إيران تصر على معاداة الوحدة الترابية للمملكة.. عزلة طهران وحزم الرباط

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في موقف يُعدّ امتدادا لمواقفها الداعمة للانفصاليين في الصحراء والمتماهية مع داعمي هذا الطرح في الجوار الإقليمي للمغرب، عبّرت طهران، على لسان مندوبتها، في كلمة أمام اللجنة الرابعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، عن دعمها لحقوق “الشعب الصحراوي”.

وأكدت مندوبة إيران في الأمم المتحدة أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتعاطف مع كل الذين تعرضت حياتهم للخطر والتدمير من قِبل القوى الاستعمارية وقوى الاحتلال الجديد، وممارساتها المتمثلة في نهب الموارد الطبيعية”، لافتة إلى أن “حقوق وموارد هؤلاء الأشخاص الذين يتعرضون لهذه الممارسات يجب أن يتم حمايتها”.

وأضافت المسؤولة الإيرانية: “في هذا السياق، نؤكد مسؤولية الأمم المتحدة تجاه شعب الصحراء الغربية وحقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، كما أكدت على ذلك القرارات الأممية ذات الصلة”، مشيرة في الوقت ذاته إلى ما وصفته بـ”التزام طهران بمسار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم”.

سجل مراقبون أن الموقف الإيراني الداعم لما يسمى بـ”الشعب الصحراوي” ليس بالموقف الجديد؛ نظرا لمجموعة من السوابق الدبلوماسية الإيرانية ذات الصلة. وعلى الرغم من تجنب مندوبة إيران ذكر اسم المغرب، فإن ربط قضية “نهب الثروات” بقضية النزاع حول الصحراء ينطوي، حسبهم، على موقف واضح ومعادٍ للرباط في هذا الملف.

وأكد المهتمون الذين تحدثوا لهسبريس أن مواقف طهران في هذا الشأن تجد لها تفسيرات عديدة؛ أبرزها الحصار والعزلة التي تعيشها الجمهورية الإسلامية في عمقها الاستراتيجي، ومحاولة الحفاظ على علاقاتها الخفية والمعلنة مع النظام الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو.

وأبرز المصرحون أنفسهم أن تصدي المغرب للأطماع التوسعية في إفريقيا، سياسيا ومذهبيا، بالإضافة إلى مواقف المغرب الرافضة للتدخلات الإيرانية في عدد من دول العالم العربي، يُفسر جزءا كبيرا من مواقف طهران تجاه قضية الوحدة الترابية للمغرب.

تراجع إيراني وتصدٍّ مغربي

في قراءته لمحددات موقف إيران من قضية الصحراء، قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن “الموقف الإيراني من قضية الوحدة الترابية للمملكة لا يمكن تفسيره بعيدا عن الحصار والانتكاسات التي تعرضت لها إيران في مجالات نفوذها الحيوية، خاصة في الشرق الأوسط”.

وأوضح ماء العينين، في تصريح لهسبريس أن “هذا الموقف يهدف من خلاله النظام الإيراني إلى الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي تجمعه بالجزائر، التي يعول عليها النظام الإيراني للتوسع في شمال وغرب إفريقيا”.

من جهة أخرى، أكد المتحدث ذاته أن “إيران بدأت منذ مدة في تطبيق استراتيجية تصفير الأزمات ومحاولة الانفتاح على مجموعة من الدول الفاعلة على الساحة العربية، مثل دول الخليج والمغرب؛ إلا أن تسارع الأحداث في الشرق الأوسط أفرز استراتيجية جديدة تتمثل في سعي طهران إلى الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها الكلاسيكيين، مثل الجزائر، من خلال التماهي مع أطروحاتها فيما يتعلق بتدبير عدد من الملفات الإقليمية، وأبرزها ملف الصحراء”.

وأضاف عضو المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن “الجزائر، حليف طهران في منطقة شمال إفريقيا، تعيش لحظات صعبة نتيجة تراجع زخم الأطروحة الانفصالية التي تدعمها في الصحراء. كما باتت تشعر بأن كل ما استثمرته في هذا النزاع الإقليمي مهدد في ظل توجه الملف نحو الحل. وعليه، فإن إيران لا يمكن أن تهادن المغرب في الوقت الحالي؛ بل على العكس، لأن ذلك سيضر حتما بعلاقاتها مع الطرف الجزائري”.

وأوضح أن “المواقف الإيرانية المعادية للوحدة الترابية تجد لها تفسيرا أيضا في نظرة طهران إلى المغرب، الذي تراه حاجزا أمام أطماعها التوسعية الإيديولوجية في غرب إفريقيا، حيث إن الحضور الروحي المغربي في المنطقة يعيق الاختراق الشيعي”، مشيرا إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية المغربي أكد فيها على أولوية الأمن الروحي الإفريقي بالنسبة للرباط وضرورة التصدي للأطماع الإيرانية في القارة.

وتبعا لكل ذلك، اعتبر ماء العينين أن “تصريحات مندوبة إيران في الأمم المتحدة هي رد فعل تجاه الانتكاسات التي تمر بها طهران والجزائر، وهي محاولة لملء الفراغ الذي خلفه تراجع نفوذهما على المستوى الإقليمي، في انتظار ظهور متغيرات جديدة أو إعادة ترتيب أوراقهما تماشيا مع التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

موقف كلاسيكي والتزام عربي

عباس الوردي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أورد أن “موقف إيران المُعبر عنه على هامش أشغال اللجنة الأممية الرابعة لم يكن مفاجئا؛ نظرا لأن تركيبة البنية الإيرانية دائما تؤجج الصراعات في مجموعة من المناطق”.

وأشار الوردي، في تصريح لهسبريس، إلى أن “طهران تسعى، من خلال هذه المواقف، إلى إيجاد موطئ قدم لها في شمال إفريقيا؛ من خلال التماهي مع أطروحات الدول ذات الأهداف الواضحة في المنطقة، وعلى رأسها الجزائر”.

وأوضح الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية والقانون الدولي أن “إيران تعيش اليوم ضعفا كبيرا في إدارة الصراع في الشرق الأوسط، وسط تواضع ردها على الهجمات التي استهدفت قيادات إيرانية كبيرة داخل عمقها، وهشاشة بنيتها الداخلية. وبالتالي، فهي تحاول تصريف هذه الأزمة من خلال التدخل في نزاعات إقليمية بعيدة، في إطار سعيها إلى فتح جبهات صراع أخرى مع القوى الغربية في مناطق قريبة من هذه الأخيرة، خاصة في شمال إفريقيا”.

وأكد المتحدث أن “هذا التوجه الإيراني معروف، كما هو معروف تمادي إيران مع مجموعة من الأنظمة المناوئة للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مثل الجزائر”، لافتا إلى أن “هذا الموقف لا يؤثر مثقال ذرة في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، باعتباره صادرا عن دولة تعاني الحصار والتشرذم، وعن صوت نشاز عن البنية الدولية المتزنة المبنية على الشرعية الدولية. وفي وقت أكد فيه المغرب أنه لن يتخلى عن شبر واحد من أراضيه، ويسير بالسرعة القصوى في تفعيل مشروع الحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل هذا النزاع”.

وحول خلفيات معاداة نظام “ملالي طهران” لمصالح الرباط، أكد الوردي أن “المواقف الإيرانية على هذا المستوى هي رد فعل على التزام الرباط تجاه قضايا عمقها العربي، ورفضه لتدخلات طهران في مملكة البحرين لتقويض سيادتها ومحاولات إثارة النعرات الطائفية. وكذلك دعمه الثابت لسيادة الإمارات على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي تحتلها إيران. كما أن موقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية وعلاقاته الاستراتيجية مع واشنطن تزعج صناع القرار في طهران”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق