيير والمساهمة في بناء العالم الجديد.

جدير بالذكر أن هذه المهام والمسؤوليات أفرزت لدى الشباب العالمي المطالبة بحقوق جديدة،

يمكن إجمالها في الحق في المواطنة. فماذا تعني المواطنة بالنسبة للشباب اليوم؟.

المواطنة هي أولا الوعي والشعور بالانتماء إلى الوطن. وهذا الانتماء يتطلب توفير شروط المواطنة من طرف الدولة والمجتمع. وإجمالا فشروط المواطنة تكمن في رافعتين رئيسيتين: الكرامة وقيمة الإنسان.

فالكرامة تكمن في مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية من الجيل القديم والجديد، كالحق في الحرية والأمن والسلم والتربية والتكوين والشغل والصحة والحماية الاجتماعية الشاملة والسكن اللائق والدخل الادنى والثقافة والرياضة والترفيه والعيش في بيئة سليمة ومستدامة، وكذا الحق في صنع القرار.

أما قيمة الإنسان فمفادها الاعتراف بمكانة الشباب داخل المجتمع واحترام هذه المكانة من خلال توفير شروط مشاركتهم في تصور ووضع وإعمال السياسات العمومية التي تعنى بمختلف مناحي حياتهم الاجتماعية اليومية.

وبناء عليه فإن الحق في المواطنة هو منظومة مركبة وشاملة ومترابطة تتطلب الانطلاق من واقع الحقل الشبابي في علاقته بالتحولات التي يعرفها الاقتصاد والمجتمع والعالم.

وبهذا الصدد لابد من الأخذ بعين الاعتبار مستويين جوهريين: مستوى منهجي وآخر إستراتيجي.

يتجلى المستوى المنهجي في ضرورتين:

المعرفة الدقيقة لخصوصيات هذا الجيل الجديد من الشباب الذي يتطور داخل مجتمعاتنا وعالمنا اليوم،

ثم الإلمام بالتحولات النوعية التي يعرفها هذا الجيل، وعلى رأسها إشكالية القيم والهوية، وما لهما من انعكاسات في علاقات الشباب مع المجتمع والعالم، خاصة العلاقة مع الأسرة والمدرسة والدين والثقافة والإعلام والشبكات الاجتماعية والمشاركة السياسية والعمل المدني، وخلق المقاولة والبيئة والتطرف والمخدرات والجريمة والهجرة.

وهذا ما يحتم ضرورة التوفر على شبكة من الخبراء في مجالات الدراسات والأبحاث حول الشباب قصد معرفة علمية دقيقة وشاملة لمختلف مناحي الحقل الشبابي، وعلى وجه الخصوص من هم مكونات الجيل الجديد من الشباب، وما هي الأنشطة التي يمارسونها، وما هي اهتماماتهم، وما هي مشاكلهم وحاجياتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم وأحلامهم، وما هي نوعيه التحولات التي يعيشونها، وكيف يتعاملون مع محيطهم الأسري والتربوي والخارجي، وما هي المشاريع التي يحملونها؛ ثم ما هي تصوراتهم للمستقبل؟.

وكلها أسئلة جوهرية ضرورية لإرساء سياسات عمومية ناجعة صوب الشباب.

لكن هذه العناصر ذات الطابع المنهجي تتطلب إضفاء النسبية على بعض الأفكار المسبقة حول الشباب، والكامنة في تعميم النظرة لهم كفئة تتميز بالعنف والعزوف عن السياسة، فئة غير مبالية بما يحيط بها، رافضة لكل شيء، غير راضية عن أوضاعها، ثائرة وتواقة إلى التطرف الذي يمكن أن يذهب إلى الهروب إلى الأمام عبر مسلك الهجرة والانتحار؛ وبذلك تجسيد ميولاتهم الى ثقافة الموت.

فهذه الخلاصة المنهجية ضرورية لتغيير نظرتنا إلى الجيل الجديد من الشباب.

إلا أن تغيير هذه النظرة يحتم على صانعي القرار الانطلاق من بعد إستراتيجي يقوم على ركيزتين أساسيتين.

الركيزة الأولى تنبني على ضرورة الإيمان بمسلمة مفادها أنه كلما تحركت المؤسسات في اتجاه الشباب كلما انخرط الشباب داخل هذه المؤسسات، وكلما عرضت على الشباب قضية أو فكرة أو مشروع جاد وجدي واعد كلما تملكوه وجعلوا منه فكرتهم وقضيتهم ومشروعهم.

الركيزة الثانية تتطلب قناعة راسخة تكمن في الوعي بأن الشباب يمر بمرحلة دقيقة تتميز بتطورات مقلقة لأوضاعه الاجتماعية، وعلى رأسها البطالة، وبتحولات عميقة للمناخ العام الذي يعيش داخله بفعل التحولات المذهلة والسريعة للمهارات والعلوم والتكنولوجيا ومختلف أنواع الذكاء والنبوغ واليقظة، وكذا بتنوع وتكاثر المخاطر والتحديات.

ومن هنا تأتي أهمية زرع وتطوير ثقافة الفعل والمشاركة لدى الشباب، هذا الشباب الذي هو مدعو أكثر من أي وقت مضى للمساهمة في الحركات الثقافية والعلمية والإبداعية والمدنية والسياسية والاقتصادية الكونية.

لذا فإن المؤسسات التي تؤطر الشباب، وعلى رأسها المدرسة والأسرة والهيئات العمومية للاتصال والتواصل والإعلام والإدماج الثقافي والرياضي، وكذا الشبكات الاجتماعية بجميع مكوناتها، مطالبة اليوم كل واحدة من موقعها بأن تنبذ ثقافة العدمية والتيئيس والإحباط، وبأن تشجع وتطور ثقافة الأمل والمبادرة والخلق والإبداع والابتكار والمسؤولية؛ وبعبارة أخرى أن تشجع وتطور ثقافة الحياة، ثقافة تمزج بين قيم الحقوق والواجبات، وبين العطاء والأخذ.

وهذا ما يتطلب الثقة في الشباب، ورد الاعتبار لهم، والاعتراف بهم، وبالتالي الاستثمار فيهم بناء على تعاقد اجتماعي كبير حول الشباب على شاكلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

إلا أن نجاح هذا التعاقد يستلزم تسليح الشباب بالمعرفة والعلم والقيم، ما قد يساعد على نجاحهم من جهة، وكذا على إدماجهم المهني والثقافي والاجتماعي من جهة أخرى، موفرا بهذا شروط مناعة الشباب ضد مختلف الأخطار؛ وكل هذا ضمانا لمشاركتهم المواطنة في العملية التنموية ولمواكبتهم المسؤولة والفاعلة للتحولات المجتمعية الجارية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق