لماذا لن تنهي القوة العسكرية الصارمة تمرد بلوشستان في باكستان؟

الشروق 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لندن - د ب أ
نشر في: الخميس 5 سبتمبر 2024 - 10:18 ص | آخر تحديث: الخميس 5 سبتمبر 2024 - 10:18 ص

على الرغم من استخدام الحكومة الباكستانية للقوة العسكرية لمحاولة إنهاء التمرد المستمر في إقليم بلوشستان، فإن هذه الاستراتيجية لم تؤت ثمارها بعد.

ويعد التمرد في بلوشستان معقدا، إذ يتأصل في عقود من التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية، ويتطلب الحل المستدام معالجة الأسباب الجذرية. وقالت الدكتورة فرزانه شيخ، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إنه في يوم25 و26 أغسطس، قُتل أكثر من 70 شخصا، بينهم 23 مدنيا، ولحقت أضرار كبيرة بالبنية التحتية الرئيسية في سلسلة من الهجمات التي استهدفت إقليم بلوشستان في جنوب غرب باكستان.

وأعلنت جماعة "جيش تحرير بلوشستان" المسلحة الانفصالية المسؤولية عن هذه الهجمات.

وخاض "جيش تحرير بلوشستان" الذي تأسس في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، مع جماعات مسلحة أخرى حملة طويلة الأمد ضد الحكومة الباكستانية المتهمة بالاستيلاء غير العادل على احتياطيات بلوشستان الغنية من الغاز والمعادن.

وزادت حالات الفقر الاقتصادي الشديد من تعميق هذه المظالم. وإقليم بلوشستان هو أكبر وأقل مناطق باكستان من حيث الكثافة السكانية والأكثر فقرا، حيث يُصنّف نحو 70% من سكان الإقليم على أنهم "فقراء متعددي الأبعاد".

وبينما تم تحميل أحدث الهجمات على عاتق إخفاقات الاستخبارات، فقد أثارت أيضا تساؤلات جدية حول مزاعم الحكومة الأخيرة بأن تمرد البلوش وقيادتهم قد ضعف بشكل كبير.

وتقول فرزانة شيخ إن حجم هذه الهجمات المنسقة بشكل وثيق يشير إلى خلاف ذلك. وتضيف أن الهجمات لا تقتصر على الإشارة إلى تمرد يبدو أنه بعيد عن الانتهاء، بل أيضا إلى منظمة مسلحة لا تزال قوية ومتطورة ولديها طموحات لتوسيع جاذبيتها من خلال الاستفادة من المشاعر الوطنية البلوشية.

وكانت هجمات "جيش تحرير بلوشستان" موقوتة لتتزامن مع ذكرى وفاة زعيم القبائل البلوشية المؤثر، أكبر خان بوجتي، الذي قُتل في مواجهة مع قوات الأمن الباكستانية في 26 أغسطس 2006.

وأثارت الهجمات الأخيرة القلق بشأن المخاطر التي تهدد المشاريع الكبرى للبنية التحتية الموجودة في بلوشستان، بما في ذلك تطوير ميناء جوادر على المحيط الهندي، الذي يعد جزءا من الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وعمليات التعدين المخطط لها في منطقة ريكو ديك في مقاطعة شاجاي.

وتعد هذه المشاريع أهدافا للغضب البلوشي وفي السنوات الأخيرة قُتل ما يقرب من عشرة من الرعايا الصينيين على يد مقاتلين من البلوش في بلوشستان وأماكن أخرى في باكستان.

وتضاف إلى هذه المخاوف مخاوف من توترات جديدة بين باكستان وجيرانها الإقليميين. وفي يناير، كان "جيش تحرير بلوشستان" في قلب مزاعم باكستان بشأن استخدام قواعد المقاتلين في إيران لتنفيذ هجمات ضد باكستان.

وأدت هذه المزاعم إلى تبادل الضربات الصاروخية والجوية عبر الحدود التي كادت أن تجر إيران وباكستان إلى حافة الحرب.

وقد وجهت باكستان مرة أخرى اللوم إلى جيرانها الإقليميين، وخاصة الهند، لدعمها الهجمات الأخيرة كخطوة لزعزعة استقرار الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني وإخافة المستثمرين الأجانب الآخرين. كما وجهت باكستان اتهامات إلى حكومة طالبان في أفغانستان بتأجيج العنف المسلح من خلال دعمها لطالبان الباكستانية وحلفائها، بما في ذلك "جيش تحرير بلوشستان.

وتتزايد الأدلة على تحول في تكوين ونمط المرحلة الحالية من التمرد البلوشي، مما يجعل مساره صعب التنبؤ به. وأهم تغيير هو مشاركة عدد متزايد من المحترفين من الطبقة الوسطى المتعلمة، الذين يقومون بتحويل التمرد من حركة يهيمن عليها الزعماء القبليون التقليديون إلى حركة تتمتع بجاذبية شعبية أكبر. ويُقال إن "جيش تحرير بلوشستان" قد أصبح مغناطيسا لمثل هذه الجماعات التي تفضل التفكير "الحديث وغير التقليدي".

وهناك أيضا زيادة في مشاركة النساء، وهي خطوة راديكالية في واحدة من أكثر مناطق باكستان الاجتماعية تحفظا. وفي 26 أغسطس، نشر "جيش تحرير بلوشستان" صورا لطالبة قانون من جوادر، قال إنها كانت الانتحارية المسؤولة عن الهجمات على قاعدة عسكرية في"لاسبيله".

و في أبريل 2022، تم التعرف على امرأة بلوشية حاصلة على درجة دراسات عليا في الطب باعتبارها الانتحارية التي قتلت ثلاثة من الرعايا الصينيين في جامعة كراتشي.

وهناك أيضا صعود لحركة حقوقية بلوشية نشطة ، تُعرف بلجنة الوحدة البلوشية، التي تتألف بشكل رئيسي من الناشطات وتقودها الطبيبة الشابة الكاريزمية، ماهرانج بلوش، وهي ملتزمة بعدم العنف، وتهدف إلى رفع الوعي الوطني حول عمليات القتل خارج نطاق القانون و"الاختفاءات القسرية" التي تشمل البلوش العرقيين.

ويُقدّر أن نحو خمسة آلاف بلوشي قد اختفوا منذ عام 2000.

وتتضمن إحدى الاتجاهات الأخرى في التمرد الحالي تنامي الكراهية والعداء تجاه الجماعات العرقية غير البلوشية، حيث يتم جذب العديد منهم إلى بلوشستان من أماكن أخرى في باكستان بفعل الفرص الاقتصادية والعمل في المشاريع المحلية.

وندد رئيس الوزراء شهباز شريف بالهجمات واعتبرها "مخططا شريرا" من "أعداء باكستان"، واصفا "جيش تحرير بلوشستان" بـ "الخوارج". ووعدت حكومته باتخاذ إجراءات صارمة، وبعد ساعات من الهجمات وافقت على تخصيص 72 مليون دولار للجيش لدعمه في محاربته للجماعات المسلحة في بلوشستان. لكن حتى الآن، لا توجد إشارات على أن الحكومة مستعدة لمعالجة المظالم البلوشية التي غذّت الشعور بالامتعاض السياسي. وأثار هذا مخاوف من أن المؤسسة العسكرية الباكستانية القوية ستتبنى رد فعل أمنيا صارما للتعامل مع ما يُعتبر على نطاق واسع أزمة سياسية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق